جاسم آل علي يختصر «طريقك إلى السعادة» في كلمة واحدة
بقاموس حافل بمفردات تبثّ الطاقة، وتبعث على التحفيز، يرسم الدكتور جاسم آل علي خارطة طريق واضحة المعالم، تساعد الباحثين عن وصفة «السعادة»، مختصراً الدروب الموصلة إلى تلك الغاية، والمواعظ الطويلة المتشابكة، في كلمة سحرية واحدة هي: «الإيجابية»، التي تحل العقد وتجعل الصعب سهلاً.
لا ينفي الدكتور جاسم وجود التحديات، أو يحمّل الإنسان كل تبعات التعثر، كما يصنع بعض «بياعي الكلام» وتجار «التنمية الذاتية»، تلك البضاعة الرائجة، بل يدفع المرء إلى المواجهة بأسلوب مختلف، بقرار ينبع من الداخل، ورغبة حقيقية في رحلة التغيير الجميلة، وبحث بإيجابية عن محطات الحلول، وما أكثرها إذا أجاد الشخص استثمارها.
يسعى الدكتور جاسم آل علي، صاحب كتاب «القيادة المؤثرة»، إلى الإسهام في ما ينشده وطن أسس للسعادة وزارة، لكي تكون البهجة حالة عامة، ونمط حياة متحققاً، وليست مجرد وصفة غامضة، يتعب كثيرون في مطاردتها.
| إسهامات الدكتور جاسم آل علي، مستشار وكاتب ومحاضر في التنمية البشرية وتطوير الذات، يشغل حالياً منصب نائب المدير التنفيذي للقطاع المؤسسي في مؤسسة دبي للإعلام، كما يعمل أستاذاً مساعداً في مجال إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية بجامعة حمدان بن محمد الذكية، ومحاضراً في كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية. وللدكتور جاسم إسهامات في إدارة الموارد البشرية، وكذلك في مجال التوطين، ومن مؤلفاته: «توطين القوى العاملة بدول مجلس التعاون الخليجي» و«القيادة المؤثرة في المؤسسات العربية». محمد بن راشد.. الملهم من مبدع «رؤيتي» و«تأملات في السعادة والإيجابية»، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، استلهم كتاب «الإيجابية طريقك إلى السعادة» فكرته وروح سياقه، مؤكداً أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «يعتبر أول زعيم ومفكر إداري نجح في وضع الطاقة الإيجابية في إطار مؤسسي، حيث يرى أن التحلي بالطاقة الإيجابية، والإصرار على توظيفها في مساقات الحياة كافة، هما المقوم الأول للنجاح والتميز، كونه الباعث على الابتكار، والمحفز على قهر التحديات، واكتشاف الفرص وتسخيرها بأسلوب فاعل يضمن للإنسان رقيه، وللمجتمع تقدمه ورفعته. وهو يعد أول زعيم عربي على مستوى العالم يعطي اهتماماً خاصاً لموضوع الطاقة الإيجابية والسعادة، وأثرها في الفرد والمؤسسة والمجتمع ككل». 123 صفحة يقع فيها كتاب «الإيجابية طريقك إلى السعادة.. اشحن ذاتك داخلياً لتنعم بالسعادة»، الصادر حديثاً عن «دار مداد». |
تجربة غيرت المسار
من وحي تجربته الذاتية، يتحدث الدكتور جاسم عن «الإيجابية»، وكيف منحته هو شخصياً الكثير.. اختصرت عليه الطريق، وغيّرت مسارات حياة فتى إماراتي اضطرته الظروف إلى العمل وهو في الـ15 من العمر، براتب زهيد، إذ كان يذهب إلى المدرسة الأحمدية في دبي من السابعة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً، وبعدها ينطلق إلى العمل من الثالثة وحتى التاسعة مساء، والمحصلة نهاية الشهر: 500 درهم لا غير: «نعم كانت هذه الرواتب موجودة منذ 31 عاماً، وكنت أعلم حينها أن أمامي رحلة شاقة، لكنني كنت أثق بقدرتي على تحقيق كل ما أرنو إليه، وبعد عام من بداية مسيرتي المهنية التحقت بعمل جديد في شركة خاصة، وكنت وقتها في منتصف الخامسة عشرة من عمري، وكانت الشركة الجديدة شركة رائدة في مجالها، وكانت تقدم فرصاً جديدة ومتعددة للنمو، ودارت عجلة السنين وأنا أعمل بجد واجتهاد، ومع كل توسع للشركة كان راتبي يزداد تدريجياً حتى وصل إلى 1500 درهم، بعد أن كان في البداية 850 درهماً في الشهر»، كما يروي الدكتور جاسم آل علي في كتاب «الإيجابية طريقك إلى السعادة» الذي شاركت في تأليفه رولا المعايطة، وصدر حديثاً عن دار مداد للنشر والتوزيع في دبي.
