«الإمارة» و«ماء ودم».. أصوات معذّبين وعنف جاوز الحد
شهد اليوم الأول من فعاليات مهرجان وهران السينمائي، في دورته الثامنة التي انطلقت أخيراً، عرض مجموعة من الأفلام القصيرة والطويلة، التي تنوعت موضوعاتها؛ لتعكس أحلام الشعوب ومعاناتها، ومن بينها فيلما «الإمارة»، و«ماء ودم».
البداية مع الفيلم القصير الليبي «الإمارة»، للمخرج الليبي المقيم في ألمانيا مؤيد زابطية، وتدور أحداث الفيلم ومدته 30 دقيقة في جو مليء بمشاهد العنف، ويحكي عن ناشط ليبي يختطف من قبل جماعات متطرفة بعد لقاء تلفزيوني.
منذ الدقائق الأولى للفيلم، يشعر المشاهد بأنه أمام صناعة عالية المستوى، من ناحية التكنيك وطريقة إدارة المخرج للكادر وحركات الممثلين، لكن الذي يحدث بعد ذلك عبارة عن هروب مستمر من مشاهد يصر المخرج على أنها قاسية لكن الحقيقة أنها عنيفة، فالقسوة من السهل متابعتها؛ لأنها قد تمس الوجدان ويتفاعل معها المتلقي، لكن الذي حدث مع فيلم «الإمارة»، الذي يحكي عن التطرف بكل أشكاله هو العنف المفرط، وشدة وقع مشاهد التعذيب.
فكرة الفيلم مبنية أساساً على إدانة التطرف بكل صوره، وأن المتطرفين يشبهون بعضهم بعضاً: تطرف بعض القبائل في ليبيا أو تطرف الإسلاميين، وحتى تطرف أصحاب القرار والأمن، وضمن تكريم «راحلين»
ضمن فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان وهران السينمائي؛ احتفى المهرجان بكوكبة من الفنانين الراحلين، من خلال وقفة في فندق الرويال في وهران.
واحتفى المهرجان بالأديبة آسيا جبار، وسيدة الشاشة العربية الفنانة فاتن حمامة، والفنانة الجزائرية فتحية بربار التي اكتشفها محيي الدين بشطارزي وشاركها في أعمالها المسرحية، وأخيراً الناقد قصي صالح درويش، ولقبه المشاكس.
تتكرر عمليات العنف والضرب والصراخ في فيلم «الإمارة»، ولم يكن للسيناريو والحوار أي حضور، وكانت تلك المشاهد كفيلة بخروج بعض المشاهدين - وغالبيتهم من الصحافيين والنقاد - من قاعة العرض.
الرسالة لم تصل من مخرج الفيلم مؤيد زابطية، إذ تاه المشاهد بين تفاصيل كان من المفترض أن تكون إنسانية أكثر، ليتفاعل معها المشاهد الذي يتابع عنف متطرفين حاضراً دائماً عبر الشاشات في اللحظة الآنية، وسط الأحداث الملتهبة التي تمر بها المنطقة.
| تكريم «راحلين»
ضمن فعاليات الدورة الثامنة من مهرجان وهران السينمائي؛ احتفى المهرجان بكوكبة من الفنانين الراحلين، من خلال وقفة في فندق الرويال في وهران. واحتفى المهرجان بالأديبة آسيا جبار، وسيدة الشاشة العربية الفنانة فاتن حمامة، والفنانة الجزائرية فتحية بربار التي اكتشفها محيي الدين بشطارزي وشاركها في أعمالها المسرحية، وأخيراً الناقد قصي صالح درويش، ولقبه المشاكس. |
الشخصية الرئيسة التي بنى عليها زابطية حكايته، كانت في الفيلم أشبه بـ«سوبرمان» لا يقهر؛ لذا لم تصل الرسالة، إذ لم يخدمها أداء ولا تمثيل محكم، إذ تاهت تلك الرسالة بين أصوات المعذبين وضربهم. وبينما غابت فكرة الوطن، حضر التطرف الذي يتنوع بين قبلية وأخرى متمرسة فاسدة، وأخيراً - حسب المخرج - ميليشيات إسلامية تسيطر على كل هؤلاء.
الناشط الليبي، الذي تحدى الموت أكثر من مرة، وحاول أن يلفظ جملة «لن أخاف»؛ وصل إلى مرحلة مغلقة لا أمل فيها، لكن تسليط المشهد النهائي على وجهه بعد أن استطاع أن يهرب من الزنزانة ويقتل كل المتطرفين فيها، وهذه سقطة أخرى؛ إذ أراد المخرج أن يحول ذلك الناشط المسالم إلى قاتل آخر يهرب إلى الخارج فيجد سيارات أمن كثيرة، يقتاده أفرادها، فنجد أن جميعهم متشابهون في الملامح، مع أن السيارات أمنية وحكومية؛ غير أن من يقودونها متطرفون إسلاميون.
فيلم «الإمارة» ليس العمل الوحيد الذي يريد أن يقدم خطابه إلى الآخر، وليس إلى العرب، إذ يوجد مخرجون منتمون إلى بلاد الثورات العربية وصلوا إلى مرحلة أنهم يريدون أن يسمعهم الغرب، ويقف عند مسؤولياته، وهذا ما أكده أيضاً مخرج الفيلم.
في المقابل؛ وضمن فئة الأفلام القصيرة، يأتي فيلم عبدالإله الجوهري من المغرب «ماء ودم» مليئاً بالتفاصيل، والتي نجح الفيلم في إيصالها في دقائق قليلة بشكل سلس. ففكرة الفيلم عن العنف الذي يورث، وعن العنف الذي يترك أثره دون البوح به، وعن العنف الذي يرتبط دائماً بدم فاض وكثر، ولم تعد للماء قدرة على تنظيفه.
يبدأ الفيلم مع طفل لم يتجاوز الـ10 سنوات، في يوم من الواضح أنه يوم عيد؛ وثمة خروف ينتظر سكين الذبح.. هذه اللحظة كانت كفيلة بإعادة ذكريات في ذهن كل فرد في هذا المنزل المغربي، بداية من الطفل الذي عاد إلى يوم «طهوره» وصوته وبكائه.
يخلو فيلم «ماء ودم» من الملل، إذ يجعل المشاهد يترقب كل مشهد؛ ليربط بين مشهد جزّ عنق الخروف وسلخ جلده وكل التفاصيل المرتبطة بذلك، ومنها وقعها على الزوجة الأم، التي عادت بذاكرتها إلى ليلة عرسها، وما ارتبط بها من دم يدل على الشرف حتى لو كان الزوج ضعيفاً، فهو يبحث عن مخرج كي تظل صورته قوية.. تبكي الزوجة عندما تتذكر تلك الليلة، لندرك بعدها أن زوجها كان معتقلاً في يوم ما، وضرب وأهين. في كل مشهد من تلك المشاهد يوجد دم ويوجد ماء الذي يأتي في النهاية لتنظيف كل هذا.