مروة عادل.. الجسد في ألبوم صوره
يظلّ الجسد حاضراً وسيّداً، وبصيغه المجردة أو الآثمة في العديد من الفنون، ومنها المسرح والرقص والتمثيل أو حتى التشكيل. وانطلاقاً من أهمية هذا الجسد في التعبير بواسطة حركاته، نقلتنا المصورة المصرية مروة عادل بأعمالها الى مراقبة مدلولات هذا الجسد في صورها التي جمدت فيها المشاعر وثبتتها، لتحملنا الى اعماق ذواتنا، للانكشاف أمام هذه الذوات، جلادين نحترف المحاسبة أو معجبين نكيل لها المديح. ولا تكتفي عادل برصد الأحاسيس، وإنما تستوقفنا في القدرة الكامنة داخل البشر للتعبير بأكثر من وسيلة. وتحرر عادل التي اختتم معرضها «الذاكرة»، أمس، في «آرت سوا» غاليري في دبي، هذا الجسد وتعريه، متغلبة بذلك على قيود المحرمات، مقدمة طاقاته التعبيرية والرمزية بأشدّ حالاتها انكشافاً.
وتستحضر أعمال عادل التي فاق عددها الـ 20 لوحة، العلاقة بين الجسد والروح، والصورة والفكرة، من منظار أكثر اعتدالا ومنطقية، فتتيح للجسد التحرك ضمن الأطر التي يختارها ليعبر عن الذات الداخلية دون حدود، وتُقلّب ألبوم صوره كاملاً في حالات زهوه وانكساره، ظافراً ومغلوباً، منتشياً ومُسبّحاً، ولعلها تحاول من خلال أعمالها التي تدخل نطاق ما يُسمى «الديجتال آرت»، أن ترصد كيفية العبور من المستوى البدائي في التعامل مع الجسد للارتقاء بعد فهمه الى المستويات العليا. أما عنوان المعرض، وهو «الذاكرة»، فإنه يستوقفنا للتأمل في مدى ما تحدثه الحياة فينا، فنتذكر لحظات مررنا بها، ولكننا ربما خشينا إظهار مشاعرنا بهذه العلنية.
| سيرة فوتوغرافيـة
تعتبر المصورة المصرية مروة عادل، من المصورات الجدد اللواتي يطرحن أفكارهن بجرأة، وقد تمكنت من ترسيخ اسمها في عالم الفن بوقت قصير. وقد درست الفن في مصر، وتحمل الماجستير في الإعلان، وهي اليوم تعمل أيضاً مدرسة مساعدة في هذا المجال في الجامعة. حصلت على أكثر من جائزة فنية في مصر. وقد بدأت تشارك في المعارض منذ عام ،2007 حيث شاركت في أربعة معارض في ذلك العام، ولكنها اليوم تشارك وفي العام الواحد في أكثر من 12 معرضاً. |
حجاب
لا يغيب عن المتابع لهذه الفنانة الاختلاف، أو إن صح القول التناقض في مسيرتها الفنية، فبين تعرية المرأة في هذا المعرض، وتغطيتها بالحجاب وحتى تغطية وجهها، يمكن القول إن الفنانة أعطت الجسد مزيداً من الحرية، لتبتعد بذلك عن الوجه التعبيري. وتثبت عادل من خلال تجسيد المشاعر الإنسانية عبر الجسد، بأن الأخير ليس أداة للإثارة أو عورة يترتب على صاحبها ان يخفيها، بل أداة للكشف عن ما يحدث بداخله، وضوء يقع على الصورة لاستبطانها، وقد رصدت الفنانة المصرية الحزن كما الفرح، الاكتئاب، واليأس والانكسار والقوة، وكلها مشاعر ارتبطت بانحناءات الجسد وطياته. ولم تكتف بإبراز المرأة في المعرض، فكان هناك مجموعة من الصور للرجال، أيضاً، عملت فيها على قراءته في عديد حالاته، فأبرزته قوياً وصلباً، وكذا ضعيفاً ومكسوراً، ولعل اختيار وجود بعض الأعمال الخاصة بجسد الرجل، تدل وبوضوح على أن الرجل الذي يُظهره المجتمع العربي قوياً، هو ايضاً يعيش مشاعر النساء ولكنه يخشى أن تطل برأسها أمام الناس، فيقمع الأنوثة الكامنة فيه.
إيحاءات
في الواقع قد يكون هذا المعرض الأول من نوعه الذي تبرز فيه عادل المرأة متحررة، فقد قدمت في معرضها السابق في دبي مجموعة من الأعمال التي كانت فيها المرأة دائماً مغطاة الوجه، وغير مكشوفة. وقد برز في المعرض بعض اللوحات التي كانت المرأة فيها مغطاة، وكانت تبرز مدى الحيرة أو الضياع، فالوجوه دائماً تسعى للكشف عما هو أعمق. وعلى الرغم من أن المصورة تطرح الجسد، كأداة تعبيرية مميزة، إلا أنها لم تعطه صفة المثالية. وضم المعرض أكثر من لوحة أبرزت الانطوائية والخوف من إظهار المشاعر، وكأنه الخوف من الانكشاف، أو تجسيد الصراع بين المرء والمجتمع ومدى تقبل الأخير للبشر بأخطائهم وعيوبهم.
وقد لا تشكل الايحاءات الجسدية المحور الاساسي الوحيد في الأعمال، فعبر تقنيات خاصة بـ«الديجتال آرت»، اضافت عادل بعض الرسوم أو المنمنمات التي تبدو كأنها طبعت على الجسد المصور، الأمر الذي منح الصور ابعاداً فنية أخرى. وحرصت عادل على ان تواكب الزركشة والألوان إيحاء الجسد، فتكون ألوانها إما كئيبة أو فرحة تبعاً للحالة. وإلى جانب الرسوم، استعانت عادل بقوة الحروف في اللوحة، فكانت بعض اللوحات أكثر صراحة في الحديث عن الحب والكراهية، أو الشوق أو الحزن.