جدال إعلامي وثقافي على مائدة «اللغة العربية»

استدعت قضايا عدة متصلة باللغة العربية عدداً كبيراً من المثقفين والإعلاميين والفنانين، وأيضاً ممثلي وسائل ومؤسسات محلية عديدة، لمناقشتها، وذلك بعد قيام الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة وتنمية المعرفة، أمس، بافتتاح الدورة الخامسة من ملتقى الثقافة وتنمية المعرفة، الذي تم تخصيصه هذا العام للغة الضاد بعنوان «ملتقى اللغة العربية».

لغة خالدة

شدد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة وتنمية المعرفة، على أهمية اللغة العربية في إثراء أنشطة الثقافة والفنون المسرحية ذاتها من خلال ما تملكه من إمكانات كبيرة، وتؤكد مكانة هذه اللغة الخالدة وعاءً للثقافة في المجتمع، وتحقيق ارتباطها القوي بكافة أنشطة الحياة، مؤكداً أن الملتقى يلفت الانتباه بقوة إلى أهمية دور فنون السينما والمسرح والتمثيل عموماً، بل وكذلك أنشطة الكتابة والحوار والإعلام والإعلان، باعتبارها مجالات مهمة تتأثر باللغة وتؤثر فيها، منبهاً إلى أن على القائمين على العمل الثقافي والفني والإعلامي، واجباً ومسؤولية في أن يكون هذا التأثير المتبادل ناجحاً وفعالاً على كل المستويات وبكل المقاييس.

وأضاف أن أنشطة الثقافة والفنون تسلط الضوء على ذلك كله من خلال الجوانب المختلفة للغة، فهي لغة الحركة والأداء، لغة الموسيقى والغناء، لغة المناظر والمشاهد، لغة وسائل الإعلام والاتصال، لغة الحياة في المجتمع المحيط، حيث تتكامل كل هذه الأمور بعضها مع بعض، وبشكل فعال ومهم، في الأعمال الفنية والمسرحية الراقية والناجحة بما يثري كل الجوانب اللغوية في المجتمع.

ووحدت قضايا اللغة والنقاشات المختلفة، التي تنوعت وفق جدول أعمال ثري، ذوي المشارب المهنية والثقافية المختلفة، بل شهد الملتقى مشاركة فاعلة أيضاً من بعض طلبة الجامعات، خصوصاً كلية الإعلام في جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، الذين استثمروا فعاليات الملتقى، والتعامل معه باعتباره حدثاً واجب التغطية الإعلامية على الأرض.

وبعيداً عن تقليدية الملتقيات الرسمية، وجد حضور ملتقى «العربية» انفسهم جزءاً من مشهدية «الراوي» بزيه التقليدي المعروف في التراث العربي، لتكون البداية بمشهد تمثيلي رُوعيت في استخدامه جماليات «العربية»، قبل التحول إلى الافتتاح الرسمي للحدث.

وأثنى الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة وتنمية المعرفة، على إبداعات الفائزين بجائزة القصة القصيرة هذا العام، فضلاً عن الفائزين بمسابقات عام القراءة التي أطلقتها الوزارة، قبل أن يقوم بتكريمهم، في مشهد كرس منهجية وزارة الثقافة في دعم ذوي الإبداعات الشابة، وغرس وتدعيم ثقافة القراءة والمطالعة.

وانتهجت الجلسات المختلفة النهج الساعي إلى كسر النمطية، ففي جلسة أدارها وكان المتحدث الرئيس فيها المذيع بإذاعة «نور دبي»، أيوب يوسف، بعنوان «طائر الإعلام الجديد في نشر الثقافة العربية»، تحدث يوسف بلغة عربية فصحى، لكنها جاءت سلسة ومدعمة لتواصله مع الحضور المتنوع، بمن فيهم من طلبة مدارس، وفنانين، وممثلي مؤسسات مختلفة.

وأشار يوسف إلى أنه يهدف إلى التقريب وإيجاد قناة طبيعية بين الإعلام التقليدي والمعاصر، علينا أن نفهم بشكل واعٍ مصادر اللغة العربية، مشيراً إلى أن هناك آليات لإثراء الحصيلة اللغوية، يجب أن تكون متصلة بتلك المصادر، التي في مقدمتها القرآن الكريم، والشعر العربي قبل نهاية العصر الأموي، في ما يتعلق بشكل خاص بما اصطلح على تسميته الشواهد اللغوية، في حين تبقى المطالعة والقراءة بمثابة سلاح دائم لإنماء تلك الثقافة.

