مقدسي وزوجته يحوّلان منزلهما إلى متحف لفسيفساء روما

من مدينة روما بكل معالمها الأثرية إلى مدينة القدس التاريخية، رحلة حضارة نقلها المقدسي سعيد الغزالي وزوجته سناء، فخلال زيارتهما إلى العاصمة الإيطالية لمدة عام كامل أحبّا فن الفسيفساء المنتشر فيها، وقررا تجسيده بكل تفاصيله بعد العودة إلى أرض الوطن فلسطين.وبعد عودة الغزالي إلى القدس قادماً من العاصمة الإيطالية، بدأ مشوار إحياء فن الفسيفساء القديم الذي زينت به قبة الصخرة في المسجد الأقصى، فذهب إلى القبة لمشاهدة التصاميم المرصعة بها، والتي رسمت على أيدي الأمويين عام 750، إضافة إلى تصفحه مواقع الإنترنت لتعلم هذا الفن، والتعرف الى الأدوات اللازمة في صناعة لوحاته.وبعد عمل متواصل استغرق سبعة أشهر متواصلة منذ بداية العام الجاري، نجح الغزالي وزوجته في تحويل منزلهما الكائن في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى إلى متحف أثري، حيث رصعا جدران البيت بلوحات من الفسيفساء التي صنعها بيده، ناقلاً بذلك تراث العمارة في روما وفنونها، ليعيد إحياء هذا الفن بعد اندثاره في فلسطين.

معرض منزلي

قالت سناء الغزالي زوجة الفنان الغزالي وشريكته الفنية إن «اللوحات المعروضة داخل منزلنا بلغ عددها 200 قطعة، ونقدم جزءاً منها كهدايا لزوار المعرض، وللمهتمين بالآثار القديمة، وفي بعض الأحيان يستقبل زوجي طلبات من الزبائن وفقاً لمواصفات خاصة بهم، حيث يبدأ سعر اللوحة الواحدة من 100 دولار، وتصل الأسعار إلى 1000 دولار حسب حجم اللوحة».

«الإمارات اليوم» زارت منزل المقدسي سعيد الغزالي (64 عاماً)، فالقادم إليه يظن أنه يتجول داخل أزقة وأحياء روما، فجدران وأروقة المنزل بالإضافة إلى صخور ولوحات كبيرة زينت بأدق تفاصيل فن الفسيفساء، وكأنها نقلت مباشرة من إيطاليا إلى القدس على أيدي رسامين إيطاليين.ويقول الغزالي، وهو يتوسط لوحاته الفنية المرصعة بالفسيفساء: «هذا الفن لم يعد له مكانة في فلسطين كالسابق، حيث يتطلب صفاء ذهنياً وقدرة اقتصادية، وهذا ما يفتقده الفلسطينيّون بسبب الأوضاع السياسية والمعيشية المتردية التي تعصف بهم، وهذا ما أفقد فن الفسيفساء قيمته التاريخية القديمة، لكنني أردت إحياءه، أولاً لأنني أعشقه، وأيضاً لإعادة اهتمام المواطنين بتاريخنا القديم».ويوضح أن إنتاج لوحة فسيفسائية يمر عبر مراحل عديدة، أوّلها اختيار التصميم، ومن ثم رسمه على الورق، وبعد التأكد من خلو اللوحة من الأخطاء، تطبع على قطعة قماش نظراً لأنها أكثر تماسكاً من الورق.وكان الغزالي يصنع في بداية مشواره الفني لوحتين أسبوعياً، ولكن اليوم أصبح بإمكانه إنتاج أكثر من 20 لوحة في الأسبوع الواحد.ويشير الغزالي إلى أن مساعدة زوجته له كانت بمثابة الداعم الأساس له في إنتاج لوحات الفسيفساء الإيطالية، مضيفاً «مهمة زوجتي النحت وتفريغ القماش. وإضافة إلى ذلك فهي ترافقني إلى الكهوف والمغارات في الضفة الغربية ومدينة القدس للبحث عن الحجارة الخاصة بهذا الفن».وما يميز عمل الغزالي، الذي يعمل صحافيّاً مع وكالة للأنباء داخل القدس، الحجارة التي يستخدمها، فهي طبيعية 100%، أما التي يجمعها ملونة فلا يضيف عليها أصباغاً. كما أنها فلسطينية بحتة، ويجلبها من القدس والخليل في جنوب الضفة الغربية، وقرية جماعين الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة نابلس التي تشتهر بحجارتها القوية والنوعية.ويقول الفنان المقدسي: «إن أهم ما يميز الحجارة المستخدمة بفن الفسيفساء أنه لا يكون في داخلها عروق متشعبة بكثرة، وأنها تتميز بألوانها المختلفة، وأن يكون نوعها صخرياً، كما أن العمل الفسيفسائي كلما ازداد قدماً ازداد جمالاً».ويستخدم الغزالي في عمله لإنتاج لوحات الفسيفساء الألوان ومواد الغراء الأبيض السائل، لإلصاق حجارة الفسيفساء بعضها ببعض على اللوحة التي يرسمها، إضافة إلى القليل من الصبر والدقة، لابتكار لوحة أو تصميم جميل يحتوي على عمل إبداعي.ويشير الغزالي إلى أنه رغم انشغاله في عمله الصحافي، إلا أنه يستثمر وقت فراغه في إنجاز أعمال الفسيفساء والخروج بأعمال جديدة تسر الناظرين إليها، وتذكرهم بهذا الفن الجميل الذي اندثر نتيجة عدم الاهتمام به، نظراً لارتفاع كلفته المادية، لافتاً إلى أن كلفة إنتاج لوحة فسيفساء تصل إلى 400 شيكل أي ما يعادل 100 دولار أميركي.من جهتها، تقول سناء الغزالي (56 عاماً)، زوجة المقدسي صانع لوحات الفسيفساء الإيطالية: «عندما بدأ زوجي بممارسة هذا الفن قبل سبعة أشهر، ولاحظت أنّه مشغول طوال الوقت بجمع الحجارة ونشرها ورسمها، قرّرت أن أقضي وقت فراغي معه لأساعده في هذا العمل، الذي عشقته بعد مشاهدتي الرسوم الجميلة التي يرسمها باستخدام هذا الفن العريق».وتضيف «في البداية، كان إنتاجنا مقتصراً على التدرب والهواية، ولكن مع الممارسة أتقنا هذا العمل، وصنعنا أعمالاً نالت إعجاب الأصدقاء والأقارب والجيران، حتى أصبحت مصدر دخل جزئي لنا، فتنوعت أعمالنا ما بين اللوحات والصناديق والطاولات الصغيرة، وكذلك الصحون واللوحات الوطنية».ويستغرق عمل لوحة الفسيفساء، بحسب زوجة الغزالي، 14 يوماً من العمل المتواصل والدقيق، ومن ثم تحفظ داخل الغرفة التي خصصت لعرض الأعمال الفنية.

الأكثر مشاركة