زكي نسيبة: كل يوم في حياة زايد كان يشهد «مواقف ذهبية»

قال وزير الدولة زكي نسيبة إنه رغم الكتابات العديدة التي حاولت التطرق إلى جوانب من شخصية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عبر رؤى متباينة، فإن جميعها لايزال بعيداً عن استبطان الكثير من الجوانب الثرية في تلك الشخصية.

كل يوم رسالة

قال وزير الدولة زكي نسيبة، إنه في كل يوم في حياة زايد كانت هناك دوماً حقيقة، أو قصة تحمل رسالة رائعة، جديرة بالتأمل، والوقوف عندها.

وتابع: «لم يكن المغفور له يتردد حينما يسمع أن شخصاً ما بحاجة إلى المال لمساعدته، وحتى حينما قصصت له ذات يوم أنني انتهيت من سماع أحد الأعمال الأوبرالية الرائعة لفاجنر، وكيف أن ذلك المبدع الرائع أضحى مريضاً، فطلب مني فوراً إرسال المال من أجل المساعدة في نفقات علاجه».

مَن لهم؟

في سياق تذكره لواحدة من القصص التي جمعته بالشيخ زايد، قال نسيبة إن المغفور له كان يحرص على شراء بعض منتجات الباعة الذين لا يمتلكون منافذ بيع خاصة بهم.

وتابع: «كان الشيخ زايد يقوم بذلك حين كان يقول: لو لم أشترِ من هؤلاء فمن لهم كي يعودوا بالمال إلى عائلات تنتظرهم؟».

وأضاف نسيبة أن «هناك حاجة ماسة لاستلهام فكر زايد، لاسيما في هذا الظرف الحضاري الاستثنائي الذي يعيشه العالم العربي والمنطقة، لذلك يجيء عام زايد بمثابة فرصة استثنائية، ليس فقط لاستدعاء مآثر القائد المؤسس، ولكن أيضاً لتدبر مدرسة زايد بعمق وبصيرة».

وأكد نسيبة: «الحديث عن زايد سيظل هو أهم ما يمكن التطرق إليه بالنسبة لي، ففي ارتباطي به كان دائماً هناك كل يوم مواقف ذهبية، لا يمكن أن تتجاوزها الذاكرة، وهي مواقف تتجاوز محيطها الزماني والمكاني، لتعكس نسقاً قيماً متكاملاً في الحياة، كما في الحكم والفكر والسياسة».

جاء ذلك خلال ندوة «ذكريات زايد» التي نظمها مهرجان طيران الإمارات للآداب في دورته العاشرة، أول من أمس، وحضرها جانب كبير من ضيوفه المنتمين إلى 65 دولة، وأدارها الإعلامي إبراهيم استادي.

واستهل نسيبة الندوة بإشارته إلى الديوان الشعري المميز لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ويحمل عنوان «زايد»، مؤكداً أن المغفور له رغم رحيله لايزال يعيش في قلوب الجميع، سواء على مستوى القيادة الرشيدة أو جميع أبناء الوطن والمقيمين، بل إن كل من يمتلك فطرة سليمة لا يستطيع إلا أن يحتفي بقيم زايد وصنيعه.

واستدعى نسيبة أيضاً في محطة ارتكازه على الحاضر بعض الوقائع القريبة، التي تؤكد أن «زايد لايزال يعيش في قلوب محبيه»، قبل أن يبحر في النشأة، وملابسات انتقال العائلة من الواحة إلى الساحل منذ حقب بعيدة.

ووقف نسيبة عند ملامح المرحلة التي نشأ وترعرع فيها الشيخ زايد، رحمه الله، واصفاً إياها بالمرحلة الصعبة المضطربة سياسياً، وكيف أنه اهتم منذ نشأته بالتراث، والدور الكبير الذي لعبته والدته الشيخة سلامة في تنمية هذا الجانب لديه.

وتابع نسيبة: «زايد وُلد قائداً، ومنذ تجربته الأولى من توليه المسؤولية وهو يعمل دوماً من أجل البناء، لذلك فحينما نعود إلى نحو نصف قرن مضى مع بدايات مشروع الدولة العصرية، سنجد كيف أنه فاجأ عالَماً قابل مشروع الإمارات الوحدوي بالكثير من الشك».

