«قصة عشق كنعانية».. توظيف للحاضر والماضي في خدمة قضية
يحاول صبحي فحماوي في روايته الجديدة «قصة عشق كنعانية» أن يعرض قضية كبرى يمكن تلخيص بعض أهدافها في جعل التاريخ شاهداً على حضارات عظمى، عبر تاريخ منطقتنا العربية في مراحلها التاريخية المختلفة. وهو يحاول أن يقول عبر مزبج من التاريخي والأسطوري و«الأوضاع» الحالية إن مجتمعنا الذي يطلق عليه الآن اسم العربي شكّل في وجوهه الكنعانية المختلفة، وبالتعاون والتكامل مع إخوته في مصر مجتمعاً حضارياً، مثّل اتجاهات «توحيدية» من الناحية الدينية وشكل حالات إنسانية تقدمية راقية.
وعبر ذلك، يدخلنا الكاتب الفلسطيني الأردني وباستمرار، في مزيج من الماضي التاريخي والأسطوري، ومن الحاضر بويلاته في ما عبر عنه بعضهم سابقاً بصور، منها صراع البعل الكنعاني ويهوه العبراني. إلا أن صبحي فحماوي على الرغم من نبل الغاية والقدرة على السرد لم يكن من الناحية الروائية الفنية على ما عهد عنه، إذ جاءت أجواؤه محيرة، وإن عن عمد أحيانا يختلط فيها الماضي الواقعي منه والأسطوري بالحاضر، حيث نسمع مثلاً في عالم غابر سحيق مضـى تعابير ومصطلحات مـن أيامنا هـذه، أو ما قبلها بقليل.
صدرت الرواية في 239 صفحة متوسطة القطع، وبغلاف فني هو لوحة للفنان التشكيلي اللبناني فارس غصوب، عن دار «الفارابي» . ويسعى كاتبها إلى الكشف عن بعض أوجه الحضارة الكنعانية، وحتى تصحيح بعض الأخطاء أو بعض ما أسيء فهمه تاريخياً.
ويظهر تداخل لما يفترض أن يكون واقعياً بما هو خيالي منذ البداية، كما نرى في كلمة الإهداء التي قال فيها فحماوي «إلى ولدي عمر الذي اكتشف كهف عناة المتوج بالكنعانيات». ويسعى الكاتب إلى إيهامنا بوجود مخطوطات اكتشفت فعلاً. وتحت عنوان «مخطوطات كنعانية مذهلة» يقول مستهلاً «السر لا يبقى سراً.. وهذه المخطوطات الكنعانية التي اكتشفتها وأخفيتها طوال هذه المدة لم أعد قادراً على إبقائها في أدراجي».
ويحمل على الذين يحفرون للبحث عن ثروات، ويقول «أنا خلد أحفر تحت الأرض باحثاً عن تاريخي المسكّت والمعمّى.. تسألني لماذا أنبش في مجاهل التاريخ، فأجيبك أني عندما أعيش تاريخ الأحفورات، فإنما أضيف عمراً إلى عمري.. فأضيف 7000 سنة منذ نشأت فيها الحضارة الكنعانية إلى عمري الحالي».
تبدأ الرواية في ما يشبه الحلم.. التاريخ يعود حياً في مغارة عناة، ويظهر ظل امرأة تتحول بعد تضرعه إليها أن تكلمه من صورة أثرية إلى عناة نفسها التي تدله على مخطوطات كانت قد دفنتها.
في بعض ما نقرأه من هذه المخطوطات، نسترجع صلوات ومعتقدات كنعانية قديمة، وما يحكى من أثرها في التوراة. كما نسترجع فلسفات قديمة، ومن ذلك قصة التكوين وخلق الإنسان وروح الله يرفرف على وجه الغمر.. وصولاً حتى إلى قصة حي بن يقظان لابن طفيل وآخرين.
وتختلط الأمور بشكل بدا مقصوداً، فلا نستطيع التمييز بين حدود ما نسجته مخيلة الكاتب وحدود ما أصبح «موثّقاً» تاريخياً، بفعل علماء الحـفريات والدراسات المتكاملة معها. وفي نهاية الرواية، يقول فحماوي بلسان عمر، مختصرا كثيرا من أطروحته الواسعة، إن ما أسماه دائرة الآثار الكنعانية الفينيقية الفلسطينية، «بعد أن تمعنت في المخطوطات، وتأكدت من صحة الوثائق التي اكتشفها طبعتها في كتاب، لكنها عدلت بعض الكلمات».
وتتركز الرواية على قصة حب وترحال، يقوم به دانيال مبعوثا من أبيه «العال»، ملك غزة، سعياً إلى توحيد الممالك الكنعانية في عبادة البعد إن تمرد عليه بعل.
وتنتقل الأحداث بأشكال قد يشعر القارئ أحيانا بأنها مصطنعة لا ترابط كبيراً بينها، وأنها وسائل لغاية هي خلق نسيج من الأفكار الاستنهاضية و«الخلاصية» التي يدعو إليها صبحي فحماوي، وهي على نبلها وصحة كثير مما جاء فيها، وأهميته إنسانيا وقوميا، لا تأتي من الناحية الفنية الروائية على غرار أعمال قصصية سالفة لفحماوي، حيث أكل الهدف القومي الحضاري من العمل الروائي الفني.
وفي الختام، يتحدث عمر عن الحاضر بوضوح، بعد أن كان حديثه عنه مقنّعا نوعا ما، فيقول تحت عنوان «تعقيب» مخاطبا القارئ على عادته، بعد كل فصل تقريبا، «تصور أنني اكتشفت هذه المخطوطة التي تبدأ أحداثها وتنتهي في غزة في هذه الأيام التي يشهد فيها أطفال غزة.. أبشع هجمة وحشية في التاريخ تندرج تحت مسلسل إسكات التاريخ الفلسطيني، إذ صار قطاع غزة أكبر «جيتو» في العالم.. تتكالب عليه تقنيات الدول العظمى بما توظفه من خدمات حكومات الدول الصغرى لتقنع العالم بأن المسكت الفلسطيني المقتول هو القاتل».