شهد محمد: إعاقتي استفزت المواهب في داخلي
يحظى ذوو الإعاقة في الإمارات برعاية خاصة واهتمام كبير، لدمجهم في المجتمع والحياة العامة، بهدف إظهار طاقاتهم وقدراتهم، كفئة منتجة تسهم في تنمية المجتمع وعملية التنمية الشاملة في الدولة. وتولي الدولة اهتماماً لذوي الإعاقة من منطلق إنساني وتربوي واجتماعي وثقافي، ولم يعد هذا الاهتمام تحت مظلة الرحمة والإحسان والعطف. وقد استطاع عدد كبير من المعاقين في الإمارات تحقيق إنجازات كبيرة على جميع المستويات، واستطاعوا متسلحين بالإرادة والأمل والصبر تحويل الإعاقة إلى سبب ودافع لإنجاز قصص نجاح مهمة ولافتة ومبهرة وملهمة. هذه الصفحة الأسبوعية تسلط الضوء على «إرادة» انتصرت.
من الصعب لمس نوع الإعاقة الموجودة لدى الطفلة شهد محمد، التي تبلغ من العمر 10 سنوات، فهي لن تمنحك فرصة التكهن بإعاقتها، بسبب ثقتها العالية بالنفس، وطلاقتها في الحديث والتعبير، إضافة إلى شخصيتها المميزة، وحضورها القوي، وطريقة تعاملها مع الناس. شهد التي وقفت أمام والدتها يوماً ما وقالت لها «أحمد الله أنني من ذوي الإعاقة، فأنا عندي شيء ناقص، لهذا عندي شيء أكمله، وهذا هو طريقي في الحياة». والدة شهد تحكي كم استمدت القوة من تلك الطفلة، منذ أن لاحظت عليها أنها ليست كسائر أقرانها في العمر، هي التي ولدت في منطقة جبلية في اليمن، لا تتوافر فيها الإمكانات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إذا لم يتدخل الطب سريعاً، على حد تعبيرها، فمن «جدري» يصيب كل أطفال العالم، إلى جلطة دماغية، بسبب الإهمال الطبي في التشخيص، نتج عنه شلل دماغي أدى إلى إعاقة حركية في اليد اليمنى، وصعوبة في المشي، لذلك تجعلك شهد، بإرادتها، تشعر بأنها تعاني إعاقة بسيطة، أشبه بخلع ولادة، بسبب ما تمنحه لك من طاقة إيجابية، تتناسى من خلالها التدقيق أو السعي وراء مراقبة حركة تلك الطفلة المزهوة بالحياة.
| • عندي شيء ناقص، وهذا يعني أن عندي شيئاً أكمله، وهذا هو طريقي في الحياة. • كان الاحتمال كبيراً بأن تظل كسيحة.. لذلك كان القرار بالعيش في الإمارات، لاهتمام الدولة بالمعاقين. • «هل تتوقعون من معاقة في الحركة أن تخوض مسابقة في الجري وتفوز، نعم فزت بمسابقة الجري، وحصلت على ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية». |
الحفيدة الأولى
في الوقت الذي كانت فيه شهد تقدم آخر امتحانات هذا الفصل الدراسي، كان الحديث مع والدتها، التي حاولت أن تحكي حكاية شهد «هي الحفيدة الأولى لعائلة زوجي الذي كان يعمل في الإمارات، وكنت حينها مازلت في اليمن في منطقة باقع الجبلية»، وأضافت «في عمر الأربعة أشهر أصاب شهد الجدري، وحمى شديدة جداً، في ذلك الوقت كانت شهد محط أنظار الجميع، بسبب قوة عصبها، فهي في تلك الأشهر القليلة كانت مثلاً تحمل (الرضاعة) لوحدها، وفي الوقت الذي سقطت منها (الرضاعة) عرفت أن شيئاً أصاب ابنتي الصغيرة»، وقالت «كانت شهد حبيبة الجميع، لم يسمع كلامي أحد، بسبب دلالهم الكبير لها، فسّروا كل حركاتها غير الطبيعية مقارنة مع أقرانها بسبب حبهم لها، واهتمامهم الزائد بها، لكن قلبي كأم كان يحدثني بالعكس، حتى مع التشخيص الطبي البدائي في المنطقة التي كنت أعيش فيها، شعرت أن قلبي وإحساسه أقوى من التشخيص الطبي، فقررت وقتها أخذ طفلتي إلى عدن، وكان قد أصبح عمر شهد 11 شهراً، لا تقف ولا تحبو ولا تتكلم».
