دبابة تلاحق «فراشة» هالا محمد
تهيمن الحرب والدبابات والمجازر وعوالم الموت على مجموعة «قالت الفراشة» للشاعرة السورية هالا محمد، التي يمكن تسميتها بمجموعة القصيدة الواحدة، على الرغم من اشتمالها على قصائد كثيرة.
سبب إمكانية تسمية «قالت الفراشة» بمجموعة القصيدة الواحدة هو وحدة موضوعها إجمالاً. ووحدة الموضوع جديرة بأن تضفي على القصائد المتعددة ملامح وخصائص تجعلها متشابهة، بل أقرب إلى التوأمة أحياناً، إذ تعد القصائد كأنها تقاسيم على لحن واحد أو على قصيدة واحدة، إلا أن هذا لا يمنع وجود قصائد قليلة متميزة لكنها في المحصلة النهائية لا تنفصل كلياً عن الموضوع الاساسي العام، وهو موضوع الحرب والموت في سورية.
كتبت قصائد المجموعة التي صدرت عن دار الكوكب وهي فرع من شركة رياض الريس للكتب والنشر في بيروت بين عامي 2011 و2012 ونشرت أخيراً.
والقصائد ذات سمات رمزية حيناً، وواقعية أحياناً، إذ تكثر فيها المجردات والمجازات، كما جاءت القصائد مرقمة، وراوحت بين قصيرة وأخرى طويلة.
في الرقم واحد تقول هالا «فراشة حطت على كفي هذا الصباح.. حمولة الألوان تهمتها». أما في الرقم اثنين ففيه ذكريات ما قبل الجحيم، الطفولة والمدرسة قبل أن ينتشر الموت: «بيني وبينك.. سلسلة جبال شاهقة من الوداد.. بيني وبينك.. ابتسامات دموع.. ثياب على حبل الغسيل.. تستفيق على أجسادنا.. جيوب تخشخش بالإفلاس.. طامورة الفخار.. طفل ينام ويكبر في حضنك. بيني وبينك سائق الباص العمومي.. باص البلدية على طريق المدرسة يزمر في الحارات.. ينتظر.. يتفقدنا مستقبلا مستقبلا.. اصدقاء، موالاة، معارضة، أبيض اسود».
وتهدي الشاعرة السورية عدداً من قصائد المجموعة إلى شهداء، منها القصيدة التي تحمل الرقم أربعة «لا وقت للرياحين.. القبور كأنها عابرة.. ليس موتا هذا الموت.. الأجساد ساخنة، ضاحكة، حارة، حرة كأنها تحيا.. كأنها لا تموت».
وفي الرقم خمسة تقول هالا محمد «بصدر عار.. تسقط الدفاتر.. دروس في التعبير والقراءة.. سندويشات من الخبز الطري.. ومثلثات الجبنة الضاحكة.
أقلام الرصاص تعاون الاهل على بريها.. في البيت.. توضيبها في حقيبة المدرسة.. بالرصاص الحي تذوي.. القاتل الأمي.. يلقن ابنه الحبيب دروس التلوين.. بالأحمر في دفتر الرسم». بينما تقول في القصيدة السادسة «الدبابة.. في حديقة البيت.. تلاحق الفراشة.. الشاهد.. كي لا تكشف.. كي لا تبث المجزرة». أما في القصيدة الرقم ثمانية فثمة حواراً بين فراشة ولاجئة سورية: «قالت الفراشة: أنا تركية..وأنت؟ قالت اللاجئة: أنا... قالت الفراشة كم عمرك؟ قالت اللاجئة: مت من سبعة أيام.. قالت الفراشة: موطنك.. قالت اللاجئة: بيتي.. تلفتت في الخيم البيض.. في العدم.. في صقيع الضوء.. في الكفن.. لا يحق للاجئ تاريخ ولا جغرافيا.. تلفتت.. كبرت.. شابت.. وأشارت إلى بلاد قريبة.. أمامها خلف الحدود.. سماؤها زرقاء بلا حدود.. تهجت اسمها حرفاً حرفاً.. قبلت اسمها حرفاً حرفاً.. انحنت.. باست شط تربتها.. وقالت: سورية».
نقرأ في الرقم تسعة «لغة اللاجئ الضيف الصمت/ لا صوت للاجئ/ يقفل الباب على صوته في البيت/ ويخرج/ من بوابة التاريخ بلا ذرة جغرافيا.
«المفردات/ تتساقط من صدر الثياب/ من التعب/ من ثقوب الجيوب/ تقفز من افواه الصغار.. النيام». في القصيدة الـ13 تقول هالا «الفراشات التي هاجرت مع العائلات.. على صدور الثياب/ على زهور اثواب البنات/ في جيوب الجدات/ في دعاء الامهات/ على الحدود/ خلعت ألوانها/ دخلت منفاها/ صورة تذكارية/ بالابيض والاسود».