أفراد أسرة «عنمبر» الإماراتية يقرأون «الفاتحة» قبل بدء العرض في القاهرة. من المصدر

عروض المسرح العربي.. مرثيات واقع مأزوم

1200 ساعة من الدراما هي حصيلة الأعمال المسرحية التي اشتركت في فعاليات الدورة الأولى من مهرجان المسرح العربي، الذي اختتم أخيراً في القاهرة، وشاركت فيه 12 دولة عربية، قدمت كل منها عرضاً وحيداً باستثناء الدولة المستضيفة مصر التي شاركت بعملين، فضلاً عن عَرض الافتتاح «شمشون الجبار» الذي تم تقديمه على أنه نتاج تعاون عربي مشترك.

وإذا كانت المعالجة الدرامية دائماً ما تضع المتلقي أمام أزمة ترتفع في سياق المشاهد المتتابعة، وتنخفض حدتها وصولاً إلى العقدة والحل، وغير ذلك من المفاصل الرئيسة للعمل الدرامي؛ فإن ثمة خيطاً واضحاً يربط بين معظم العقد التي نُسجت على خشبات مسارح القاهرة المستضيفة للعروض، وهو أنها تحمل دلالات على واقع مأزوم مترد إلى الحد الذي جعل الكثير من المشاهد في المسرحيات المختلفة شديدة التشابه، بين بعضها بعضاً على نحو يجعل استعاضة بعضها بالبعض الآخر غير مخلة بالسياق الدرامي، إذا ما رُوعيت أسماء الشخصيات والاختلافات في الديكور والإكسسوارات.

 
ضد التجديد

على الرغم من أنها الدورة المسرحية الأولى لمهرجان المسرح العربي، الذي نادى الكثير من النقاد منذ مطلع الثمانينات بضرورة إتاحته الفرصة للوجوه الصاعدة، ورفده بدماء جديدة، إلا أن الكثير من ندواته التطبيقية قد شهدت دعوات نقدية كثيرة لإعادة النظر في ما يتعلق بالسماح لمواهب شابة بتمثيل بلادها في هذا المحفل العربي.

وشهدت الندوة النقدية الخاصة بمسرحية «عنمبر» الإماراتية و«قفص السنجاب» اللبنانية الكثير من الآراء التي خرجت عن الإطار الوظيفي لطبيعة الندوات التطبيقية، من حيث التحليل والنقد للمسرحية بعد عرضها، إلى محاولات إصدار أحكام وصائية تذهب إلى أن المشاركة بفرق «عتيقة» أكثر مناسبة لأجواء المسرح العربي، متناسين توصيات عديدة مثبتة في محاضر مهرجانات مسرحية عربية متعددة.

في المقابل رأى رئيس جمعية المسرحيين عبدالله إسماعيل أن المراهنة على الجيل المسرحي الشاب، يجب أن تكون خياراً عربياً ومحلياً أساسياً، مشيراً إلى أن المشاركة المهرجانية تختزل للمواهب الشابة خبرات ثرية شديدة التنوع، لا يمكن أن تصل إليهم إلا عن طريق الاحتكاك الخارجي، وهو الأمر نفسه الذي ذهب إليه الفنان سعيد سالم وناجي الحاي وحسن رجب وسميرة أحمد، الذين اعتبروا مشاركة أسرة «عنمبر» الشابة في المهرجان إحدى أهم مكاسب المسرح الإماراتي.


الواقع العربي بدا في أزمات تكاد تتطابق خلفياتها ومكامنها، سواء تعلق الأمر بالعرض المصري أو الإماراتي، وكذلك اللبناني والأردني والفلسطيني، وأيضاً السوري والليبي واليمني والسوداني والبحريني والتونسي والجزائري، وكأن الأمر يتعلق بشطر بيت أمير الشعر اء أحمد شوقي «كلنا في الهم شرق»، على نحو يجعل الأزمات السياسية والاجتماعية التي تعيشها المجتمعات العربية أحد معالم وحدة موضوعية بين الأعمال المختلفة، لاسيما أن معظمها سعى إلى تقديم أعمال متحللة من قيود الزمان والمكان المحددين.

قضايا

وتبدو مسرحيات «عنمبر» الإماراتية و«شمشون الجبار»، وكذلك «المرجو اصطحاب الكبار» السودانية و«أنا القدس» الفلسطينية، الأكثر تعرية للجانب السياسي من الأزمة العربية، حسب وجهة نظر مؤلفيها ومخرجيها، وفي حين تقف «عنمبر» أمام قضية ضياع الحق العربي والخضوع للآخر الطامع والمعتدي، سواء في فلسطين أو العراق، فإن «شمشون» تتعرض على نحو أكثر تفصيلاً للأحقاد والأطماع الصهيونية في فلسطين على وجه الخصوص، في حين يهتم مخرج «المرجو اصطحاب الكبار» على ردة الفعل، وليس الفعل نفسه لدى الشباب العربي الذي يعيش مرارة الأحباط الناجم عن تلك الخيبات السياسية، وهي القضية التي يعالجها بمنظور آخر المخرج الأردني ناصر عمر في المسرحية الفلسطينية «أنا القدس».

