قافلة على خطى الآبــاء المؤسسين

في قافلة على خطى صانعي الاتحاد والأجداد المؤسسين، ينطلق غداً خمسة شباب إماراتيين، مكوِّنين مسيرة من أربع سيارات، تبدأ في العاصمة أبوظبي، وتنتهي في رأس الخيمة، بالتزامن مع اليوم الوطني الـ‬41، سالكين طرقاً صحراوية وعرة كان يضطر الآباء والأجداد من جيل الاتحاد وسابقيه إلى تحدي صعابها في غياب شبكة المواصلات والطرق الحديثة.

«رحلة العلم»

منسق «رحلة العلم»، كما اتفق على تسميتها أعضاؤها، علي الشاوي، من مواليد الثاني من ديسمبر، إذ عاش لحظة إعلان الاتحاد وهو في الخامسة من عمره، فيما يقترب سائر أصدقائه كثيراً من عام التأسيس نفسه. وقال الشاوي إن «الجيل الذي نشأ في ظل الاتحاد عليه أن يسمع كثيراً من جيل المؤسسين، فهناك تفاصيل وقصص كفاح وعرق سطرت الإنجاز القائم، ومن واجب الشباب الآن استيعاب تلك التفاصيل التي غدت أثمن ما يحتوي عليه تاريخ الإمارات».

وأضاف أن المجموعة تفكر في الاحتفاظ بإبراز مفاصل الرحلة في عمل توثيقي كي يبقى شاهداً على حقيقة أننا جميعا كأبناء الإمارات مدينون للجيل المؤسس الذي حول الصحراء إلى جنة، وشيد حضارة من دون ان تكون هناك ثمة عوامل مادية مساعدة، سوى إرادة وعزيمة أبناء هذا المكان.

وأشار الشاوي إلى أن الطرق التي سيتم ارتيادها كان يعيش بجوارها الكثير من القبائل الإماراتية قبل أن تطغى الحياة المدنية التي رافقت النهضة الاقتصادية، مضيفاً «سنمر بطرق كان يقطنها العوامر والمناصير والمحاربة، وقبائل الكتبي والخاصوني وغيرهم، ما يعني أن ظروفاً مشابهة لقافلتنا كانت مفروضة على أبناء الدولة، لكن في غياب العوامل المساعدة التي نتمتع بها الآن».

المجموعة التي يراوح أعمار المنتمين إليها ما بين ‬35 و‬40 عاماً، اطلقت على المسيرة التي من المتوقع أن تمتد لنحو ‬800 كيلومتر مسمى «رحلة الآلام والمصاعب»، ساعية لإبراز حقيقة أن «تأسيس الاتحاد واجه الكثير من العقبات والتحديات قبل أن يصبح منجزاً حقيقياً في الثاني من ديسمبر عام ‬1971».

وعلى الرغم من أن هناك طرقاً صحراوية بديلة يمكن اللجوء إليها إلا أن المجموعة حسب منسقها الرئيس، علي الشاوي، رأت أن تسلك أكثرها وعورة، بهدف استلهام نمط صعوبة التنقل، الذي سبقت أن رافق قيام الاتحاد الذي ما لبث أن نضجت ثماره، وامتدت آثاره لتطال كل ما يتعلق بحياة ابنائه، بما في ذلك سهولة التنقل.

وأضاف الشاوي لـ«الإمارات اليوم» «ستكون الانطلاقة من منطقة ذات كثبان رملية، وغير مأهولة توصف دائماً بأنها الأكثر صعوبة على عابري صحراء الربع الخالي على امتدادها في كامل امتدادها في شبه الجزيرة العربية، بالقرب من منطقة مرعب المعروفة في أبوظبي».

وأشار إلى أن المسيرة التي سيكون قوامها أربع سيارات لن تمر على مدار مسيرتها بأي طرق معبدة، فيما عدا عند الحاجة إلى التزود بالوقود من اجل استكمال الرحلة، مضيفاً «هناك تصور تام لمسيرة الرحلة لا يعتمد على الخرائط، بقدر ما يعتمد على الخبرة بدروب الصحراء، إذ تم اعتماد نقاط محدودة من أجل الوصول إلى محطات البترول على مسافات متباعدة».

خط سير

قال الشاوي إن «خط سير القافلة محدد بدقة، ويعتمد على مناطق كان يضطر أهلها إلى التواصل سالكين الطرق نفسها، إذ سنبدأ غداً التجمع في منطقة مرعب في أبوظبي التي سنخيم فيها من اجل بدء المسيرة فجراً، متجهين مباشرة إلى منطقة حميم، ثم الخزنة فسويحان، مروراً بمنطقة الختم، لننتقل بعد ذلك إلى إمارة دبي، لكن بعيداً عن معمارها وأبراجها وطرقها المعبدة، وتحديداً في منطقة الشويب، التي ستسلمنا تلالها وصحراؤها إلى منطقة المدام في الشارقة، ثم مليحة فالذيد».

