جلال بن ثنية.. إماراتي مشى 2000 كيلومتر لدعم أصحاب الهمم

مستلهماً نهج وقيم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، اختار الشاب الإماراتي جلال بن ثنية أن يلفت الانتباه لمعاناة أصحاب الهمم ومرضى التوحد، والعمل على توعية المجتمع بها، متخذاً من السير على الأقدام لمسافات طويلة وسيلة لتحقيق ذلك، بعد أن وجد أن هناك غياباً للوعي المجتمعي في هذا المجال، وحاجة ملحّة إلى تسليط الضوء عليه، فقام بالسير عبر الإمارات السبع، وأيضاً السير من الرويس إلى مكة المكرمة لدعم مرضى التوحّد وأصحاب الهمم.

بن ثنية أوضح في حواره مع «الإمارات اليوم» أن نهج الشيخ زايد كان هو مصدر إلهامه في هذه المسيرة، ومصدر إلهام لكل من يعمل في المجال الإنساني والتطوعي، «فلطالما دافع، طيّب الله ثراه، عن حقوق الإنسان بغض النظر عن نوعه أو سنّه أو دينه أو قدراته الجسدية، كما آمن، رحمه الله، بأنّ الجميع يستحقون فرصة عادلة في مجتمعنا، وأنّ لدى الجميع ما يمكن أن يعود بالنفع على العالم». وأضاف بن ثنية «هذه المعاني التي رأيتها متجسدة في مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، جعلتني أتمعّن في نفسي وتساءلت عمّا يمكن أن أفعله لأحسّن حياة أصحاب الهمم، ليصبحوا أكثر رضا عن الحياة التي يعيشونها، وكان الجواب هو خوض هذا التحدي والانطلاق في السير، فآباؤنا المؤسّسون والتراث الذي تركوه لنا مصدر إلهام للوطن كله».

وأشار بن ثنية الى أنه عندما بدأ رحلاته، وتحديداً في أواخر عام 2006، لم يكن هناك وعي كافٍ بمعاناة أصحاب الهمم، كما هو الحال اليوم، فقرر البدء بالمشي عبر الإمارات للفت أنظار الناس إليه وإلى الرسالة التي يحملها. وتابع: «بهذه الطريقة استطعت أن أثير الفضول وأحمل وسائل الإعلام على التساؤل عن سبب مشي شاب على طرقات صحراوية خلال عطلته الجامعية، وهو ما أسهم في لفت انتباه الناس إلى مركز دبي للتوحّد وكل ما يفعله بهدف تحسين حياة هذه الفئة»، معتبراً أن القيام بعمل انساني أو توجه شخص لخدمة قضية إنسانية ما، لا يجب أن يرتبط بالضرورة بوجود شخص يعاني في عائلته أو محيطه هذا الوضع، «فعلينا دائماً أن نتحلى بروح المبادرة».

وعن كيفية تخطيطه لرحلاته؛ أوضح جلال بن ثنية أن فريق عمله يتألف عادة من متطوع واحد وسيارة واحدة تحمل المؤن، حسب مدة الرحلة، لافتاً إلى أنه كان يستخدم سابقاً خريطة في التخطيط لرحلته، لكن بدأ لاحقاً في استعمال «غوغل إيرث» وخرائط غوغل لتحديد المسافة والكيلومترات التي يجب أن يجتازها.

صعوبات وتحديات

لم تخلُ رحلات الشاب الإماراتي من صعوبات وتحديات، من أبرزها، بحسب ما ذكر، الإجراءات البيروقراطية المتعلقة باجتياز بعض النقاط التي شكلت عائقاً حقيقياً، كون السلطات لم تشأ تعريض حياته للخطر، «فخلال رحلتي إلى مكة المكرّمة عام 2012 مثلاً، أوقفتني الشرطة في منطقة ريفية من السعودية، لكن ما إن عرفت الهدف من الرحلة، حتى قدّمت لي الدعم، وأدى الأمر إلى نجاح هذه الرحلة. كما أدى الرعاة دوراً أساسياً في تنفيذ هذه المشروعات، ولولاهم لما نجحت في تحقيق تقدم يُذكر». كذلك كانت هناك تحديات أخرى مرتبطة بالطقس وإيجاد ملجأ، بالإضافة إلى تعرّضه لإصابات طفيفة كالكدمات والتقرّحات والجروح الناتجة عن التعرض للنباتات أثناء المشي، والإنهاك الذي تسببه أشعة الشمس للشخص بغضّ النظر عن مدى قوّته «فلا أحد يحتمل الطرقات الرتيبة الطويلة وحرارة الصحراء المرتفعة إلى الأبد. كما أنني كنت أفتقر أحياناً إلى المياه الكافية للاستحمام والطعام. هذا عدا عن غياب المرافق المريحة، إذ كنت أنام على جانب الطريق في الصحراء. لكن أصعب ما واجهته في رحلاتي على الإطلاق حدث قرابة نهاية رحلة الـ2000 كيلومتر من أبوظبي إلى مكة المكرّمة، فحين بلغت جبال المدينة المنوّرة، تملّكني القلق والجوع والألم العاطفي عندما تذكرت الأشخاص الذين قالوا لي إنني لن أنجح وإنني سأموت محاولاً تحقيق هدفي. وقتها أدركت أن المرء لا يمكنه أن يعرف ما إذا كان قادراً على تحقيق أمر ما إلا إذا حاول».

واعتبر بن ثنية أنه نجح في إيصال رسالته التي حملها منذ البداية إلى المجتمع، وهذا النجاح كان دافعاً لتعاونه مع شركة «غلاكسو سمث كلاين» في حملتها التي تحتفي بالأبطال الذين يتحمّلون الآلام ويتجاوزون العوائق من أجل القيام بعمل يؤثر إيجابياً في مجتمعاتهم، وذلك عبر مسابقة تجري عبر الإنترنت، وتدعو المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة لتسمية الأشخاص الذين يعتقدون بأنهم يستحقون لقب أبطال الحياة اليومية، وإرسال قصصهم الملهمة لمشاركتها مع الجميع، وفي نهاية الحملة سيتم الإعلان عن القائمة المختصرة التي ستضم أسماء الفائزين من الأبطال لدعم القضايا التي يختارونها عبر وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى إيمانه بأهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به القطاع الخاص في دعم القضايا المجتمعية المناسبة.

ثقافة التطوّع

عن مدى انتشار ثقافة العمل التطوعي في المجتمعات العربية، ومجتمع الإمارات بشكل خاص؛ قال بن ثنية: «أرى أن الأمور تسير نحو الأفضل مع إطلاق مبادرات ممتازة في الإمارات ودول الخليج والعالم العربي ككلّ، خصوصاً في ما يتعلق بمشاركة المؤسسات والشركات الخاصة التي باتت تؤدي دوراً أكبر من السابق، وتخصص ميزانيات للمبادرات الخيرية، فثقافة رد الجميل والعطاء واضحة، وهو ما يشير إلى أننا قد قطعنا شوطاً كبيراً خلال فترة قصيرة، وهذا إنجاز مهم».

رسالة «عام زايد»

قال الشاب الإماراتي جلال بن ثنية: «آمل من خلال مشاركة قصتي وقصة الأقوياء الآخرين في مجتمعنا أن نحث مزيداً من الأشخاص على التأثير إيجاباً في حياة المحيطين بهم. وتكتسب هذه الرسالة في (عام زايد) أهمية خاصة، كون هذه القيم هي التي تأسست عليها دولتنا وقادتها إلى قمة النجاح».

الأكثر مشاركة