فهد المعمري: مخترع لغة المكفوفين عربي.. وليس «برايل»

قال مدير إدارة الآداب بالإنابة في هيئة الثقافة والفنون في دبي، فهد علي المعمري، في حوار لـ«الإمارات اليوم»، إن الوقت قد حان للتأكد من أن مبتكر الحروف البارزة لم يكن «برايل»، الذي تمجّده وسائل الإعلام في كل العالم، بل كان ذلك على يد العربي علي زين الدين الآمدي، في القرن الـ12 الميلادي، قبل برايل بسبعة قرون، مؤكداً أن لديه ما يكفي، ويُقنع، من الحجج التاريخية التي تدعم دفاعه وغيرته على عروبته.

كتب أنصح بقراءتها

عن الكتب التي ينصح بقراءتها للوقوف على دور العرب الرائد في المعارف والعلوم، اقترح فهد المعمري على القراء مجموعة من الكتب في «شهر القراءة»، منها، كتاب «تقدّم العرب في العلوم والصناعات»، للمؤلف عبدالله بن العباس الجراري، إصدار دار الفكر العربي، وسنة النشر 1961، و«شمس العرب تسطع على الغرب»، للمستشرقة الألمانية زيغريد هونكه، إصدار دار صادر، ولهذا الكتاب طبعات عدة، قديمة وحديثة، وكتاب «الفهرس»، لابن النديم، الذي ألفه سنة 387 للهجرة، وأحصى ابن النديم 8360 كتاباً لـ2238 مؤلفاً، منهم 22 امرأة، و65 مترجماً، وفيه ترد أسماء 12 كتاباً في صناعة السلاح وتنظيم الجيوش، وتسعة في تركيب العطور، و11 كتاباً في الطبخ، و11 كتاباً في الصيدلة، وستة كتب في البيزرة والصيد، وتسعة في البيطرة، وثلاث صفحات في الكتب المؤلفة في العشق والعشاق، ومعظمها لم يصلنا منه غير وصف ابن النديم له. وذكر ابن النديم نحو 120 عالماً عربياً.

«كان آية في الذكاء، وكان أعمى، ويعمل في بيع الكتب، وقد عمد إلى حيلة ليعرف بها قيمة الكتاب المراد بيعه».

2026

عن خطة الدولة الممتدة إلى عام 2026، الرامية إلى تحويل المجتمع الإماراتي إلى مجتمع قارئ، قال المعمري «حكومتنا الرشيدة وضعت على طاولتها أولوية القراءة، فكانت ثمرتها (عام القراءة)، ومبادرة (تحدي القراءة)، ثم (قانون القراءة)، ثم (شهر القراءة)»، مستبشراً بأنَّ «جميع هذه المعطيات لابد أن تصل في نهاية المطاف إلى إنشاء جيل متسلح بالعلم والمعرفة والثقافة».

المعمري الذي يوجد مكتبه في مكتبة الراس في دبي، التي تعدّ أقدم مكتبة عامة في الدولة، والذي لا ينفكّ يحكي بعزة وشموخ عن دور العرب في النهضة العالمية، أكد أن القراءة هي عمود التقدم، وهذا ما جعل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الدولة، يحفز المؤسسات في الدولة لتبني خطة مدتها 10 سنوات، تنتهي في 2026، لتحويل المجتمع الإماراتي إلى مجتمع قارئ يباهي به الأمم.

حجج تاريخية

يقول المعمري: «الجميع يتحدث عن الفرنسي برايل بأنه مكتشف ومبتكر الحروف البارزة، التي أصبحت تعرف اليوم بلغة المكفوفين»، مستهجناً أنه «لا يأتي ذكر لغة برايل حتى يأتي التمجيد والثناء والمديح لهذا الفرنسي، ووصفه بأنه أنقذ المكفوفين من قيود القراءة، وفتح لهم آفاقاً جديدة جعلتهم يحيون مرة ثانية»، مؤكداً أن «هذا الاكتشاف والابتكار لم يكن وليد القرن الـ19 الميلادي، وإنما كان وليد القرن الـ12 الميلادي، على يد العربي علي زين الدين الآمدي، المتوفى بعد سنة 713 هجرية»، موضحاً أن «هذا ما ذكره الصفدي في كتابه (نكت الهيمان في نكت العميان)، وقال عنه: كان آية في الذكاء، وكان أعمى، ويعمل في بيع الكتب، وقد عمد إلى حيلة ليعرف بها قيمة الكتاب المراد بيعه، فكان يأخذ ورقة، ثم يقوم بفتلها، ثم يعمد إلى عمل حروف بارزة بحساب الجمل، ثم يلصق الورقة عليها، فإذا سأله أحدهم عن السعر مرّر يده على الحروف البارزة فيعرف السعر»، وبناء على هذا القول «يعد زين الدين الآمدي هو أول من اخترع وابتكر الحروف البارزة، وليس برايل، فعلى العالم، خصوصاً أوروبا، أن يعوا هذا الشيء ويعلموه».

