«تيتانيك».. مأساة تحــوّلت أسطورة
تعود السفينة «تيتانيك» لتتصدر واجهة المشهد الإعلامي في ذكرى مرور 100 عام على الحادث المأساوي الذي تعرضت له وأدى لغرقها، والتي صادف ذكراها أول من أمس. وكان الحادث صدمة كبرى، فقد صاحب الاعلان عن السفينة تأكيدات بأنها غير قابلة للغرق بفضل الاحتياطات الضخمة التي تم اتباعها في تصميمها وتصنيعها وطاقم البحارة الكفء الذي يتولى تشغيلها، حسب ما روجت الشركة المالكة لها. وزاد الغموض الذي مازال يلف الحادث المأساوي من تحويل السفينة الى «أسطورة» ومعيناً لا ينضب لهواة المغامرة والفنانين والمخرجين لتقديم أعمال تجسد مدى المأساة.
في الذكرى الـ100 لغرق «تيتانيك» والذي حدث عندما اصطدمت بأحد جبال الجليد خلال رحلة قامت بها بين نيويورك وميناء ساوثهامبتون البريطاني، ما تسبب في غرق السفينة إلى عمق 12500 قدم لتستقر في قاع المحيط، استطاعت مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» العربية وقناة «ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي»، أن تقدما ملفاً قيماً بهذه المناسبة، تضمن العديد من المعلومات والصور النادرة عالية الدقة التي تنشر لأول مرة لحطام السفينة القابعة في قاع المحيط، وهي صور التقطها المخرج والمستكشف العالمي جيمس كاميرون حديثاً بواسطة الروبوتات، متنقلاً خارجها وداخلها غرفة غرفة، وهو ما يعد مفاجأة علمية كبرى. وكان كاميرون الأوفر حظا بين كثير من المغامرين والمستكشفين الذين شغلتهم أسرار «تيتانيك»، وحاولوا فك شفراتها، منذ أن توصل اثنان من المستكشفين إلى تحديد موقع حطام السفينة عام ،1985 واستخدمت في هذه المحاولات معدات مختلفة مثل غواصات يقودها بشر أو إنسان آلي، كانت هذه المعدات تهبط إلى أقصى نقطة ممكنة ثم تقوم بإرسال موجات صوتية في اتجاه الحطام فترتد إليها تلك الموجات فتكون منها صوراً ثم تعود أدراجها، لكن لم تكن هذه الصور تعطي مشهدا متكاملا للحطام، في حين تمكن كاميرون بفضل التقنيات الأكثر تطورا التي استخدمها من التغلب على بعض العقبات مثل الظلام الدامس في القاع.
كما قام معهد وودز هول لبحوث المحيطات بجهود مضنية لتجميع الصور المتفرقة إلى بعضها بعضاً، ما ساعد على تكوين صورة متكاملة لما تبقى من هيكل السفينة. وتضمن ملف «ناشيونال جيوغرافيك» أيضاً تحليل كاميرون بالرسوم الحاسوبية «مراحل موت» تيتانيك، وكيفية انشطار بدنها وتفتته خلال رحلته إلى القاع المظلم على عمق أربعة كيلومترات والذي يبدو في الصور الملتقطة أشبه بسطح القمر.
من حجرة إلى أخرى يجول كاميرون بنظره عبر عدساته الروبوتية داخل السفينة الغارقة التي لم تصور من الداخل من قبل، مستكشفاً أركانها حتى صار جزءاً من المكان. هذا التحليل لم يتوقف على الصور فقط، لكن تم تحويله، وبالاعتماد على تقنية «سي جي آي» (الرسومات المولدة عن طريق الحاسوب)، إلى فيلم وثائقي افتراضي يصور فيه كاميرون كيفية وقوع الكارثة، ويوضح الفيلم الذي تقل مدته عن ثلاث دقائق، بدقة عالية تصور فريق العمل لكيفية اصطدام جانب السفينة بجبل الجليد، وبداية غرقها متتبعاً مراحل الغرق حتى انشطار السفينة إلى نصفين، وسقوط كل منهما على حدة إلى قاع المحيط محدثاً انفجاراً كبيراً، كل ذلك وفق حسابات دقيقة، وبصورة عالية الجودة، واسلوب بسيط يكشف عن مجهود كبير قام به فريق العمل من أبحاث ودراسات باستخدام أحدث التقنيات.
كما تضمن ملف مئوية تيتانيك في مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» العربية، تحقيقا مطولا يشرح فيه خبراء ومهندسون بحريون الأسباب الاستثنائية التي أدت إلى اصطدام السفينة وانشطارها، إضافة الى قصص الرعب والأهوال والبطولات التي عايشها ركاب السفينة الأسطورة، ومعلومات ورسوم توضيحية مع ملصق ملون للسفينة، التي قد يتحول موقع حطامها إلى أحد مواقع التراث العالمي الخاضعة لحماية «اليونيسكو»، وأحد أهم مزارات الغطس السياحية في العالم، ليقدم في النهاية ملفا متكاملا يجمع بين المعلومة المفيدة والصورة النادرة والسبق الاعلامي ويشكل إضافة قيمة إلى ارشيف «ناشيونال جيوغرافيك» العربية وقناة «ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي»، الذي يضم العديد من الاعمال والملفات والافلام الوثائقية المتميزة.
ومن خلال هذا الملف وغيره من الأعمال التي تتسم بالحرفية، والبحث المتأني، يظهر بوضوح ضرورة الاحتفاء بمثل هذه القنوات الاعلامية، سواء المرئية او المقروءة، ودعمها لتحقيق نوع من التوازن أمام التيار الجارف من المواد الإعلامية السطحية، وأحيانا «الملفقة» التي تغرق بها بعض وسائل الإعلام، ومنها فضائيات عربية، مشاهديها، فما تقدمه القناة والمجلة من مواد ثقافية أعدت بدقة لتتناسب مع مختلف الأعمار على أيدي متخصصين، يمثل وسيلة لسد الفجوة التي باتت تفصل بين الانسان العربي والثقافة، بعد أن اكتفى بمتابعة البرامج التلفزيونية والمواقع الالكترونية مصادر للمعرفة، تاركا الكتب وما تحتويه من ثقافة ومعرفة حقيقية.
من جانب آخر؛ ورغم أهميتها الكبيرة، مازالت قناة «ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي» بحاجة إلى تحقيق المزيد من التواصل مع الجمهور في كل مكان في الوطن العربي، مع التركيز على الاجيال الجديدة من خلال التواصل مع المدارس والجامعات والمعاهد، وحث الطلبة على متابعة ما تقدمه، حتى تستطيع ان تحقق أهدافها في نشر الوعي والثقافة والمعرفة بين أكبر شريحة ممكنة من الجمهور.