6 ومضات من سيرة رمز إماراتي

مستهلاً الحوار من مساءات قرية الحيرة بالشارقة، ينطلق الشاعر والإعلامي أحمد علي الزين، في كتاب «سلطان العويس.. محارة الزمن الجميل.. ومضات من سيرة ومواقف»، الذي صدر منذ فترة طويلة، ليفتش في ذاكرة أحد الرموز الإماراتية، وهو الشاعر الراحل سلطان بن علي العويس، صاحب الإبداعات والإسهامات الكبيرة، وكذلك المؤسسة الثقافية التي تحمل اسمه، والجائزة التي تحتفي بالمبدعين والمفكرين العرب، وتحظى بمكانة خاصة في الساحة.

يصف الزين سيرة العويس بأنها «سيرة رجل وبلاد تشكلت بفعل عجيب، وحياته لم تأخذ سياجاً منفصلاً عن حياة بلاده التي أسس لزمنها الجديد، فعمرها المعاصر من عمره، وشموخها على شاطئ بحرها من تواضعه الكبير.. سيرة مليئة بالمغامرات ما بين بحر الخليج والهند، حيث كان الهوى عاصفاً وعظيماً، وكانت المعرفة منطلقاً للبناء».

وهنا ست من ومضات العويس وسيرته، بعين أحمد علي الزين:

1

رحلة البدايات كانت في الحيرة بالشارقة، إذ ولد العويس عام 1942، في بيئة كانت بيوتها «من طين وخيام وسعف النخيل».. كما يروي العويس، مضيفاً: «قلة كنا لا نتجاوز الـ300 شخص.. كان والدي تاجر لؤلؤ، وكنت في حدود الـ13 من عمري حين بدأت العمل إلى جانبه.. تعرفت إلى البحر من عملي مع والدي، وتعرفت إلى ثرواته وأسراره وعلى هذا العالم الغامض والمثير». وكبرت الأحلام والطموحات بعد ذلك بسنوات، لينطلق العويس في ميادين عدة متوازية: تجارة وثقافة وعطاء وتطلع إلى مستقبل مزدهر لا يخص الذات، بل الكل.

2

الرحلة الأولى خارج حدود الحيرة، التي تفتحت فيها عين العويس على عوالم مختلفة، كانت إلى الهند، وهو في الـ20 من العمر، لتتكون بداخلها بذور جائزة العويس التي تكافئ من يستحق من الأدباء، وتحتفي بمبدعين منسيين ربما. ويضيف العويس: «لماذا لا أبني مدرسة؟ سؤال ألح عليّ منذ شاهدت الطلاب والتلاميذ في شوارع الهند عائدون في المساء نحو بيوتهم.. وهنا أقول: قد تكون هذه الفكرة هي إحدى بذور الجائزة.. حيث أدركت بعد حين أنه لا يمكن فعل شيء جميل وحضاري، ولا يمكن بناء مستقبل دون العلم والمعرفة».

3

يتذكر سلطان العويس الذي رحل في عام 2000 دبي وماضيها، ويعرج على حاضرها الزاهر، عندما يسأله أحمد علي الزين عن المدينة التي تشبه «ثرية معلقة على خاصرة البحر». ويقول الراحل: «دبي كانت قديماً محطة تجارية، هي دائماً هكذا، يعج بحرها بالسفن والبضائع والعمال والرحلات، لكنها اليوم اختلفت كثيراً، فهي تشبه عقد اللؤلؤ، وأصبح لها معنى آخر، ربما لأن فيها نسيم من نسائم الحرية، لذا هي جميلة.. في دبي كل يوم هناك جديد نتيجة للأفكار المتنوّعة، وهذا ما يجعلنا دائماً نبحث عن بدائل».

4

قدم‭ ‬العويس‭ ‬كثيراً‭ ‬لوطنه‭ ‬‬الإمارات،‭ ‬وحاول‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬كذلك‭ ‬لوطنه‭ ‬العربي‭ ‬الكبير،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬استشعر‭ ‬أن‭ ‬باستطاعته‭ ‬صنع‭ ‬المزيد‭. ‬وظّف‭ ‬الراحل‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬‮«‬ثروة‭ ‬اللؤلؤ‮»‬‭ ‬للمعرفة‭ ‬والثقافة‭. ‬وعن‭ ‬كيف‭ ‬تكونت‭ ‬تلك‭ ‬الثروة‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬لا‭ ‬أدّعي‭ ‬أنني‭ ‬أستحق‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ذلك‭ ‬فأنا‭ ‬إنسان‭ ‬عادي،‭ ‬وتاجر‭ ‬عادي،‭ ‬هكذا‭ ‬كنت،‭ ‬لم‭ ‬أخطط‭ ‬للثراء‭ ‬ولتجميع‭ ‬المال،‭ ‬ولا‭ ‬أعمل‭ ‬لهذه‭ ‬الغاية،‭ ‬المال‭ ‬عندي‭ ‬وسيلة‭ ‬للعطاء‭.. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لي‭ ‬هو‭ ‬مصادفة،‭ ‬ربما‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬مني‭ ‬رجلاً‭ ‬ثرياً‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬علماً‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬بئراً‭ ‬من‭ ‬البترول‮»‬‭.‬

5

لبيروت محل خاص في قلب الراحل العويس، تلك المدينة التي تعرّف فيها إلى الثقافة العربية الحديثة، والتقى فيها كبار المثقفين العرب: «من عمر أبوريشة إلى بدوي الجبل، وجيل كبير من الأدباء والشعراء، ونتحاور في السياسة والثقافة والحرية. أحلام عظيمة كانت في بيروت وذكريات لا تستطيع أن تتلفها الأيام، تعود بي دائماً إلى زمن بيروت، إلى مقهى (الدولشيفيتا)، حيث كانت تنعقد السجالات الفكرية والسياسية والثقافية. في هذا المقهى تكونت صداقات عديدة، وتعرّفت إلى أمزجة مختلفة، وأقمت علاقات منها انتهى ومنها استمر».

6

تنقل العويس بين مدارات وآفاق كثيرة، زار مدناً بالجملة، والتقى مثقفين من هنا وهناك، ويقول: «من الحيرة إلى الهند، إلى بيروت فالعالم، كانت الأيام تمر وتزيدني خبرة وطموحاً. أنا مدين لهذا البحر الذي عبره تواصلت مع الآخرين كتّاباً وشعراء ومفكرين وأدباء في كل من مصر وبيروت، حيث بدأت أحضر الندوات الفكرية والثقافية، وأعيش السجالات وصراعات الأفكار، لم أخطط آنذاك لأكون شاعراً، حتى لو أنني كنت أقول الشعر بيتاً أو أكثر في موقف أو حسن أو جمال أو حادثة كنت صديقاً للشعر والشعراء».

الأكثر مشاركة