القرار
اصطحبت والدة شهد طفلتها إلى عدن لرؤية طبيب مختص ومشهور «بمجرد أن دخلت إليه، وكشف على ابنتي، بدأ بتوبيخي واتهامي بعدم اهتمامي بطفلتي، التي كان من الممكن إسعافها مبكراً، ووصفني بأوصاف قاسية، واحتملت كل ذلك الكلام وأنا أسمع أن شهد مصابة بجلطة دماغية، والاحتمال كبير بأن تظل كسيحة لا تمشي ولا تتكلم، لذلك كان القرار بأن نعيش مع زوجي في الإمارات، لما ندركه من اهتمام الدولة بفئة ذوي الإعاقة، وكان بالفعل القرار الحكيم الذي بسببه وصلت شهد إلى ما وصلت إليه من تقدم، ففي الوقت الذي لم نستطع فيه تحمل تكلفة العلاج الكبيرة، كان نادي الثقة في الشارقة يشرع أبوابه لنا، ويقدم لشهد كل التسهيلات كي تكون فرداً منهم وتتعالج في رحابهم وتحت إشرافهم، وأصبح لشهد (أب روحي) اسمه أحمد المظلوم، وهو مدير النادي»، مؤكدة «في عمر السنتين تقريباً، صارت شهد قادرة على الوقوف والمشي خطوات عدة، بسبب العلاج الطبيعي الذي كانت تأخذه».
أصعب المراحل
تقول «أم شهد» إن أصعب مرحلة تعرضت لها كأم لطفلة من ذوي الإعاقة كانت مرحلة دخول شهد المدرسة «كان عمرها أربع سنوات، وقادرة على تهجئة الحروف والعد، ومؤهلة لخوض امتحان القبول لأي مدرسة»، وأضافت «شهدت قسوة من بعض مديرات المدارس، اللواتي من المفترض أن يكن جزءاً من تعليم الاندماج وعدم التفرقة، خصوصاً أن ابنتي قادرة على تحمل مسؤوليتها لوحدها»، وتكمل بألم «كانت تُسحب ورقة امتحان القبول من يديها دون رأفة، بمجرد أن يعلمن أنها مشلولة اليد، لكن مع إصراري استطعت أن أدخلها المدرسة التي تتناسب معها، مع اتفاق مسبق مع الإدارة بتجريبها لمدة شهر، اجتازته شهد بجدارة، لكن اجتماعياً بدأت نفسية شهد بالانحدار».
موضحة «أدركت شهد اختلافها، وكانت تعود كل يوم من المدرسة تبكي، بسبب استهزاء زملائها منها، لكن بدعمي ودعم إخوتها ووالدها ونادي الثقة استطعنا أن نخلق لديها حب الحياة من جديد، خصوصاً عندما قررت المدربة سعاد، التي كانت بمثابة أم ثانية بمعنى الكلمة لشهد، أن تدخل شهد معترك التنافس في البطولات».
شهد
أما شهد نفسها، التي أنهت امتحاناتها لهذا الفصل وهي متفائلة وواثقة بما قدمته، وحين تروي حكايتها تبدأ بالتعريف بنفسها بطلاقة، وقدرة لافتة على التعبير عن نفسها «اسمي شهد محمد عمري، عمري 10 سنوات، أنا أدرس في مدرسة النعيمية الخاصة، وعضوة في نادي الثقة للمعاقين».
وأضافت «عندي مواهب كثيرة، منها الرسم، وإلقاء القصائد، وتلاوة القرآن، وهواياتي الرياضة، مثل الجري والتايكواندو والسباحة»، وتكمل «دخلت النادي وكان عمري سنة ونصف السنة، وكنت لا أستطيع المشي والوقوف، لكن بسبب العلاج الطبيعي تحسنت كثيراً»، مؤكدة «كنت أخجل من إعاقتي، خصوصاً عند الخروج من المنزل، واضطراري لارتداء (الاسبلنت) في رجلي وفي يدي، لكن حياتي تغيرت كثيراً إلى الأفضل، بعد أن شاركت في المسابقات والبطولات»، مؤكدة «لم أعد أخجل من إعاقتي، بل على العكس، أصبحت أحمد الله عليها، لأنها استفزت في داخلي مواهبي المخفية الأخرى»، وقالت «الثقة بالنفس هي أولى الخطوات في تحدي الإعاقة، وما جعلني واثقة بنفسي هو نادي الثقة، الذي منحني فرصاً كثيرة، سواء بالعلاج المجاني أو دفعي لأكون جزءاً فاعلاً في المجتمع، من خلال مشاركتي في المسابقات الرياضية، فهل تتوقعون من معاقة بالحركة أن تخوض مسابقة في الجري وتفوز؟ نعم فزت بمسابقة الجري، وحصلت على ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية، ويعود الفضل إلى معلمتي وأمي الثانية، الكابتن سعاد، التي زرعت في داخلي حب الحياة والتحدي».
مؤكدة وباعتزاز «الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الفكر وليس الحركة، ونحن لدينا شيء كي نكمله يعوض عن إعاقتنا».
وخاطبت عائلتها قائلة: «أمي وأبي، إخوتي الاثنين، خصوصاً أخي الذي أتى بعدي مباشرة، الذي إذا وجدني محتارة في ربط حذائي يأتي ويساعدني، أنتم القوة الكامنة في حياتي، اعلم مدى تعبكم كي توفروا لي كل ما أحتاجه، على الرغم من الكلفة العالية للأجهزة التي ارتديها، إلا أنكم تصرون على منحي السعادة، يوماً ما سأكبر وأصبح طبيبة، كي أساعد الآخرين على حب الحياة، والمُضيّ فيها».