«رحلات مكة».. في متحف بروكلين لـ4 أشهر

تحت عنوان «أحمد ماطر.. رحلات مكة»؛ يقدم الفنان السعودي أحمد ماطر معرضه بمتحف بروكلين في نيويورك، ليكون أول فنان عربي تعرض أعماله في هذا المتحف.

ويبرز ماطر في المعرض التغيرات المتعاقبة في شتى أرجاء مدينة مكة المكرمة، ويسجل معالم الزمان والمكان فيها من خلال التوسع الاستثنائي وأعمال الإنشاءات. ويضم المعرض الذي يوثّق المدينة المقدسة أنماطاً فنية متعددة، منها الصور والفيديو وكذلك التركيب.

أصوات وتجارب

يقدم الفنان أحمد ماطر من خلال المعرض كتاباً بعنوان «صحراء فاران.. تواريخ غير رسمية حول التوسع الشامل في مكة المكرمة»، الصادر عن دار لارس مولر للنشر، ويرصد سنوات طويلة من الترحال لأصوات وتجارب ونشاطات سكان وحجاج مكة المكرمة في منظور جديد. ويحمل الكتاب نصوصاً عن منطقة مكة، إلى جانب الصور التي التقطها أحمد ماطر، الذي أشار إلى أن فكرة الكتاب تستهويه، ويرى أنه من الضروري أن ينتج الفنان ولو كتاباً واحداً في مسيرته الفنية، كون الكتاب جزءاً من النتاج الفني والفكري.

12

شهراً احتاجها إنجاز المعرض.

5

سنوات من البحث تطلّبها «رحلات مكة».

وفي حوار خاص لـ«الإمارات اليوم»، قال الفنان أحمد ماطر، إن «هذا المعرض نتيجة بحث فني لفكرة المدينة، فشخصياً أهتم بالذاكرة والمدن، واخترت أكثر المدن تأثيراً في الذاكرة والحياة اليومية، فمكة من أكثر المدن تأثيراً على حياتنا وثقافتنا وفكرنا ومشهد حياتنا اليومي».

وأضاف: «التغييرات الحضرية كانت ملهمة ومستفزة لي كفنان كي أبحث عن إجابة، ففكرة المدينة تجذبني، خصوصاً أني أتيت من قرية بجنوب المملكة».

الأكثر خصوصية

ويصف أحمد ماطر المدينة بأنها المصير، والبيت الأكبر، وهذا ما يجعله يبحث عن المدن والمعمار، على الرغم من كونه درس الطب، وتخصص في مجال صحة المجتمع.

وأشار الى أن مجموعة عوامل، منها الدراسة، أثرت في بحثه عن مكة، المدينة الأكثر زيارة، والأكثر خصوصية في العالم، ليتبلور هذا المعرض. وعن تفاصيل «رحلات مكة» قال: «لقد عملت على مجموعة فيديوهات، إلى جانب الصور الفوتوغرافية والأعمال التركيبية، فهناك في المعرض (نوافذ مكة المكرمة)، وهو عمل تركيبي من قطع جمعتها أثناء بحثي وسفري، إلى جانب ستة مقاطع فيديو، تركز على الحركة الثقافية السائدة، وكذلك صور فوتوغرافية». ونوه بأن التعددية في الأنماط الفنية مع وجود ثيمة موحدة للأعمال، لا تجعل السير بالفكرة أمراً سهلاً، موضحاً أن الفكرة هي التي تقوده وتتحكم بشكل المعرض، دون أن يترك الوسائط الفنية تتحكم به.

