«روائع السعودية».. رحلة في الجزيرة العربية منذ العصر الحجري

تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، افتتح سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان، رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، والأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة العربية السعودية؛ معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية.. روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، في متحف اللوفر أبوظبي، والذي يعد المعرض العالمي الثاني في موسم فعاليات المتحف الثقافية.

حضر الافتتاح سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وسمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان رئيس دائرة النقل في أبوظبي، والشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان عضو المجلس التنفيذي، والشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان سفير الدولة لدى المملكة العربية السعودية، والشيخ زايد بن سلطان بن خليفة آل نهيان.

ورحّب سمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، بإقامة هذا المعرض في دولة الإمارات، مؤكداً أهمية استضافة «اللوفر أبوظبي» المعرض الذي يسرد تاريخ المملكة وحضارتها الإنسانية العريقة، إضافة إلى آثار الجزيرة العربية وحضارتها، مشيراً إلى أن استضافة المعرض تأتي في إطار العلاقات الأخوية الوطيدة والقواسم التاريخية المشتركة التي تجمع البلدين الشقيقين.

وأشاد سموه بدور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة، واهتمامه بالتاريخ والتراث الحضاري للمملكة، والحرص على التواصل الإنساني بين الشعوب ومد جسور التعارف بين مختلف الثقافات، إضافة إلى جهوده في إبراز الدور التاريخي للمملكة العربية السعودية عبر العصور والحضارات التي تعاقبت على أرض الجزيرة العربية.

من جانبه، أعرب الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في كلمته التي ألقاها خلال الحفل، عن سعادته بتواجده في دولة الإمارات، مشيراً إلى أن المعرض الذي يقام متزامناً مع «عام زايد»، يأتي تحقيقاً لتطلعات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - وقادة دول المنطقة في تعزيز التكامل والتلاقي بين شعوبها.

وحول قصة الجزيرة العربية عبر الأزمنة المختلفة، ومكانتها التاريخية كنقطة التقاء بين حضارات العالم المختلفة، ومحطة رئيسة على طرق التجارة العالمية؛ يأتي معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية.. روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور»، الذي يستضيفه متحف «اللوفر أبوظبي» في الفترة من 8 نوفمبر 2018 حتى 16 فبراير المقبل، ليبرز الدور الذي لعبته الجزيرة العربية، ويكشف التنوع الثقافي والحضاري الذي يتميز به عدد كبير من المقتنيات من تراث المملكة العربية السعودية، إضافة إلى مجموعة مختارة من القطع النادرة من الإمارات. ويعد هذا المعرض هو المعرض العالمي الثاني في موسم فعاليات المتحف الثقافية.

رحلة عبر التاريخ

يأخذ المعرض زواره في رحلة عبر مجموعة من الأقسام مرتبة زمنياً من القديم إلى الحديث، ليستكشف صفحات من تاريخ المنطقة، ويدرك ما تحمله من إرث حضاري وتاريخي للمملكة العربية السعودية والجزيرة العربية، حيث تبدأ الرحلة من العصر الحجري، ويضم القسم العديد من القطع الأثرية النادرة، من بينها أول أحفورة للإنسان العاقل في العالم، وهي عبارة عن العظمة الوسطى لإصبع إنسان، وهي تعود إلى العصر الحجري المتوسط نحو 90 ألف سنة قبل الميلاد، بما يشير إلى أن الانسان العاقل عندما خرج من إفريقيا وصل إلى الجزيرة العربية وأقام فيها لسنوات، وفق ما أوضحه نائب الرئيس لقطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالمملكة العربية السعودية، وأحد منسقي المعرض، الدكتور جمال عمر، الذي قدم شرحاً وافياً للأقسام والمعروضات خلال الجولة الإعلامية التي تم تنظيمها صباح أمس لوسائل الإعلام، لافتاً إلى أن مناخ الجزيرة في ذاك الوقت كان مختلفاً وكان بها أنهار وطبيعة خضراء.

