«ذاكرة الوطن».. الكحل.. رفيق جمال المرأة العربية رغم منافسة مستحضرات التجميل

«ذاكرة الوطن»

صفحة أسبوعية تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، بهدف التعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها، وربطها بما يحققه قادة الإمارات، اليوم، وأبناؤها من إنجازات شهد لها العالم.

منذ عصور بعيدة عرفت المرأة أدوات الزينة واستخدمتها لتبرز جمالها، وتفننت في استخلاص مواد التجميل التي تحتاج إليها من الخامات التي تتوافر في البيئة من حولها، من نباتات وأعشاب وأحجار ذات مواصفات مختلفة ومتنوّعة. واشتهرت المرأة العربية بشكل خاص بجمال عينيها بفضل استخدام الكحل في زينتهما، ورغم التطور الكبير الذي شهده مجال التجميل ومستحضراته، مازال الكحل من أهم مستحضرات التجميل وأدوات الزينة التي تعتمد عليها المرأة العربية.

وتذكر المراجع أن استخدام الكحل انتشر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا، ويعود تاريخ استخدامه إلى العصر البرونزي، أي نحو عام 3500 قبل الميلاد، واستخدمته شعوب وحضارات عدة، أشهرها الفراعنة.

في الجزيرة العربية ظهر الكحل العربي منذ العصر الجاهلي، وهو عبارة عن حجر يأتي من المملكة العربية السعودية، وفق ما تذكر «موسوعة زايد الإمارات والتراث»، للكاتب حمدي تمام، لافتاً إلى أن المرأة الخليجية بصفة خاصة هي أشد النساء العربيات تمسكاً بالكحل العربي، فهي تعطي له الأولوية على جميع أنواع الكحل الاصطناعي، وتستخدمه في كل وقت وفي كل مراحل عمرها. والكحل العربي لا يصنع لدى خبراء متخصصين أو في معامل كيميائية معينة، بل إنه كان ومازال يصنع في المنازل وتتوارث طريقة صنعه البنات عن الأمهات والجدات.

صناعة الكحل

وتصف الموسوعة طريقة صناعة الكحل الخليجي، موضحة أنه يكون على شكل حجر يطلق عليه الأثمد، ويعالج بأكثر من طريقة، طريقة قديمة وفيها يوضع حجر الأثمد على الجمر حتى ينفجر ویتناثر منه الحصى الناعم، ثم ينقع في خليط من الماء والقهوة العربية لمدة 40 يوماً، ثم يطحن حتى تتفكك حباته ويتحول إلى مسحوق، ثم ينخل في قماش ناعم، وبعد ذلك يعبأ في المكاحل ويكون جاهزاً للاستعمال. وهناك طريقة أخرى وهي أحدث من السابقة، لكنها لا تختلف عنها كثيراً، فالكحل يمر خلالها بالمراحل نفسها، إلا أنه ينقع في مزيج من الماء وورق الحناء بدلاً من الماء والقهوة. وتوجد طريقة ثالثة وفيها يوضع حجر الأثمد في خليط يطلق عليه «النجعة» وهو مكون من ماء ورد وزعفران أو ماء ورد وماء لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر حتى يلين الحجر، ثم ينتشل من هذا الخليط، ويدق حتى يصبح ناعماً كالبودرة، ثم ينخل کي يتخلص من الشوائب، ويكرر ذلك أكثر من مرة ليصبح نقياً صالحاً للاستعمال.

«الأثمد والصراي»