ولا يهتم ماطر بعنصر البهجة في المعرض، فما يسعى إليه من خلاله هو ترك التساؤلات عند المتلقي، مؤكداً أن فكرة «الفن البسيط» في الغرب لا تستهويه بقدر الفن الروحي الشرقي. وعن المعايير التي حكمت عمله على مكان مقدس، قال إن «فكرة الدهشة جعلتني أتعامل مع المكان بشكل مختلف، فمكة المكرمة مكان له خصوصية دينية.. الأصوات والتركيب والتوثيق، إلى جانب تعاملي مع مكة كمدينة فيها حياة يومية، إذ يعيش فيها ثلاثة ملايين، ويزورها في موسم الحج ثلاثة ملايين، وهذا ما جعلني أقدم صورتين عن المدينة». وفي ما يتعلق بتقديم المعرض لمكة في العالم الغربي في ظل الصورة غير الصحيحة السائدة لدى البعض عن الإسلام، قال ماطر: «أعتقد أن المعرفة والشراكة الاجتماعية تصححان الكثير من تلك الصورة الخاطئة»، لافتاً إلى أن العديد من الدول الإسلامية هي التي تقود اليوم الحراك ضد الإرهاب، الذي يطل اليوم بأشكال مختلفة. وشدد على أن الفنان يحمل مسؤولية تجاه المجتمع في هذا الصدد، فـ«الفن هو القوة الناعمة، والمساحة المشتركة المسؤولة عن خلق حوار حضري للنقاش في لغة إنسانية. والفن عبر التاريخ شريك ومؤثر بالرأي الاجتماعي والسياسي، فهو الدبلوماسية النائمة، ولا يمكن فصل الفن عن الحياة، فالفن هو مشهد الحياة الإنسانية والآراء السياسية والاقتصادية، فهو المرآة، ومن الضروري أن يلعب هذا الدور، فالفنان لا يمكن أن ينعزل».

منصة جميلة

ويستمر المعرض أربعة أشهر، وهو المعرض الأول لفنان عربي في بروكلين، وعن ذلك قال ماطر، إن «بروكلين من المدن الأكثر راديكالية في الموسيقى، والفنون، والثقافة، ومنصة جميلة، أتمنى أن تؤدي إلى فتح نقاش ناضج، وأن أستمع للنقد، فالمعرض بلاشك سيضعني أمام مسؤوليات جديدة، ولكن لابد من خوض التجربة».

ولفت إلى الحركة الفنية المتقدة في الخليج والتي تحتاج إلى بناء منظومة متكاملة من الوعي الثقافي والحركة النقدية، منوهاً بالاعتراف الذي حصل عليه الفن الخليجي في العالم. وحول أهمية الفن السعودي والمكانة التي حققها، خصوصاً في الغرب، رأى ماطر، أن أي بلد وأي فن يحمل قصة جديدة ومختلفة سيكون في المقدمة، معتبراً أن الاختلاف في الفن السعودي يكمن في أن المملكة اليوم تحمل فكراً مختلفاً، اسمه السعودية الجديدة، والتغيير واضح ونحن أمام مشهد حضري وفكري وإنساني، وكذلك اجتماعي وسياسي مختلف، ولهذا بات الفن متصدراً، فقصة التغيير الموجودة الآن هي الحدث الأهم، وهي التي تبرز الطاقة الشبابية، فقرية المفتاحة التشكيلية كانت بداية حركة التشكيل، بينما اليوم المشهد أكثر تنظيماً، وستبنى معاهد للفنون. وشدد على أن «الحركة الفنية لا تكفي إن لم تصاحب بالتعليم، فوجود مجموعة من المبدعين البارزين وحده ليس كافياً للتأثير على الناس، إن لم يكن لأولئك الفنانين المردود الحقيقي على مجتمعهم وعلى العالم الفني». يشار إلى أن أحمد ماطر من مواليد 1979 بتبوك، ونشأ في مدينة أبها عاصمة منطقة عسير، جنوب غرب السعودية، ودرس الطب في جامعة الملك خالد بمدينة أبها. ومن خلال اهتمامه بالتصوير الفوتوغرافي، والأفلام، والفن الأدائي، والنحت، يسعى ماطر إلى إنتاج أعمال تتفرد بجماليات متجاوزة، ويعمد إلى أدوات تفاعلية تعكس بصيرته في المحيط وتساؤلاته التي تخطو خارج الحدود وتمس الآخر. ويعد من أهم الفنانين الذين وظفوا القيم المستقاة من ثقافات مختلفة ليجعلها ثيمة لأعماله ورسالة واضحة لمنهجه الخاص. يتولّى ماطر إدارة وإخراج العديد من المشاريع في منصات دولية وإقليمية، وفي عام 2017 تم تعيينه مديراً تنفيذياً في «معهد مسك للفنون» التابع لمؤسسة مسك الخيرية.

الأكثر مشاركة