«مسجد البدية» يستعرض جماليات البساطة

على الرغم من بساطته وصغر حجمه؛ إلا أن الثراء المعماري والقيمي، الذي يتمتع به مسجد البدية التاريخي، والذي يقع في إمارة الفجيرة، كان دافعاً للأستاذ المساعد بكلية الفنون والصناعات الإبداعية بجامعة زايد، الدكتور ماركو سوسا، ليختاره موضوعاً لكتابه «مسجد البِدية: مقالة بصرية»، الذي قام بتوقيعه أخيراً في مجمع ابوظبي للفنون «أبوظبي هاب غاليري».

وقال سوسا لـ«الإمارات اليوم» إن الكتاب الذي يقع في ‬55 صفحة، يعتمد بالكامل على صور قام بالتقاطها بنفسه لمسجد البدية، موضحاً أن هدفه من الكتاب هو تقديم عمل يلهم طالباته في جامعة زايد، ويثير في نفوسهن مشاعر الفخر بتاريخهن والاعتزاز به.

قيمة

يعد مسجد البدية الذي يبرز جماليات الكتاب أقدم مسجد ماثل بالإمارات، ومازالت تقام فيه الصلاة حتى الآن، ويقع المسجد بقرية البدية في إمارة الفجيرة، وبني المسجد من مواد محلية صرفة، بينما سُقف بأربع قباب تستند إلى عمود وسطي واحد، وتحتوي قاعة الصلاة على محراب ومنبر صغيرين. أما في ما يخص تاريخ بناء المسجد، فيعود إلى عام ‬1446م تقريباً، وذلك استناداً الى نتائج دراسة حديثة أجرتها إدارة التراث والآثار بالفجيرة، بالتعاون مع جامعة سيدني بأستراليا، خلال موسم التنقيب الأثري ‬97/‬98، حيث أخذت عينات من مواد عضوية من تحت أسس جدران المسجد، وأجريت عليها تحاليل كيميائية بوساطة (كربون ‬14) للتاريخ الزمني.

وأشار سوسا، الذي يقيم في ابوظبي، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف السنة؛ إلى أن اهتمامه بالمسجد يرجع إلى انه عندما حضر إلى الإمارات للمرة الأولى كان يتوقع ان يرى أسلوباً واحداً من العمارة والبناء، وهو الأسلوب العصري الحديث، مثل برج خليفة، وبرج العرب، وهي فكرة سائدة لدى الغرب عن الإمارات، ولكن لفت نظره مقال، نشر في إحدى الصحف، يتحدث عن مسجد البدية وتاريخه وعمارته التراثية، فقرر أن يبحث ويعرف المزيد عنه.

وأضاف «عندما بدأت البحث عن مسجد البدية، لم أكن أفكر في إصدار كتاب عنه، ولكنني شعرت بالفضول لمعرفة كل ما يتعلق به من معلومات، ولاحظت ان هناك الكثير من المعلومات حوله تتناول كل التفاصيل عنه. فحملت الكاميرا الخاصة بي وذهبت إلى هناك، لأقدمه من وجه نظر بصرية اعتمدت فيها على رؤيتي معمارياً لا مصوراً».

وأرجع سوسا أسباب اختياره مسجد البدية موضوعاً لكتابه الأول إلى أهمية المسجد باعتباره أقدم مسجد في الإمارات مازال يتم استخدامه حتى الآن، بالإضافة إلى انه يعد نموذجاً مثالياً للمعمار التراثي في الدولة هنا، إذ تم تشييده باستخدام خامات طبيعية مستمدة من البيئة ذاتها، مثل الأحجار التي بني بها المسجد، والطين المحروق المستخدم في ربط الأحجار معاً.

وأفاد بأن الكتاب يرتكز على الرؤية البصرية للمسجد، لافتاً إلى انه توقف أمام ما يتمتع به المسجد من بساطة في البناء والطراز المعماري والزخرفة، بما يمنحه الجمال، وفي الوقت نفسه لا يصرف الانتباه خلال العبادة، كما لفت نظره تطويع المكان ليصبح صالحاً للاستخدام حتى الآن من خلال لمسات بسيطة تمت إضافتها بتناغم مع طبيعة وعمارة المكان من الداخل، مثل وجود مروحة او مكيف صغير او ساعة حائط، وغيرها من مظاهر التزاوج بين القديم والحديث.

وعن اختياره لاستخدام الصور بالأسود والأبيض؛ أوضح ماركو سوسا انه عندما بدأ في تنفيذ الكتاب كان بداخله تساؤل عن افضل شكل للصور التي سيضمنها الكتاب، فوجد ان الصور الملونة قد تظهر الصور جميلة، لكن الأبيض والأسود يعكس «قيمة» المكان، وهويته الأثرية، كما يعبر عن طبيعة العصر الذي ينتمي إليه المكان.

وأشار سوسا إلى انه يستخدم الكتاب وسيلة تعليمية في تدريس طالباته في جامعة زايد. خصوصاً أن الكتاب يعد الأول ضمن سلسلة إصدارات الجامعة من الكتب، التي سيتم رصد ريعها لتشجيع ودعم الأبحاث والدراسات التي تقوم بها الطالبات، لافتاً إلى أنه يبحث عن مكان جديد يحمل خلفة قصة ثرية ليكون موضوعاً لكتابه المقبل.

الأكثر مشاركة