السفر والغوص حكايات شيقة لا تنتهي. تصوير: إريك أرازاس

نواخذة يُبحرون مع الذكـريات و«النهمات»

من التراث الأصيل؛ وذكريات الغوص؛ اختارت اللجنة الثقافية بجمعية الصحافيين، التي يترأسها الكاتب علي ابوالريش أن تبدأ نشاطها الثقافي والتراثي، بأمسية تحتفي برجال البحر، وحكاياتهم الجميلة، و«نهماتهم» الشجية.

وأشار الكاتب والمخرج صالح كرامة في بداية الأمسية، التي نظمت مساء أول من أمس، بمقر جمعية الصحافيين في أبوظبي، إلى ان الأمسية «تهدف إلى تعريف الجميع بالغوص كمهنة ارتبطت بأبناء الإمارات واحلامهم وتراثهم، فلطالما كانت الامارات زاخرة بمغاصات اللؤلؤ التي يطلق عليها (الهيرات)، التي كانت تتركز قرب جزيرة دلما وغيرها من جزر أبوظبي، البالغ عددها 200 جزيرة، لذا تستمد مهنة الغوص عراقتها من روحية الأجداد الذين افنوا عمرهم بحثاً عن تلك الدانة المخبأة بين المحار».

خلال الأمسية؛ قاد الإبحار في ذاكرة الغوص والبحر عدد من «النواخذة» الإماراتيين (خليفة بن حمد بن علي الفلاسي، وعلي أحمد علي العلي، وصالح محمد احمد الحمادي، وحسن علي محمد وعبد العزيز محمد علي المرزوقي).

«نهمة»

أدوات

في ختام الأمسية قام النوخذة صالح محمد الحمادي وابنه زايد بالتعريف بأدوات الغوص المختلفة، مثل الفطام والديين والمرساة (التقالات)، والمفلجة التي تستخدم في فتح المحار، وغيرها. قبل أن ينخرط الجميع في ترديد نهمات البحر بإيقاعاتها المميزة.

استهل النهام فهد محمد عيسى، الأمسية بتقديم «نهمة»، وهي نوع من الغناء يواكب سير العمل في السفينة، وهي فن مقصور على البحر والبحارة، ويحتوي على أغانٍ تهدف إلى بعث الحماس في نفوس الصيادين، وتعبر عن شوق البحارة والغواصين لعائلاتهم، وتكشف من حجم معاناتهم.

وأشار إلى ان كلمات هذه الأغاني تناقلها الأجداد والآباء، ومن الضروري حث الجيل الجديد على تعلمها، وتعلم تراث البحر من كلمات ومصطلحات خاصة به حتى لا تندثر، خصوصاً أن كثيراً من أبناء الجيل الجديد لا يعرفون هذا التراث.

ولفت عيسى إلى انه رغم اهتمام الدولة وقيادتها بالتراث، وإنشاء مؤسسـات ومراكز ونوادٍ للحفـاظ على التراث؛ إلا أن كـثيراً من الاطفال والشباب لا يهتمون بتعلم المهارات والمصطلحات والحرف التراثية، موضحاً أن «الحياة تغيرت إلى درجة كبيرة، واصبحت اسهل، حتى سباقات المراكب الشراعية باتت اكثر سهولة».

قوانين

أشار النوخذة علي محمد العلي إلى ان الحياة على ظهر المحمل (سفينة الصيد) خلال موسم الصيد كانت لها قواعدها وقوانينها، ويقوم بتطبيق هذه القوانين النوخذة، وهو ربان السفينة، ويعاونه المقدمي، وهو المساعد الأول للنوخذة، كما كان يضم طاقم السفينة السكوتي الذي يمسك بالدفة، والغيص أي الغواص، والسيب وهو الذي يسحب الغيص، والتباب أي الاولاد الذين يرافقون السفينة لتعلم المهنة.