وفي القاعة الأخرى كان المذيع الشاب، إبراهيم استادي، يدير جلسة جمعت بين المذيعة صفاء الشحي والشاعرة والمذيعة شيخة المطيري، وهي الجلسة التي جاءت بعنوان: «تفعيل دور الثقافة في تفعيل مكانة اللغة العربية»، حيث شهدت الجلسة طرح رؤى مختلفة من المتحدثين من جهة، والحضور من جهة أخرى.

واستعرضت الشحي في إطار طرحها جانباً من تصوراتها بشأن حقل الإعلام الثقافي، حيث رأت أن تجربتها في ثلاثة تلفزيونات محلية مختلفة، قدمت في كل منها برنامجاً ثقافياً مختلفاً، أن هناك عزوفاً عن المادة الثقافية في المقام الأول من قبل المعلن، ما يؤثر في مدى حماسة إدارات القنوات للترحيب بها، لكنها أشارت إلى أن مبادرة «عام القراءة» قلبت الطاولة لمصلحة البرنامج الثقافي، وأصبح الآن مطلوباً بشدة على شاشات مختلف القنوات التلفزيونية المحلية.

ورأت شيخة المطيري أن علينا أن نسعى لإرساء مفهوم غير ضيق وأكثر رحابة للثقافة، بحيث لا تكون متقوقعة فقط على المادة التقليدية التي هي نتاج الفكر والثقافة والأدب، بقدر ما نسعى إلى جعلها محتوى منافساً للنتاجات الأخرى، وقادراً على إيجاد آليات لجذب رواده ومتعاطيه.

الحضور الفني على منصة اللغة العربية كان فاعلاً أيضاً من خلال ندوة بعنوان «اللغة العربية في الفنون»، التي جمعت بين كل من عادل النجار وأحمد الجسمي، وهي الندوة التي أدارها الدكتور حبيب غلوم.

وركز الجسمي بشكل خاص على جوهرية جماليات اللغة العربية في المشهد الفني عموماً، وفي الفنون الأدائية بصفة خاصة، مشيراً إلى أن أي إبداع في فنون المسرح أو السينما أو الدراما التلفزيونية لا يمكن أن يمر إلا عبر بوابة اللغة الفنية.

وشدد الجسمي على ضرورة ألا تُفهم مناصرة «الفصحى» على أنها معاداة في المقابل للهجات العامية التي تبقى بمثابة أداة شديدة الأهمية للحفاظ على أصول اللغة حية ومستخدمة وموجدوة في حياة الناس، مضيفاً: «الفن مرآة للمجتمع، ولا يمكن للفنان أن يستخدم لغة عصية على التواصل مع القطاع العريض من المجتمع، الذي نصطلح على تسميته بالجمهور».

وأكد الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، أن هذا الملتقى المتجدد للثقافة وتنمية المعرفة يمثل في حلقاته المتواصلة مجالاً رحباً لمناقشة كل الأمور التي تتعلق برسالة الوزارة في تنمية الوعي الثقافي في المجتمع، وتطوير المناخ الأدبي والفني والثقافي واللغوي في الدولة، وما يرتبط بذلك كله، من سعي وطني مخلص، كي تكون الإمارات دائماً مجتمعاً معرفياً، يكون فيه إنتاج المعرفة ونشرها وتطبيقها أساساً مهماً للغاية في مسيرة التقدم والنماء التي تشهدها دولتنا العزيزة في كل المجالات.

وأشار إلى أن الملتقى الخامس للثقافة وتنمية المعرفة، الذي ينعقد في ظل شعار «العربية لغة الثقافة»، وهو شعار واعد يضم في إطاره عدداً من المفاهيم المهمة في حركة تطور الثقافة والمعرفة بالدولة من هذه المفاهيم بالذات خلال هذا العام، هو عام القراءة، بما يحتويه من مبادرات رائدة في هذا المجال، من هذه المفاهيم أيضاً الإدراك العميق للعلاقة العضوية بين اللغة العربية، والثقافة الوطنية والقومية، مؤكداً أن اللغة العربية كانت وستظل دائماً من خلال هذه العلاقة، لغة العلوم والمعارف الإنسانية، وظلت بحق وعن جدارة لغة خالدة حية ونابضة، بل ومتحركة باستمرار في كل الاتجاهات والمجالات.

الأكثر مشاركة