بينما تذكر الشيخة صبحة الخييلي، في كتابها «وين الطروش»، الذي يصف ملامح من تراث بادية أبوظبي في الفترة من الثلاثينات إلى الستينات من القرن الماضي، أن الكحل كان من الزينة الرئيسة للمرأة، موضحة: «معروف عن النساء البدويات أنهن لم يبالغن في استخدام مواد التجميل، فقد اقتصرت زينة المرأة البدوية على أنواع بسيطة، كالكحل والحناء، واستخدمت النساء من الكحل (الأثمد)، وهو (الإثمد) لغة، وقد كان يحفظ في جراب مزخرف، يسمى (بقشة)، وأما الكحل المحفوظ المسمى (كحل الصراي) فكان يحفظ في الصدف، وغالباً ما يستخدم للمواليد والأطفال وبعض النساء». وفي ما يخص عادات الاحتفال بالمولد، تشير إلى أنهم اعتادوا وضع في سرير الطفل «المنز» أشياء تجلب له الخير والسعادة عندما يكبر وتمنحه الحظ الجيد، فإذا المولود بنتاً وضعوا لها الذهب والكحل، وإذا كان ذكراً وضعوا له الخنجر أو البندقية أو السيف.

فوائد الكحل

إلى جانب أهميته كأداة للزينة، للكحل فوائد عدة، وفق ما اتفق العرب، من أهمها زيادة النظر وتقويته، حيث يساعد الكحل على التخلص من ضعف النظر، كما يمكن استخدامه في حالات التهابات العيون والحساسية المفرطة للعين والقرح التي قد تتعرض لها العيون بسبب الملوّثات الخارجية، إلى جانب تأثيره القاتل في الجراثيم التي تتعرض لها العيون، فتساعد مركبات الأنتمون بداخله على قتل الطفليات، ويستخدم في حالات الاحتقان المرضي للعين، كذلك يساعد الكحل على إنبات الرموش، حيث يحتوي على عدد من الخصائص التي تؤثر في البشرة فتنشط بصيلة الشعر للعمل على إنباتها وتثبيتها، وكذلك يدخل حجر الكحل في علاجات السعفة الجلدية، وبعض حالات الصلع غير الوراثي، ويعمل واقياً لحماية العين من أي تهديد خارجي قد تتعرض له من البيئة المحيطة، ويساعد على وقاية العيون من ضعف النظر في مراحل الشيخوخة، ويعمل على وقف النزيف الداخلي للعين وعلاج جروح العين. ولذلك لم يقتصر استخدام الكحل قديماً على النساء فقط، ولكن استخدمه الرجال أيضاً، ومازال البعض يستخدمه في شبه الجزيرة العربية حتى الآن، طلباً لفوائده العديدة.

في المقابل، تحذر دراسات من استعمال الكحل باعتباره يشكل خطراً على الصحة لاحتوائه على مستويات عالية جداً من عنصر الرصاص، ويمنع استيراده في العديد من الدول، وحُظر في مؤسسات الأدوية والمواد الغذائية الأميركية والأوروبية.

قصائد

ورد ذكر الكحل والعيون الجميلة في العديد من القصائد على مر العصور، كما ارتبطت به واحدة من أبرز القصص المتداولة في المنطقة، وهي قصة زرقاء اليمامة الشهيرة، التي قيل إنها أول من اكتحل بالكحل بين العرب، وكان يضرب بها المثل في حدّة بصرها، وهي امرأة نجدية من جديس اليمامة يقال إنها كانت ترى الشخص على مسيرة ثلاثة أيام. ويروى أنه في إحدى الحروب استتر العدو بقطع الأشجار وحملها أمامهم فرأت زرقاء اليمامة ذلك فأنذرت قومها فلم يصدقوها. فلما وصل الأعداء إلى قومها أبادوهم وهدموا بنيانهم وقلعوا عين زرقاء اليمامة فوجدوها محشوة بالأثمد، وهو حجر أسود كانت تدقه وتكتحل به، فقيل بعد ذلك لمن يكون حاد البصر: «أبصر من زرقاء اليمامة»، وعُزي قوّة بصرها الحاد بسبب الكحل الذي اعتادت على استعماله.

الكحل العربي يصنع منزلياً، وتتوارث طريقة صنعه عن الأمهات والجدات.

رغم التطوّر الكبير في مجال التجميل، مازال الكحل من أهم المستحضرات وأدوات الزينة.

يساعد الكحل على التخلص من ضعف النظر، ويستخدم في التهابات وحساسية العيون المفرطة.

تحذر دراسات من استعمال الكحل لاحتوائه على مستويات عالية جداً من عنصر الرصاص.

الأكثر مشاركة