«القرية العالمية» تزدان بـ 10 ملامح من تراث الإمارات
في أجواء مفعمة بروح الحداثة، وتنوع الفلكلور العالمي المختلف شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، تبرز حالة استدعاء للماضي المفعم بخصوصيته المحلية، في قلب القرية العالمية، متمثلاً في القرية التراثية، التي تتجاوز حالة الاحتفاء بعبق «الزمن الجميل»، إلى التعايش مع تفاصيله، واختبار تحدياته.
هل أنت مستعد لخوض غمار الحياة في البيئة الصحراوية؟ سؤال افتراضي يتكرّر في زوايا مختلفة بـ«القرية التراثية» وإذا كانت الإجابة بـ«نعم» عليك الدخول والاقتراب، والاستفادة من توجيهات مختص، سيسدي لك النصح من أجل تجربة معايشة، تقترب إلى حد بعيد من حياة السلف.
الإجابة بـ«لا»، تحمل أيضاً فرصة للتجول والتقاط الصور التذكارية مع المقتنيات المختلفة سواء الحية من جمال وصغارها وصقور بأنواعها المختلفة، أو اليدوية والمحنطة، دون أن تعوزك أهمية التثقيف بالكثير من أسرارها بشكل علمي موثق، نظراً لأن مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، هو من يقوم بتنظيم هذه الفعالية التي تمتد حتى نهاية استقبال القرية العالمية لزوارها في دورتها الحالية.
الماضي يعود من جديد داخل القرية التراثية في القرية العالمية كل يوم، حيث يمضي أصحاب الحرف اليدوية لمزاولة مهنهم المعتادة، في أماكن تحاكي تلك التي كانت، ولايزال بعضها قائماً في أماكنه الأصلية، ليرسم كل منهم لوحة تستحضر الماضي بكامل حيويته.
من هنا فإن «القرية التراثية» التي تعج بالحياة من خلال ساكنيها المفترضين الموجودين فعلاً لإطلاع رواد القرية التراثية على المعلومات بوضوح وبلا رتوش، لا تأخذ شكل المتحف المفتوح فقط، بل هي مساحة يعود فيها روادها الى حقبة مضت، وبقت تقاليدها وخصوصيتها قائمة، باعتبارها موروثاً أصيلاً مرتبطاً بالتراث اللا مادي للإمارات، وهو ما تم إثبات الكثير من تفاصيله.
واحتفظت نماذج المساكن القديمة بتصاميمها التقليدية، وأعيد تشييدها هذا الموسم في شكل خيم البادية والبيوت التي تستخدم في المدينة، والتي كانت تصنع من خوص النخل ومن ثم البيوت الحجرية التي كانت تُبنى على الساحل، فضلاً عن البيوت التي كانت تُستخدم في المناطق الجبلية.
رحلة الهجن.. تبدأ من هنا
في كل عام تنطلق من قلب القرية التراثية بالقرية العالمية، رحلة تقطع رمال صحراء إمارات عدة بالدولة، قبل أن تعاود الاستقرار مرة أخرى، مستعيدة مسيرة رحلات لطالما قطعها الأجداد، سعياً وراء توفير سبل العيش ومورد الرزق.
وصممت مساحة محدودة داخل القرية التراثية، لاحتواء الإبل وليطلع الزائر على طريقة إطعامها وتربيتها، التي يطلق عليها اسم (المراح) والقصد الموقع الذي تجلس فيه الإبل بجانب البيوت قديماً ويكون مجهزاً ببعض الحبال لربط الجمال.
المسكن الصيفي
| بن عيسى: لمحة من طيف التناغم
وصف الرئيس التنفيذي للقرية العالمية أحمد حسين بن عيسى، وجود القرية التراثية، داخل القرية العالمية، المفعمة بالحداثة، وبانوراما الثقافات العالمية، بـ«اللمحة المحورية والرئيسة التي تشكل مكوناً أصيلاً من حالة التناغم والتواصل الإيجابي والانفتاح على كل الثقافات التي تنسجها فعاليات القرية العالمية». وتابع: «حينما نحتفي بوجوه وهويات من مختلف أنحاء العالم، فإنه من الضروري أن يكون الوجه الإماراتي حاضراً بكل تفاصيل موروثه الثري، وهو ما تمثله القرية التراثية». وأثنى بن عيسى على جهود مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث في إنجاز «القرية التراثية» وإداراتها، مضيفاً: «رغم أنها السنة الثالثة لإقامتها، فإننا في كل عام نلمس جديداً مبهراً في مكوناتها وآلية تنظيمها».بن حريز: «قرية» من الواقع
أكد مدير مكتب الرئيس التنفيذي في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث محمد بن حريز، أن جميع الأدوات والمواد الخام، والوسائل المستخدمة في تشييد القرية التراثية هي نفسها تلك التي كان يستخدمها السلف في الأغراض ذاتها المشار إليها. وتابع: «القرية التراثية تمثل متحفاً مفتوحاً يروي قصصاً تاريخية ومحطة تستعرض تفاصيل الحياة قديماً على يد مجموعة من الحرفيين، وتلقي الضوء على نماذج المساكن القديمة للإمارة». ورأى بن حريز أن وجود «القرية التراثية» في قلب «القرية العالمية» مناسبة جيدة تسهم في تعزيز جهود مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، لنشر الثقافة المحلية بوسائل مبتكرة. |
المسكن الصيفي، أو «بيت الصفة»، هو أحد مقتنيات القرية التراثية، ويكون بناؤه بصــف الـحجـر دون الاستعانة بأيــة مواد داخليــة، ما يتيــح فرصــة دخول الــهـواء للبيــت، ويـتــم بنــاء هـذا الـنــوع مـن الـبيــوت فــي الجبــال كمــســكـــن صيــفي، حــيـث تتـصف الـحجـارة الـمسـتخــدمة فـي بنائـــــه بأنـــها عـازلــــة للـحـــرارة، وتُترك في جـوانبـه الأربـعـة فـتـحـات عــدة للتهويـة، كمـا يُغطـى سـقــف الـبيـت بشـجر جبلي عازل للحرارة يسمى «عسبق».