ملاحة وطرق بحرية

يركز القسم الثاني من المعرض على الملاحة والطرق البحرية الأولى في الخليج، حيث بلغ ازدهار هذه الطرق ذروته بين عامي 2500 و1700 قبل الميلاد، عندما جابت أساطيل تجار دلمون مياه الخليج انطلاقاً من جزيرتي تاروت والبحرين، ويضم القسم مقتنيات ترجع إلى هذه المراكز التجارية من بينها أوانٍ ذات زخارف بوجوه بشرية وحيوانية حقيقية وخرافية من الأرجح أنها من إبداع سكان جزيرة تاروت، كما يضم مقتنيات من الإمارات، منها جرة مزخرفة برسوم هندسية تعود إلى حضارة أم النار (2500-2000 قبل الميلاد)، وحجر مزين بنقش نافر لجمل يعود لنحو 2300-1800 قبل الميلاد. في حين يركز القسم الثالث على أبرز العواصم التجارية في جنوب الجزيرة العربية، والذي يضم مقتنيات من الممالك التي تأسست في نهاية الألفية الأولى قبل الميلاد على سفوح المرتفعات وعلى أطراف الربع الخالي، واستمدت ثروتها من تجارة البخور مثل ممالك سبأ ومعين وقتبان وأوسان وحضرموت، وتعكس مقتنيات هذا القسم تأثر حضارة الجزيرة بحضارات أخرى مجاورة، مثل الاغريقية والرومانية والمصرية القديمة، خصوصاً في المقتنيات التي تعود إلى نجران وقرية الفاو اللتين كانتا محطتين إجباريتين على الطرق التجارية.

وينتقل القسم التالي من المعرض بالزائر إلى القرن الرابع قبل الميلاد، ليستعرض تأثير الهجرات السكانية على الحياة الاجتماعية والثقافية في شرق الجزيرة العربية، وما شهدته تلك الفترة من رخاء نتيجة نمو تجارة القوافل وتطور حركة التجارة البحرية، ما أسهم في ازدهار ميناء الدور (أم القيوين) في القرن الأول الميلادي، وازدهار مدن أخرى في الجزيرة مثل الجرهاء التي كان سكانها، حسب ما يذكره كتاب يونانيون ولاتينيون، يعيشون في مساكن ذات جدران مرصعة باللآلئ ومغطاة بالذهب ومزخرفة بالعاج، ولا يعرف مكان الجرهاء بالتحديد لكنها قد تكون ثاج، أحد أكبر المواقع الأثرية في المنطقة، ويعرض القسم قطع أثاث جنائزي فخمة ذات نمط يوناني عثر عليها في مدافن ثاج، وكذلك مقتنيات من أم القيوين، منها تمثال نسر من الحجر، وتمثال آخر لنسر يقف على رأس ثور.

طرق الحج

ويعكس القسم الخاص بطرق الحج دور رحلات الحج في تدفق القوافل البرية وازدهار الملاحة البحرية عقب ظهور الإسلام وانتشاره في شبه الجزيرة العربية ثم الأقاليم المترامية الأطراف للدولتين البيزنطية والساسانية، أما القسم الأخير من المعرض والذي يحمل عنوان «دروب الحداثة» فينتقل إلى القرن العشرين وتأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932، وقيام دولة الإمارات عام 1971، وكيف كان استخراج النفط بداية عهد جديد، حيث أفسح الاستثمار في بناء المدن والبنى التحتية البحرية والبرية والموانئ المجال أمام تدفق البضائع والسكان، وصولاً إلى اليوم، حيث نظم النقل الهوائي الفائق السرعة، ومركبات التاكسي الطائرة وغزو الفضاء.

اهتمام بالتاريخ

وقال الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة العربية السعودية، في تصريح له بمناسبة افتتاح المعرض: «إن تنظيم معرض (طرق التجارة في الجزيرة العربية.. روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور) في متحف اللوفر أبوظبي، ضمن جولته في عدد من أشهر المتاحف العالمية، يأتي في مرحلة مهمة من تاريخ المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، ويصب في إطار المقاربة المعتمدة في المملكة، والتي تقوم على إعطاء الأهمية للتاريخ والتراث، ضمن قطاع الآثار الذي تأسس قبل أكثر من 50 عاماً، والحرص على التواصل الإنساني بين الشعوب، ومد الجسور بين الثقافات».

ووصف رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، محمد خليفة المبارك، معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية» بالقلب النابض للموسم الثقافي الحالي في اللوفر أبوظبي، حيث يكشف عن روابط الصداقة والتعاون الوطيدة التي تجمع بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية الشقيقة وفرنسا، مضيفاً: «وبما أن متحف اللوفر أبوظبي يقع في منطقة تربط أبوظبي بشبه الجزيرة العربية، فإن هذا المعرض هو الأنسب لتقديمه للزوار بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لهذا الصرح الحضاري الذي نجح في تقديم القصص التي تتيح التأمل في جوهر الإنسانية».