وتابع: «البعض توقع أن الاتحاد لن ينجح، وأنه مشروع استبق عصره، وأن البيئة غير صالحة لاستمراره، لاسيما في ما يتعلق بواقع المنطقة، والأجواء العدائية المحيطة مع بعض جيران الإمارات، لكن قيادة زايد العبقرية والاستثنائية استطاعت أن تتجاوز كل تلك التوقعات والتحديات، وتبهر الجميع، وتبدد تلك القناعات».

ويشير نسيبة إلى أنه على الصعيد الشخصي، كان أمام «صدفة» غيرت مجرى حياته، وهي المجيء إلى الإمارات سائحاً عام 1964، بسبب امتلاك عائلته إحدى شركات البناء المرتبطة بأعمال بأبوظبي، حيث يقول في شهادته على المكان: «أبوظبي حينها كانت قرية صغيرة، والمبنى الوحيد المقام هو قصر الحصن الذي تم بناؤه في أواخر القرن الـ18، حينما انتقل آل نهيان من ليوا إلى أبوظبي».

وأشار نسيبة إلى أنه قدم مرة أخرى عام 1968 الى أبوظبي ليستقر مع عائلته التي أسست شركة عقارات، وكان حينها لا يوجد سوى فندق وحيد في الإمارة «بيتش هوتيل»، ومكانه فندق هيلتون الآن، في حين أن جميع الشركات كانت تلجأ الى إقامة مخيمات للموظفين والعمال معاً.

وأشار نسيبة إلى أن المقابلة الأولى له مع الشيخ زايد كانت في عام 1968، ليجد نفسه أمام عرض العمل مع قائد استثنائي كمتحدث رسمي، مضيفاً: «عمل الشيخ زايد ضد التيار السائد والمضطرب في المنطقة، واستطاع أن يخلق مصيراً جديداً لشعبه».

وأضاف: «احتفظ زايد بسمات القائد التقليدي كزعيم قبيلة مهيب، لكن كل ذلك عضده برؤى مستشرفة للمستقبل، مؤمنة بوطنه، لذلك اهتم اهتماماً كبيراً بتأسيس مؤسسات وبنية تحتية قوية، وصناعة كوادر وطنية قادرة على تحمل مسؤولية بناء الوطن».

وأضاف: «امتلك الشيخ زايد كل مقومات التطور من قائد قبيلة إلى قائد وطني، لأنه كان قريباً دوماً من الناس، ومؤمناً بفكرة الوطن».

ووقف نسيبة على بعض ملامح الشخصية القيادية للشيخ زايد، في مقدمتها امتلاك المغفور له لرؤية بعيدة المدى، وهي رؤية استراتيجية لعبت دوراً رئيساً في استقرار المنطقة والدولة، مضيفاً في هذا الصدد: قال لي الشيخ زايد رحمه الله: «لابد أن نرحب بالعصرنة، ولكن مع الحفاظ على هويتنا، وتراثنا».

وأكمل: «عضَّد زايد ورسخ فكر الاتحاد، الذي مفاده نحن جميعاً إماراتيون، وسعى الى بناء كوادر وطنية، وبنية تحتية متطورة، وتمكين المرأة، واهتم بالتعليم، وعرف كرجل وقائد رؤيوي، كيف يحفز الجميع ويلهمهم من أجل تحقيق رؤيته التي يؤمن بها لمصلحة الوطن والمواطنين».

وقال: «كان رحمه الله يؤمن بمبدأ التشاور ويستمع إلى جميع الآراء دون إقصاء، كما أنه كان يؤمن بالمساواة بين جميع البشر، ويسارع إلى المساعدة دون انتظار لطلبها، حيث كانت 10% من أول ميزانية رسمية يتم إقرارها لإمارة أبوظبي مخصصة للمساعدات، رغم الظروف الاقتصادية التي لم تكن مواتية حينها».

وأضاف نسيبة: «آمن الشيخ زايد إيماناً راسخاً بمبادئ ظل مخلصاً لها، في مقدمتها التسامح، وكان رجل دولة من الطراز الأول، يوطد علاقاته مع جميع الدول عبر زياراته شخصياً، فصنع علاقات قوية مع الجميع على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، لأنه كان رجل سلام، ينشد التقارب وتوحيد الصفوف».

واستشهد بموقف الشيخ زايد من المساعدات لأفغانستان، حيث وجَّه بأن تكون المساعدات غذاء ودواء وليس سلاحاً، قبل أن يحيل مستمعيه إلى وصف أحد كتاب «نيويورك تايمز» لشخص زايد، أثناء مقابلة إعلامية: «زايد رجل دولة يتكلم بالشعر».

الأكثر مشاركة