وعن كيفية الغوص أوضح ان الغيص كان ينزل إلى البحر ويمسك بحبل يسمى (الايدة)، ويكون السيب ممسكاً بالطرف الثاني لهذا الحبل فوق المركب، كما يضع الغيص الفطام على انفه، وكان يرتدي بدلة من قماش خفيف يشبه الذي تصنع منه الشيلة النسائية حاليا وباللون الاسود، لان اللونين الابيض والاحمر يجذبان اسماك القرش، ويعلق الديين (السلة التي يجمع فيها المحار) على رقبته، ثم يغوص، وعندما يصل الغيص الى قاع البحر يسحب السيب الزيبن (حبل به حجر كان الغيص يربطه في قدمه) إذ لم يعد الغيص بحاجة اليه، ويقوم الغيص بجمع المحار بيديه ثم يضعه في الديين، وقبل ان ينتهي نفس الغيص يجر الحبل (الايده) ويكون السيب وقتها منتظراً هذه الاشارة فيجره حالاً بأقصى قوة، إذ يضع الغيص الديين في يده، ويمسك حبل الايده باليد الاخرى فيخرج الى سطح البحر قرب السفينة، مؤكدا أنه «عمل شاق محفوف بالمخاطر، فكثيراً ما تعرض غواصون للموت أو الاصابة بأمراض مختلفة خلال عملهم، ولذلك كان للغواص الجيد الذي يستطيع ان ينتقي ما يجمعه من محار مكانة كبيرة في المجتمع وعلى السفينة».

مواسم

ذكر العلي أن الموسم الرسمي للغوص كان يسمى «العود»، ويبدأ من شهر يونيو حتى سبتمبر، ويستمر أربعة أشهر تقريباً، وفيه تذهب السفن الكبيرة والصغيرة للغوص على اللؤلؤ في المياه العميقة (الهيرات)، وقد يصل عمق المياه إلى 50 متراً أو أكثر، وهذا النوع من الغوص اندثر في الإمارات والمنطقة منذ ما يزيد على 50 عاماً، وحل مكانه غوص «القحة»، ويكون في اماكن أقل عمقا، وإلى جانب هذه الرحلة هناك غوص الردة، ويكون بالقرب من الساحل، ومدته تراوح بين 10 و30 يوما، وغوص الرديدة الذي لا يزيد على 10 أيام.

وعن الحياة على السفينة خلال الغوص؛ افاد العلي بأن الطاقم كان يحمل معه بعض المؤن، من اهمها الطحين والتمر والسمن المحلي، إضافة إلى ما كان يتم صيده خلال الرحلة من اسماك. وكانت الوجبة الرئيسة هي العشاء، بعد ان يعود الغواصون من الأعماق، وكانوا في الصباح يتناولون فقط تمراً مع القهوة، ولا يشربون الماء إلا بحساب. واذا ما وقع خلل او عطل او حدثت وفاة على المركب كانت تعلق قطعة من القماش الاسود حتى تعرف السينار (السفن الاخرى) ان هناك مشكلة وتحضر لإغاثتها.

سفر

النوخذة خليفة بن حمد علي الفلاسي، تتطرق إلى رحلات السفر والتجارة، التي كانت تنطلق من منطقة الخليج والإمارات إلى البصرة والهند وجنوب غرب افريقيا، وايران وباكستان وعدن، إذ كان الغوص والسفر هما عماد الحياة في المنطقة، ولذلك جعل المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، في عام 1956 «السمبوك»، وهو أحد انواع السفن، شعارا لشرطة دبي.

وأضاف أن هناك أنواعاً مختلفة من السفن، من بينها البقارة والبتيل والبدن والبغل والكويتية، ثم ظهرت سفن البوم التي انتشرت لأنها اقل تكلفة في الصناعة، لافتا إلى ان من أكبر واشهر السفن في الامارات «نور البحر»، ومالكها المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، و«الفيل» ومالكها بن حمودة.

وذكر أن موسم السفر كان يمتد في الفترة من سبتمبر وحتى مايو، وإذا لم تستطع السفن العودة خلال الموسم عليها أن تبقى في المكان الذي سافرت إليه، سواء إفريقيا أو الهند أو غيرها، إلى حين بداية الموسم الجديد، لأن الشهور من يونيو وحتى بداية سبتمبر من الخطر الابحار خلالها، لما فيها من تقلبات وعواصف الكوس وغيرها من تغيرات مناخية تهدد سلامة الرحلة.

الأكثر مشاركة