أمجاد وكتب

العرب بالنسبة للمعمري «أخذوا شعاراً مقدساً، نادى به دستورهم الأول، القرآن الكريم، عندما بدأ الله مخاطباً رسوله الأكرم بأول كلمة في هذا القرآن وهي (اقرأ)، ومن هنا انطلق العرب، وغيرهم من المسلمين، بالتعلّم والقراءة والتأليف، حتى سادوا العالم بمؤلفاتهم في جميع الفنون والمعارف، والمكتبات العالمية تشهد بذلك، فمخطوطات العرب والمسلمين تعج بها مكتبات ومتاحف أوروبا، مثل مكتبة الأسكوريال في إسبانيا، وغيرها، كما أن هناك من يعتني بطبع الكتب العربية، وأشهر هذه المطابع مطبعة ليدن في هولندا، وهي إلى هذا اليوم لاتزال تطبع النفائس من الكتب العربية»، ويضيف المعمري: «قالوا ـ أي الغرب ـ إن المسلمين ليس لهم دور في الكتابة والتأليف، وإنما أخذوا ما وجدوا من علوم اليونان وحفظوه، إلى أن جاء الأوروبيون وطوّروا هذه العلوم، ولكن صفحات التاريخ تشهد أمجاد العرب في هذا الميدان، حيث تذكر كتب التاريخ أن هناك وفداً جاء إلى الحاكم المستنصر الخليفة الأندلسي، الذي حكم سنة 350 وإلى 377 لمفاوضة الخليفة، ليقبل عدداً من الطلبة في جامعة قرطبة، وكانت مكتبة هذا الخليفة تضم أكثر من 400 ألف كتاب، قال عنها أبوحزم: في المكتبة فهرس يتكون من 44 ورقة، كلها فيها اسم الكتاب فقط، في حين كانت أوروبا غارقة في ظلمات الجهل، والعرب في واقع الحقيقة أخذوا كتب اليونان وطوروها، حتى إنهم يعدون هم أصحاب هذا الفن»، موضحاً «هناك كتاب الشعر لأرسطاطاليس، أخذه العرب مبكراً، فكتبوا في الشعر آلاف العناوين من خلال علم الشعر، وعلوم العروض، وعلم القافية والمصطلحات، التي تخص الشعر عامة، ثم عن النقد الشعري، ثم عن البناء الشعري والموسيقى، وهذا مبثوث في كل مكتبات العالم اليوم، وهو خير شاهد»، ويسترسل المعمري، مقدماً الكثير من التساؤلات والأسئلة: «أين كتب الشعر للأوروبيين، بل أين شعرهم، قصة روبن هود هي قصة الشاعر عروة بن الورد الجاهلي، الكوميديا الإلهية لدانتي هي قصة رسالة الغفران للمعري، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد الأندلسي، قصة طرزان هي قصة حي بن يقظان لابن طفيل، وكلما أخذ الأوروبيون من بلاد الإسلام شيئاً أحرقوا المكتبات والكتب، لاسيما مأساة سحلة الرميلة في غرناطة، لكن هل يذكر التاريخ والعرب أنهم عندما فتحوا الأندلس وجدوا الكتب والمكتبات؟»، مضيفاً «شطر فرنسا كان بيد المسلمين، فهل كانت هناك كتب ومكتبات؟ دول البلقان عندما فتحها السلطان محمد الفاتح هل كانت بها كتب ومكتبات؟ مكتشف الدورة الدموية الصغرى هو ابن النفيس، وبينه وبين الإنجليزي ويليام هارفي أربعة قرون، أخذ أبحاث ابن النفيس، وطور الدورة الدموية الصغرى، ليخرج باكتشاف الدورة الدموية الكبرى، فمن أوصله إلى هذه النتيجة؟».

لدينا مسؤولية

ينتقل الحديث مع المعمري عن دور المكتبات ضد موجة الاجتياح الإلكتروني، خصوصاً أن مكتبه يوجد في أقدم مكتبة عامة في الدولة، وهو يرى أن «المكتبات العامة والخاصة والمؤسسية مازالت تحتفظ بالدور التقليدي، وهو الكتاب المقروء، والاجتياح الإلكتروني لا أرى له معنى في المكتبات العامة والخاصة المنتشرة في عموم دولة الإمارات، فالكتاب الورقي يتصدر الرفوف بتجليده الفني المتهالك عبر قدم السنين، وسيواصل صموده أمام التيّار الجارف، وهو الكتاب الإلكتروني»، ويضيف أن «عشاق الكتاب المقروء مازالوا الأغلبية الساحقة، ويفضلونه على الكتاب الإلكتروني الذي تعتريه الكثير من المشكلات الفنية، ومنها الطباعة، وترتيب الصفحات، ومخالفة الترتيب العام في مجموع صفحات الكتاب، إضافة إلى أن الكتاب الإلكتروني أحياناً لا توجد به خدمة البحث السريع، وهذا بدوره يضطر القارئ لأن يقرأ جميع الصفحات، كما أن الكتاب الإلكتروني لم ينضج إلى الآن في كثير من الدول العربية، وبه الكثير من الثغرات التي يجب أن تسد حتى نحقق معنى الكتاب الإلكتروني، ليصبح ندّاً للكتاب المقروء».

رائحة المكتبات

يؤكد المعمري أن «للمكتبات رائحة خاصة لا يمكن أن تغادر الذاكرة»، كما أنها «تتميز دائماً بطابع الهدوء والرائحة المتميزة المنبعثة من صفحات الكتب، والممزوجة بغبار السنوات الطويلة، لتعقد صداقة بين الكتب ومرتادي المكتبات، هذه الرائحة ظلت تلازمني منذ خطوت الخطوة الأولى في المكتبة المدرسية، ثم في المكتبات العامة والتجارية، كلما كانت الرائحة أكثر انتشاراً كان تعلقي بها أكثر من غيرها، حتى أخذتني عادة شم أوراق الكتاب، رغم ضحك زوجتي وأبنائي من هذا التصرف».

الأكثر مشاركة