في المقابل ركزت مسرحيات أخرى على التطرق لواقع عربي آخر مأزوم حسب رؤى مسرحية تبدت في أعمال مثلت الجزائر عبر «القطار الأخير»، الذي يعرض أنموذجاً لمواطن عربي يعاني تشتتاً وذوباناً واضحين أمام موجة عولمة لا تحفل كثيراً بخصوصيته الثقافية والحضارية، وهي فكرة تقترب كثيراً من معالجة سورية لنص غربي عبر مسرحية «المهاجران»، التي تدور حول حكايات مهاجرين شرقيين لبلد غربي، يعيشان معاً في قبو بناية متهالكة، ورغم ارتباط الحدث بمناسبة ليلة السنة الميلادية وإحالتها زمنياً لفترة الحرب الباردة، إلا أنه من الواضح أن الإخلاص للزمن الذي أراده المبدع الأصلي للنص هو ما دفع المخرج إلى التعامل معه بمفهوم الرمز لزمن قد تغير، يسيطر عليه قطب أوحد ساهم في تعميق حالة الأزمة التي يعانيها مجتمع الرجلين المهاجرين.

المرأة العربية

ثمة مقاربة اجتماعية أخرى يمكن أن يمل التقطها المتابع، في ظل معالجة الواقع الاجتماعي العربي في مسرحية «عايشة» البحرينية التي كتب نصها الفنان الإماراتي الدكتور حبيب غلوم، تتشارك في تناولها لجانب من قضايا المرأة العربية مع العمل الليبي المشارك «فليسقط شكسبير»، وفي حين تناول الأول بشكل مباشر نظرة المجتمعات العربية للمرأة المطلّقة، في حين تقفز التجربة الليبية على حاجزي الزمان والمكان الحقيقيين، مستثمرة الأجواء الشكسبيرية في عمل تثور فيه الشخصيات النسائية الشكسبيرية على شكسبير نفسه.

المسرحيتان المصريتان المشاركتان «سي علي وتابعه قفة» و«السلطان الحائر»، لا تخرجان عن سياق نقد الواقع العربي المأزوم ذاته، ورغم أن الأولى يعود زمن كتابة نصها الأصلي إلى واحدة من أشد فترات الانتكاسات العربية عقب هزيمة يونيو ،1967 حيث استفاد مخرجها سعيد منير من نص ألفريد فرج، وصبغ عليه طابع الفانتازيا الشعبية، مستعيناً بحس ساخر يسعى إلى تجسيد الأزمة والمعاناة في السياق الكوميدي، لتنطلق في خضم الضحكات مرثيات عربية تنتقد الواقع الاجتماعي والسياسي العربي، في مشاهد مسرحية جسدها محمود الجندي ومحمد الحلو وفايزة كمال، وعدد من الوجوه الدرامية المصرية المعروفة. وتتطرق مسرحية «السلطان الحائر» إلى ثنائية السلطة والعدل، وما إذا كان بالإمكان نسج علاقة موازاة أم ضدية بينهما، إلى الحد الذي يجعل «السلطان» حائراً بين مآربه الخاصة، وطموحه بسيادة العدل والقانون، غير أنه لا ينجح دائماً في الوصول إلى هذا المبتغى.

 
إيثار السلامة

افتتحت المسرحية الإماراتية «شمشون الجبار» التي كتبها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بعد أن فضلت اللجنة المنظمة التركيز على شموليتها العربية، وليس خصوصيتها الإماراتية تأليفاً وإنتاجاً وكادراً تمثيلياً تجاوز الـ80 من ممثليها، قفزاً على الوقوع في حساسيات عربية ـ عربية، تتجاوز تبريرات اختيار مسرحية بعينها للعرض الافتتاحي.

الهواجس نفسها كانت حاضرة بالتأكيد عندما انطلق المهرجان بعيداً عن الجوائز، التي كان سيمثل حضورها تنافساً ودافعاً قوياً لمزيد من التجويد الفني والمشاركة الفعالة، فضلاً عن الترقب الإعلامي والجماهيري لقرارات لجنة التحكيم، لولا أن إدارة المهرجان آثرت السلامة التي يأمل مسرحيون تجاوزها في الدورات المقبلة.

الأكثر مشاركة