جولة عالمية

معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية.. روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» هو ثمرة التعاون بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في المملكة العربية السعودية، ومتحف اللوفر في باريس، حيث تم تقديمه هناك للمرة الأولى عام 2010، ويعد واحداً من أهم المعارض السعودية العالمية التي قدمت الإرث الحضاري والتاريخي للمملكة والجزيرة العربية لأكثر من خمسة ملايين زائر من مختلف دول العالم، وأُقيم في أشهر المتاحف العالمية في 14 مدينة أوروبية وأميركية وآسيوية، بغية تعريف العالم بأسره إلى تاريخ هذه المنطقة. أما اللوفر أبوظبي، فيستضيف النسخة الجديدة من هذا المعرض الذي يتضمن قطعاً إماراتية نادرة تم اكتشافها ضمن مشروعات التنقيب في المواقع الأثرية بدولة الإمارات، بالإضافة إلى مجموعة من المقتنيات المُعارة من المتاحف والمؤسسات الفرنسية الشريكة بما فيها متحف اللوفر باريس ومكتبة فرنسا الوطنية ومتحف الأزياء والمنسوجات في باريس. وتولى تنسيق المعرض كل من نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني للآثار بالمملكة العربية السعودية جمال عمر، ومديرة إدارة المقتنيات الفنية وأمناء المتحف والبحث العلمي في اللوفر أبوظبي الدكتورة ثريا نجيم، والمنسقة العامة لقسم الآثار في اللوفر أبوظبي نويمي دوسي.

مقتنيات نادرة

يقدم المعرض قطعاً أثرية من دولة الإمارات، من بينها لؤلؤة وُجدت في أم القيوين يرجع تاريخها إلى عام 5500-5300 قبل الميلاد (مُعارة من متحف أم القيوين)، وحجر مزيّن برسم لجمل من أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد (مُعار من متحف العين)، وقطع من جلفار (مُعارة من متحف رأس الخيمة الوطني). وتُعرض هذه القطع إلى جانب مجموعة مهمة من القطع الأثرية من المملكة العربية السعودية، بما في ذلك لوحة جنائزية من العصر الحجري الحديث، ورأس تمثال برونزي من القرن الثالث قبل الميلاد (مُعارة من قسم الآثار في جامعة الملك سعود)، وقناع جنائزي من القرن الأول قبل الميلاد من المنطقة الشرقية (مُعار من المتحف الوطني في الرياض)، ولوحات محفورة من القرن التاسع (مُعارة من مكتبة الملك فهد الوطنية)، ولوح حجري على هيئة إنسان من الألفية الرابعة قبل الميلاد (مُعار من المتحف الوطني بالرياض)، وباب للكعبة يعود إلى عام 1355 (مُعار من المتحف الوطني في الرياض)، ومفتاح للكعبة (مُعار من قسم الفنون الإسلامية في متحف اللوفر).

فعاليات

يترافق المعرض مع فعاليات تُستهل بعرض «على طرق الجزيرة العربية» الذي يقام أيام (8 و9 و10 نوفمبر الجاري)، وهو عمل تم تصميمه خصيصى للمتحف يضم عروض أداء وموسيقى وشعراً بمشاركة فنانين من المغرب حتى الصين، حيث يأخذ جمهوره في رحلة تأسر الحواس ويسلّط الضوء على التراث الفني الغني لطرق التجارة القديمة في الجزيرة العربية. ويترافق مع هذا العمل الفني عرض لفن الخط للفنان التونسي كوم، حيث يخطّ مجموعة من الاقتباسات والكلمات المأخوذة من الأغاني والقصائد الشعرية، ليرمز بذلك إلى المراحل المختلفة من «طرق الجزيرة العربية». وفي إطار البرنامج الثقافي المترافق مع المعرض، تتولّى الفنانة الإماراتية هند مزينة تنسيق سلسلة من عروض الأفلام التي ستُقدّم كل يوم سبت ما بين 5 و26 يناير المقبل، وتضم أفلاماً وثائقية وأفلاماً سينمائية مرتبطة بالعالم العربي في الماضي والحاضر.

الأكثر مشاركة