لمـيس كاظـم: الكاتـب العراقـي أصبــح حراً
عبر الكاتب العراقي الدكتور لميس كاظم عن تفاؤله بأوضاع الثقافة والأدب العراقي في الفترة المقبلة، معتبرا أننا أمام ولادة جديدة من حيث الوعي والتفكير والخروج عن الإطار المركزي، الذي كان يهيمن على الثقافة العراقية التي ولدت في الماضي وهي منتمية إلى تيارات واتجاهات مختلفة، في حين تولد أجيال جديدة تكتب بلغات جديدة، وتقترب من الواقع لتتخذ منه أبطالا لأعمالها حتى لو كان هؤلاء الابطال من المهزومين والمهمشين، بعد ان أصبح الكاتب حراً الآن، في الوقت نفسه اعتبر كاظم ان فترة السبعينات كانت العصر الذهبي للثقافة العراقية.
واعترف كاظم ـ خلال الأمسية التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فرع ابوظبي أول من أمس، وأدارها د. إياد عبدالمجيد ـ بأن بعض شخصيات رواياته موغلة في الجنس. مشيرا إلى أن هذا الأمر يطابق الواقع، وأنه سيستمر في الكتابة بالأسلوب نفسه، فالشخصية العربية مولعة بالجنس سرا وعلنا، إذ يغلب على تفكيرها، حتى عندما تهاجر إلى الخارج يظل الجنس هاجسا لديها. وتساءل: «لماذا نخاف عندما نتحدث عن الجنس، ونعتبر من يكتب عنه من الكتاب العرب موغلا فيه، بينما نتقبل جرعات أكبر منها في أعمال كتاب أميركا اللاتينية من دون ان ننتقد ذلك، رغم أننا مطالبين بأن نحكي عن الثقافة الجنسية، بعيدا عن المفهوم المبتذل، أو الذي يؤدي إلى الانحراف، وأن يكون هناك حوار في العائلة حول هذا الموضوع، حتى لا ينشأ الأبناء وهم يعانون الكبت أو الشذوذ».
المرأة
عن المرأة العراقية وحضورها في رواياته؛ أشار صاحب «الجسد المر» إلى أن المرأة أينما كانت هي مرآة لثقافة المجتمع ووعيه المدني، وهي أول المتأثرين بما يمر به المجتمع من أحداث. موضحا أن المرأة لعبت دورا كبيرا في المجتمع العراقي معظم الوقت، وعانت التهميش أحيانا، إذ كان لها في فترة الخمسينات وحتى الثمانينات حضور فاعل في مؤسسات الدولة كافة الثقافية والاجتماعية. كما أشار إلى أن بطلة روايته «الجسد المر» تجمع بين الخيال والواقع، فهي تمثل المرأة العراقية العاملة المثقفة، التي تهاجر بلدها بعد خيانة زوجها، وفي مهجرها في السويد تعاني الاختلاف بين المجتمعين، خصوصا عندما تتزوج بأجنبي ويبدأ صراع ثقافي بينهما.
ولفت إلى أن المرأة العراقية في المهجر انقسمت إلى قسمين، الأول جاد استطاع إثبات جدارته، وتحقيق نجاحات بارزة حتى دون وجود رجل، وهو القسم الأغلب في الواقع، وهو ما يرجع إلى أن المرأة المهاجرة في فترة الستينات، وحتى الثمانينات، كانت تمتلك من الثقافة والوعي والمقومات الشخصية ما يمكنها من النجاح، والقسم الآخر سقط في قاع المجتمع المنفتح بكل أبعاده.
في روايته «عقيق النوارس»، التي قدم من خلالها خمس شخصيات نسائية، تمثل المرأة العراقية في الداخل والخارج، فالبطلة امرأة كانت مهاجرة وتعود إلى الوطن، وبداخلها حلم عراقي تريد تحقيقه من أجل هدف وطني، بعيد عن أي انتماءات سياسية أو طائفية. كما قدمت الرواية المرأة العراقية في الداخل، التي عانت الأمرين في الصراعات التي شهدها البلد منذ 2003، فهناك المرأة الصامتة التي تعمل دون أن تطلب مقابلاً أو تعويضاً، والمرأة المتلونة الانتهازية، وكذلك المرأة الملتزمة بسلوكها الاجتماعي والعادات والتقاليد.
وشدد على أنه لم يهدف من هذا الخليط الإساءة للمجتمع أو المرأة العراقية، لكنه يهدف لإعطاء فرصة لطرح قراءة جديدة، بعيدا عن المنهجيات السياسية والمعرفية التي تحكم الواقع العراقي منذ 2003، بينا اعتبر روايته «همس الغرام» صوت المرأة، رواية البطلة الواحدة، التي تدور كل الأحداث حولها.
نهايات
قال كاظم، إنه يميل إلى النهايات المفتوحة، وأن يترك القارئ يغوص داخل الرواية، للبحث عن حلول، مضيفا: «لا أستخدم التوثيق في رواياتي، لكنني أوثق الحدث الذي أشير إليه ضمن الاحداث بالزمن والمكان والحدث الدرامي نفسه، بهدف إثارة السؤال لدى القارئ بدلا من إعطائه إجابات جاهزة، فالرواية تؤرقني لمدة عام أو عامين حتى أنتهي منها، فلما لا يشعر القارئ بالأرق لشهر أو شهرين، حتى يتفاعل معها ويبحث عن إجابات لما تطرحه من اسئلة؟ أعتقد ان الروايات التي تقرأ في نصف ساعة ثم تنسى ليست رواية».
وعن بداياته، ذكر كاظم ان التجربة الروائية كانت مخزونة بين ذاكرة الماضي والحدث الذي عاشه في أزمنة مختلفة، وبدأت تظهر في أشكال مختلفة راوحت بين الخاطرة والشعر والنثر والقصص القصيرة، التي كتبها في مرحلة الدراسة الثانوية ولم تنشر. وقال: «عندما تركت العراق؛ حملت الكتابة معي، ولم اكن اعرف انني سأصير روائيا، لكن كان هناك شيء يتفاعل بداخلي عبر قراءاتي المتعددة والجلسات التي تجمعني مع الكتاب والأدباء، ثم كانت محاولتي الاولى من خلال رواية (قناديل مطفأة)، التي ترددت في نشرها خوفا من عدم اكتمال شروط الرواية بها، وأن ادخل هذا المجال دون أن أكون مؤهلا، أما أولى رواياتي المنشورة فكانت (الجسد المر)، التي نشرت في مصر ونفدت من الاسواق هناك خلال ستة أشهر»، يذكر أن الدكتور كاظم حاصل على شهادة الماجستير في هندسة الجسور والأنفاق والدكتوراه في التصاميم الكونكريتية الخفيفة، ويعمل في السويد مهندسا معماريا، وله نشاطات ثقافية وفنية متنوعة، وقد صدرت له قصص وروايات عدة، كما أُنتج له فيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني من 30 حلقة.