أكّدت أن كشف الآثار يعلّم التسامح ومعرفة علاقتنا بالآخر

نورة الهاملي.. رحالة تُنقِّب في تاريخ الإمارات

صورة

تحمل نورة الهاملي أدواتها الخاصة بالتنقيب، وتجول داخل البلاد وخارجها، تقضي ساعات طويلة ومضنية في العمل الصعب لتقدم للإمارات والعالم اكتشافاً جديداً، يضاف إلى التاريخ البشري، تحكي نورة من خلال حبات رمل أو قطع فخار أوعظام لأناس كانوا يعيشون يوماً، حياة وتفاصيل كاملة، وتحاول أن تبني علاقة مع تلك الحكايات والحيوات وتسقطها على الحاضر وربما المستقبل. نورة التي درست العلوم السياسية في جامعة زايد، أدركت في سنتها الجامعية الأخيرة عندما درست مساقات للآثار أنها وجدت هدفها ومهنتها التي تريد أن تخدم وطنها من خلالها. وتقول نورة، الحاصلة على رخصة غوص منذ أعوام عدة، لـ«الإمارات اليوم»، إن «تاريخنا ليس موجوداً على اليابسة فحسب بل لدينا تاريخ كامل لم يكتشف بعد في أعماق البحار، والمستقبل للآثار سيكون هناك»، مشيرة إلى أن «معظم المواقع الأثرية في الدولة تعود إلى الحقبة الإسلامية»، ولم تخفِ نورة حلمها بأن تنقب يوماً ما في فلسطين، فالآثار بصمة الإنسان في التاريخ».

التنقيب

درست الهاملي العلوم السياسية، لكنها اكتشفت شغفها الحقيقي عندما بدأت أخذ مساقات متخصصة بالآثار، وقررت أن يكون هذا مستقبلها المهني، قائلة: «من شدة شغفي ودراستي العميقة للتاريخ، لاحظ أستاذي في جامعة زايد شغفي رغبتي في معرفة المزيد، فاصطحبني في أول عملية تنقيب لي، وكانت في بيت بن هادي الدرمكي في مدينة العين»، مشيرة إلى أن وجودهم كمنقبين يبدأ بمراحل «اتصال من شخص يقول لهم إنه وجد فخارة مثلاً، أو صخرة شكلها غريب، فنحدد الموقع ونذهب». وأضافت «عملية التنقيب تأخذ وقتاً يمتد في معظم الأحيان من الفجر إلى المغرب، لنحصل في كثير من الأحيان على القليل من المواد التي جاءت بعد حفر وتكنيس قطعة قطعة»، مؤكدة «وكل شيء لمسناه يجب علينا تسجيله، بكل تفصيلة، وطريقة نقل العينة أيضاً إذا كانت باليد أو أداة»، مستطردة «بعد هذه المرحلة نأخذ العينات ونفرشها أمامنا، لنبدأ بالتحليل ومعرفة كل أبعاد وتفاصيل هذه القطع»، مؤكدة أن معظم المواقع الأثرية الموجودة في الدولة «تعود إلى الحقبة الإسلامية».

دحض الادعاءات

تؤكد الهاملي أن التنقيب لا يغير التاريخ فحسب، بل يضيف له تعزيز فكرة الناس عن الزمن، موضحة أن «المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، علمنا التسامح، وكان يحثنا دائماً على البحث عن كل ما يجمعنا مع ثقافات العالم، ويجعلنا يداً واحدة، وهذا سلوك أخلاقي رفيع علينا الاقتداء به دائماً»، موضحة «الكنيسة الموجودة في صير بني ياس كانت موجودة في العهد الإسلامي، وهذا بحد ذاته يؤكد التسامح الموجود في ديننا، وهذا الأثر كفيل بتغيير الفكرة عن الإسلام الذي يتم تناوله في حاضرنا بسبب متطرفين أساؤوا لهذا الدين الذي يقبل الجميع ويتسامح معهم».

الهاملي، التي تتمنى يوماً أن تذهب إلى فلسطين للتنقيب هناك، أكدت أن عائلتها شجعتها كثيراً، مع وجود بعض التخوف له علاقة بأن هذه المهنة تستدعي الترحال والسفر الدائمين إلى أماكن الآثار، و«لكن ثقتي بشغفي وثقتهم بقدرة المرأة الإماراتية على تحدي الصعاب، كانتا سبباً ليباركوا خطواتي وينتظروا مني بعد كل جولة تنقيبية معلومات تاريخية عن بلادنا».

هويتنا

تقول الهاملي «في الإمارات نختار التنقيب في شهر فبراير، لأن فصل الصيف لا يمكن أن ننقب فيه لشدة الحرارة». وأضافت «تاريخنا عميق جداً، ومن واجبنا كمنقبين نشر ثقافة التنقيب والحث على متابعته من قبل المجتمع»، موضحة «الآثار مهمة لنعرف هويتنا»، مؤكدة «كل الإمارات من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها مليئة بالآثار، التي يعود عمر بعضها إلى 8000 سنة، مثل محمية (ديرة مروح)».

شعور بالمسؤولية

لم تقتصر أماكن التنقيب بالنسبة للهاملي على مواقع أثرية داخل الدولة، بل ذهبت أكثر من مرة إلى زنجبار، التي وجدت فيها عملات كانت موجودة في الإمارات، ما يؤكد التبادل التجاري الذي كان قائماً، وقالت «إن معظم المواقع التي كانت جزءاً من اكتشافها، عبارة عن بيوت وكنائس، وعندما وقفت لأول مرة أمام جثة، وكانت لجسد امرأة راهبة ترتدي عقداً، منذ تلك اللحظة شعرت بذلك التورط الإنساني مع هذه الحالة، وصرت أبحث عن كل ما يتعلق بها، تدخلت في تفاصيل حياتها، شعرت بها، أنها كانت تعيش يوماً في زمن ما، ولديها عادات وتقاليد صباحية، وتفاصيل يومية، هنا بدأت أشعر بالمسؤولية للتعبير عن كل هذه المعلومات، لتكون جزءاً من التاريخ».

تنقيب.. وأدوات

تحديد الموقع الأثري عادة يكون عن طريق اتصال من شخص، وجد شكلاً غريباً فيذهب فريق التنقيب إلى الموقع سيراً على الأقدام في عمليّة البحث عن الدليل الأثري، وتأتي بعدها عملية المسح للمنطقة التي تعتبر المرحلة الأولى لدراسة هذا الموقع، وتتم دراسة الموقع وتسجيل الملاحظات بدقة، ويتم رسم خرائط للمكان بشكلٍ مبسط بعد قياس الأبعاد، وأدوات التنقيب مازالت بسيطة في معظمها، حيث يمكن استخدام الفرش والمحافير الصغيرة، وفي أحيان أخرى يتمّ استخدام الآليات الثقيلة في عمليات التنقيب الكبيرة، تأتي بعدها عملية التوثيق الأثري، إذ تُذكر الأوصاف الدقيقة للأثر، ويتم تصويره وتصنيفه، وفقاً للنوع والموقع.

تويتر