وتابع «لا نستطيع أن نجزم في أي توقيت تماماً يمكن أن نصل بعد ذلك إلى منطقة فلج المعلا في أم القيوين، نظراً لأن المساحات المتوقع قطعها غير محسوبة بدقة، لأننا في أغلب الأحوال نضطر إلى الالتفاف وقطع مسافات أقرب إلى الاتجاه الرأسي وليس الأفقي، لكن المحطة التالية بعد ذلك في كل الأحوال ستكون منطقة اللبسة التي سنتجه منها مباشرة إلى رأس الخيمة التي كانت آخر إمارة تنضم إلى الاتحاد، وتحديداً في منطقة الساعدي التي ستكون محطتنا الأخيرة».

دعوة

أشار الشاوي إلى أن الدعوة المباشرة التي يوجهها أفراد القافلة لمختلف أبناء الوطن عموماً، وجيل الشباب خصوصاً، هي الوقوف عند حجم المصاعب وقسوة العيش التي واجهت جيل تأسيس الاتحاد، في سبيل بناء المنجز الحضاري الذي تفخر به الدولة حالياً «فاتحاد الدولة تأسس في ظل غياب كبير للإمكانات، لكن بالجهد والعرق تمكن المؤسسون من تحويل تصورات كانت مجرد أفكار وطموحات إلى حقيقة».

ويرى الشاوي الذي يهتم أيضاً بجهود المحافظة على البيئة الصحرواية، أن القافلة سيتاح لها فرصة واسعة للتعرف عن قرب إلى جوانب من تميز البيئة الصحراوية بالدولة وثرائها، فضلاً عن جهود التشجير التي واكبت وجه الاتحاد، ما دعاه إلى فكرة أن يوثق أهم مفاصل الرحلة في فيلم ومجموعة من الصور تبقى أحد شواهد التغير الجذري الذي لحق بالمنطقة بعد قيام الاتحاد، وترسيخ قوائمه.

وحول الاستعداد للرحلة قال «تم البدء في تجهيز السيارات منذ نحو شهر تقريباً، إذ تم استبدال جميع القطع التي يحتمل أن يصيبها تلف، كما تم تزويد كل سيارة بأجهزة خاصة من اجل المساعدة على التغلب على معوقات السير في بيئة صحراوية غير اعتيادية، بالإضافة إلى تعديل معايير الأمن والسلامة على نحو يتناسب مع طبيعة المخاطر المحتملة».

وعلى الرغم أن السيارات التي سيتم استخدامها هي نفسها التي تستخدمها المجموعة التي اعتادت خوض رحلات برية، إلا أن خصوصية الرحلة فرضت مزيداً من التحسب لجهوزية كل سيارة، وهو ما تحتم الإقامة بأعمال صيانة وتركيب قطع إضافية وصلت كلفتها إلى نحو ‬50 ألف درهم لكل منها، حسب الشاوي الذي أكد أن كل الإمكانات تم توفيرها من قبل المشاركين في المسيرة أنفسهم.

نحن «أبناء زايد»

بعبارة «نحن أبناء زايد وجنود خليفة» استهل حديثه عضو القافلة، جمال الشامسي، الذي يعمل موظفاً بالمصرف المركزي، مضيفاً أن إحدى الرسائل المهمة للمسيرة هي أننا «يجب أن نتذكر، مع كل خطوة باتجاه التقدم تخطوها الدولة، جهود المؤسسين، والصعوبات التي واجهت مرحلة تأسيس الدولة، ويكفي أننا كمجموعة شباب نعد كل هذه العدة من أجل رحلة كانت اعتيادية بالنسبة لهذا الجيل الذي خاض رحلة آلام نجني نحن والأجيال المقبلة ثمارها».

ودعا الشامسي الشباب إلى التمسك بالتراث والهوية الوطنية، في الوقت الذي يواصلون فيه السير على دروب العطاء لدولة الاتحاد، وقال «نحتاج إلى التمسك بروح الاتحاد الآن أكثر من أي وقت مضى، وعلم الدولة ينبغي أن يكون ثيمة حاضرة دائماً لدى أبناء الوطن لأن المحافظة على الإنجاز الحضاري الذي تحقق، من دون شك يبقى تحديداً لا يقل صعوبة عن تحديات البناء».

وتضم القافلة، التي تجمع بالأساس مجموعة من الأصدقاء قرروا الاحتفاء بذكرى الاتحاد بطريقتهم الخاصة إلى جانب الشاوي والشامسي، كلاً من خالد النعيمي وعلي المزروعي وفهد العقيلي، الذين يؤكدون أنهم جميعاً حصلوا على دعم وتشجيع أسرهم، حيث يضيف الشاوي «جميع أفراد أسرنا متشوقون لإنجاز العمل وكأنهم جزء منه، وعلى الرغم من معرفتهم بأن رحلة صحراوية غير مسبوقة في ما يتعلق بخط سيرها لا تخلو من المجازفة، إلا أن الكل يراها مجرد تظاهرة رمزية تتضاءل أمام أيادي الوطن ومؤسسيه».

الأكثر مشاركة