الوالد «الإيجابي»
في مطلع التسعينات تخرج جاسم آل علي في المدرسة الأحمدية، حاملاً الثانوية، محققاً هدفاً أول، وبعده التحق بوظيفة حكومية، حسّنت الحال قليلاً، ولا ينسى في تلك الفترة الوالد «الإيجابي» الذي تعلم من حكمته وخبرته الكثير، إذ كان يدفعه دوماً إلى الأمام، ويشجعه على بذل مزيد من الجهد، وكذلك على الاستقرار والزواج في تلك المرحلة المبكرة.. الطموح إلى استكمال المسيرة مع التعليم، قاد جاسم آل علي إلى هدف آخر، وهو الحصول على البكالوريوس، ويقول: «ما أصعب أن تستكمل الدراسة في ظل مسؤولياتك الأسرية وعملك لساعات طويلة، ولكن الفتور والاستسلام لم يجدا لي طريقاً حتى في أصعب المواقف والظروف، فقد قطعت العزم على المضي في طريقي والتغلب على المعوقات المختلفة التي تعترض سبيلي، وكان جهدي الرئيس منصباً على الموازنة بين دراستي وحياتي العملية وحياتي الأسرية، فلم يكن بوسعي مثلاً قبول برنامج الدراسة في جامعة الإمارات، عندما قدمت أوراقي للمرة الأولى، لتعارضه مع ساعات عملي الثابتة، وكانت خيبة أمل بالنسبة لي، فلم أستطع إحراز أي تقدم، إلا أن والدي كان يطمئنني دائماً ويقول لي (الأمل باقٍ مادام في صدرك قلب ينبض ونَفَس يتردد)، وقد حفزتني روحه الإيجابية على أن أتواصل مع وزير التعليم (في ذلك الوقت) الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وتمكنت أخيراً من مقابلته، حيث عرضت عليه حالتي، وحصلت منه على إذن بالدراسة بعد ساعات العمل، بل وحصلت على منحة دراسية كذلك». بعد أربع سنوات حافلة بالعمل والمسؤوليات الأسرية والدراسة الجادة، حصل جاسم على البكالوريوس في عام 1996، ولم ينتهِ الطموح، ليبدأ محطة جديدة للحصول على درجة علمية أعلى، وحصل على منحة ليحط رحاله في جامعة جريفيث بمقاطعة كوينزلاند الأسترالية، ليحصل بعدها بعامين على «الماجستير مع مرتبة الشرف». أكمل جاسم آل علي الطريق، لينتقل في رحلته العلمية الجديدة، هو والأسرة، إلى ملبورن، لأجل الدكتوراه، التي لم يكن طريقها مفروشاً بالورود، إذ عمل أولاً مع ثلاثة أساتذة، قبل أن يحصل على شرف اختيار مشرفه وقبول مقترح الرسالة، ويفصّل جاسم آل علي تلك المرحلة الصعبة قائلاً: «وقتها أخبرني الدكتور مايكل أن علي أن أعمل على الأقل لمدة ستة أشهر للحصول على موافقة اللجنة على مقترح الدكتوراه، ساءني كلامه وقتها، حيث اعتبرت أنه علامة على الرفض، لكنني طلبت منه أن يزودني بخطوط عامة ترشدني إلى النقطة التي يمكن أن أبدأ منها، فجاء رده جافاً وقاسياً، سأظل ما حييت أذكر كلماته حيث قال لي: (أنت طالب دكتوراه يجب عليك أن تعتمد على نفسك في كل شيء، فلن يساعدك أحد، سألقيك في البحر وعليك أن تسبح بمفردك)، كانت صدمة لي، وقلت في نفسي إنه بالتأكيد لا يعني ما يقوله، لكن مع الأسف اكتشفت لاحقاً أنه يعني كل حرف من كلامه السابق، وأنني وحدي تماماً». في النهاية، ومع العمل الجاد، والنظر إلى كل الأمور بإيجابية، عَبَر باحث الدكتوراه التحديات التي واجهها، لينال الشهادة الكبيرة، ويحقق حلماً تمناه. ويلخص جاسم آل علي شهادته على نفسه قائلاً: «خرجت من رحلتي طوال هذه السنوات بدروس مستفادة، أهمها أنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل، وأن قدرة غيري على إتقان شيء ما، مهما كان ضخماً، تعني بالضرورة قدرتي أنا على إتقانه، بتوفيق من الله، وبالإرادة القوية، استطعت أن أطرد اليأس من قاموس حياتي، فأصبحت قصة كفاحي وساماً يتلألأ على صدري ليروي حكاية الإرادة حين تتحدى اليأس».
مفتاح سحري
يعد التفكير الإيجابي مفتاحاً سحرياً للحياة الجميلة التي ينبغي أن تعاش، من وجهة نظر كتاب «الإيجابية طريقك إلى السعادة»، وطاقة «تمنح الإنسان أجنحة يطير بها»، في المقابل تكون الطاقة السلبية بمثابة قيد وسلاسل تجذب المرء إلى أسفل: «كثيرون يوجدون على وجه هذه الأرض، ولكن القليلين منهم يعيش الحياة، السعادة قرار يستطيع أن يتخذه كل إنسان، ويحدد هذا القرار نمط حياة الإنسان وكيفية مواجهته وتعامله مع التحديات والمعوقات والإحباطات، ولكن بعضاً منا يواجهها بإيجابية ويتعلم الدروس ويصبح أقوى وأنجح، والبعض تسكنه السلبية وتجره إلى دروب الفشل. إن التفكير الإيجابي هو مرساتنا على شاطئ الحياة، ويمنحنا القدرة على التحكم في حياتنا بدلاً من أن يتحكم فيها الآخرون.
يهدي الكتاب للقارئ مجموعة من الأدوات التي تمكّنه من اكتساب عادات صحية في التفكير الإيجابي، وكذلك يعرض له قصص ناجحين لم يستسلموا لكل ما مروا به من تجارب فاشلة، ليستطيع قارئ ما محاربة «أشباح الخوف التي تلاحقك وتمنعك من تحقيق أحلامك».