منازل أهل الساحل
رغم استحواذ موروث أهل البادية بشكل لافت على المكان، إلا أن بيئة الساحل تبدو جلية أيضاً، بما في ذلك «الكِرين» أو الخيمة المجردة، الذي يبقى بمثابة المنزل الـذي يقطنــه أهـل الساحـل شتـاء، وهـو عبارة عن خيمة مخروطية الشكل، تصنع من جريد الـنخــل الـخالــي مـن الـخـوص، إذ يبــدأ بنــاء «الكريـــن» بحفر مواقع تُشكّل أركان الخيمـة، وتُثَبـَّت بداخلــها الدعائـم أو ما يُسمــى باللـهجـة الإمـاراتـيــة «اليـدوع» وتعـنــي جـذوع الأشجار خصـوصاً النخــل.
بيوت أهل المدر
وكما تستوعب القرية التراثية بيوت أهل الساحل، تقدم نماذج ايضاً لبيوت أهل المدر، أو البادية، وهو ما يُعرف بـ«بيت الشَعْر».
وتعود التسمية نظراً لكون مادة صنعه الأساسية هي صـوف الـخــراف، وهو الملجأ الذي يرتاح فيه من عناء حياته القاسية. كـمــا أن حجـــم بيــت الشعــر ومــا يحويــه مـن أدوات يعــكــس مـكانــــة صاحبــه فــــي المجتـمــــع البــدوي.
مجلس الحي
لا تغيب مظاهر الحياة الاجتماعية القديمة عن القرية التراثية، حيث نجد تصميماً استعادياً لهذا المجلس الذي كان يطلق عليه «الحظيرة»، وهــي مجلــس الحــي لـدى أهـل الباديــة قـديمـــاً، كمــا تعتبر المجلس الخاص لسكان أهـل البـاديـة، وهـي مكـان يحدده الشخـص بنفسـه ويحيـطــه بأغـصــان أشجار «المرخ» الذي ينبت في دولة الإمـارات. كمــا يتـم استخـدام غصــون أشجـار أخــرى كالسمـر والغــاف وغـيـرهـا لـتـثـبـيـت أغصــان المــرخ، لأنـهــــا لا تتحمل قوة الرياح والظروف الجوية إذ وضعت لوحدها. وتُبنى بشكل حلقة مفتوحة مـن إحـــدى الجــهات، علــى ألا تكــون الجهـــة المفـتـوحــة معاكسة للرياح بل يتم وضعها من جهــة الشـــرق لأن طبيعة الرياح فـي دولــة الإمــارات عادة مــا تكـون جنوبية شرقية.
نموذج للحياة الزراعية
وباعتبارها نموذج للحياة الزراعية، تعرض القرية التراثية «الوعب»، وهو تمهيد أرض فـي بطـن الجبـل أو السهل، خصـوصاً تـلـك الأراضـي الـخاصـة بـزراعــة الحَـب «البـر» فـي موسـم الأمطار، ويُبنـى «الوعب» مـن الحـصـى بحيث لا يقل ارتقاعه عـن 15 سم حتى يحتفظ بمـاء الــزراعــة مما تفيض به السـيـول.
لذلك فإن «الوعب» يقع في الغالب بالقرب من مجرى مياه الأمطار، ليتراكم فيه الطـيـن الـصـالـح للزراعة، كما يساعد موقعه على سهولة غمره بمياه الأمطار من خلال إقـامة مجرى للمياه أو أكثـر. وقـد بنيـت «الوعـوب» منـذ مئـات السنيـــن، ومــا زالـت قائمـة حتـى وقتنـا الحاضـر، ولا توجــد منطقــة جبليــة مأهولـة بالسكان إلا ولديها مجموعة من الوعوب.
نموذج للحياة الاقتصادية
تستوعب القرية التراثية نماذج متعددة للحياة الاقتصادية، ومنها آلة «الرحى» التقليدية، التي تبقى بمثابة أداة لطحــن الحبــوب والغلال، تُصنــع مــن حجــر قــوي مـثــل الصــوان والـبـازلـــت. وتأتي الرحى علــى شكــــل طـبـقـتـيــن مـتـوازيـتـيـن، ذات ثـقـب فـي الـوسـط لـوضــع الـحـبـوب بـداخلــها، ويتــم تحريــك الـحجـــر الـعلوي أو تـدويـره، فـتـخـرج الحبوب مطحونة من الجوانب. وبما يشبه وظيفة المستودع، أو المخزن متعدد الأغراض، يأتي ما كان يطلق عليه «البخار»، وهو المخزن أو المستودع الذي يستخدم لحفظ الأمتعة في الدار. كما يستخدم لحاجات المعيشة وللسكن سابقاً.