المسلسل الإماراتي.. الحلــــول لاتزال ممكنة
ثلاث ظواهر رئيسة تفصح عنها الدراما الإماراتية، التي لا تُنتج جديداً إلا في رمضان، منذ سنوات، ما بين انكماش أدى إلى تراجع عدد المسلسلات المحلية إلى نسبة 50%، مقارنة بشهر رمضان الماضي، وتوقف عدد من المنتجين، بعضهم أعلن مغادرة ساحة الإنتاج المحلي نهائياً، فضلاً عن هيمنة واضحة للأعمال الكوميدية، ليُسجل المسلسل الاجتماعي المحلي المعاصر غياباً لصالح استحضار بيئة تراثية ماضوية.
الدراما الإماراتية.. إنتاج خجول وصناعــة لم تصل إليها «السعادة» |
«الإمارات اليوم» تفتح، في هذا التحقيق، ملف الدراما الإماراتية، محللة ظاهرة التراجع وتداعياته، وإلى أي مدى ينسحب على نوع ما يُقدم، مدققة في مدى صحة مقولات تُرَوَّج، تفترض محدودية فرص هذه الصناعة الوطنية، وغيرها مما يتم ترديده، ويُتعامل معه باعتباره حقائق، أو مسلمات، وصولاً إلى النتائج والحلول.
المسلسل الإماراتي.. الغائبون كُثر هذا العام |
مع اختلاف توصيف معضلات الدراما المحلية، إلا أن ثمة إجماعاً أو إشارات أكثر وضوحاً باتجاه عناصر بعينها، أدت إلى إنتاج خجول، هو الأدنى هذا العام على مدار عقد كامل، لتغيب «السعادة»، التي هي شعار وسلوك وممارسة تُعليها كل مؤسسات الدولة، عن دوائر تلك الصناعة، بحسب شهادات منتمين إليها.
| صلاح القاسم: استراتيجية غائبة
قال المستشار الثقافي بهيئة دبي للثقافة والفنون، الدكتور صلاح القاسم، إن وجود الاستراتيجية الواضحة والشاملة للنهوض بالدراما المحلية، غائب تماماً عن المشهد الفني، وطالب بتنظيم منتدى على مستوى اتحادي، لوضع أطر وملامح خطة ذات سقف زمني، وأهداف استراتيجية واضحة. وتابع: «مع وجود خطط استراتيجية للدولة، وصولاً إلى عام 2071، فإن قطاع الدراما المحلية للأسف تغيب عنه مجرد الخطة السنوية». ورأى القاسم أن دور التلفزيونات المحلية، في دعم الدراما المحلية شابه التذبذب، ولم يستمر على وتيرة واحدة، مضيفاً: «نجد دعماً جيدأً في موسم بعينه، فنستبشر خيراً، لكن نفاجأ في تاليه بتراجع أو غياب». وطالب القاسم بأن يتم اعتماد مقياس واضح ينبئ بمدى دعم كل مؤسسة إعلامية تضم مجموعة قنوات فضائية، على حدة، للدراما المحلية، بحيث يكون أحد معايير تقييم كفاءة أدائها السنوية، وفق مفاهيم الجودة المطبقة محلياً واتحادياً. وأكد المستشار الثقافي لـ«دبي للثقافة»، أيضاً، الدور المهم الذي يجب أن يقوم به المنتجون الإماراتيون، مضيفاً: «يجب أن تطور شركات الإنتاج المحلية أدواتها، وتبتعد عن تقديم المحتوى النمطي المكرور، والمجافي لأولويات المجتمع والمشاهدين، وإدارات القنوات الفضائية، التي تحكمها معايير تسويقية لا غنى عنها». ورفض ما يروج بشأن صعوبة تسويق المسلسلات ذات اللهجة الإماراتية، أو أن الدراما المحلية تفتقد النجم المقبول خليجياً، كما نفى أيضاً فكرة غياب النص الجيد، معتبراً كل ذلك من قبيل «العراقيل المسبقة» المثبطة، التي ثبت عملياً أنها مجرد «وهم» على ألسنة مردديها. وعول القاسم كثيراً على الدور الذي يمكن أن تقوم به وزارة التربية والتعليم، في ما يتعلق بتطوير مناهج تدريس الأدب، ضمن مقررات اللغة العربية، واستحداث محفزات تشجع وتثري مخيلات الطلبة المبدعين، لتكون بمثابة النواة التي تستكمل دورها في مختلف مؤسسات الدولة المعنية بالثقافة والفنون. محمد المر: البحث والتنقيب.. المرحلة الأهم
يرى الأديب محمد المر أن صناعة الدراما العربية عموماً، بما فيها المحلية، تمتلك ثروة حقيقية من النصوص الجيدة، الصالحة لأن يكون كل منها بمثابة مشروع درامي واعد. ورأى المر أن مرحلة اختيار النص المناسب، قد تكون الأهم والأكثر محورية في مسيرة أي مشروع، مضيفاً: «النص الجيد يؤدي - في الأغلب - إلى مشروع ناجح، فيما يؤدي اختيار العكس بالتبعية إلى مشروع رديء». ونفى المر، بشكل قاطع، دعاوى ندرة النص الجيد، مؤكداً أن الإشكالية تكمن في «الاستسهال، وعدم الانفتاح على الخيارات الثرية التي يوفرها الأدب العربي، وكذلك العالمي». وأكد المر أن الدراما المحلية تمتلك خيار الاستفادة من أعمال أدبية عالمية وعربية وإماراتية جيدة، يمكن أن تكون حلاً مثالياً عن طريق المعالجة الدرامية الواعية، دون الاضطرار للجوء إلى سيناريوهات تكون - في الأغلب - الحلقة الأضعف في العمل الدرامي»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الساحة المحلية زاخرة بمواهب واعدة. وتابع أن «الاطلاع على تجارب محلية شبابية يؤكد أن الكُتّاب الشباب لديهم أفكار مبتكرة وخلاقة، لكن هناك إشكالية واضحة في تحويل تلك الأفكار إلى سيناريوهات». • الدراما الإماراتية قادرة - بإمكاناتها - على مسايرة ركب التقدم، الذي تعيشه الدولة في شتى المجالات، في حال توافرت الإرادة، وحضر القرار الحاسم لتجاوز عقباتها. • لا سبيل إلى النهوض بالدراما المحلية، دون مراهنة التلفزيونات الوطنية على نتاجها، فضلاً عن ضرورة إيجاد استراتيجية شاملة وثابتة لدى التلفزيونات بهذا الدعم. |
ومع الاقتراب من أبرز معوقات صناعة «الدراما المحلية»، تبرز الحلول المقترحة من أهل تلك الصناعة أنفسهم، الذين تمثل اقتراحاتهم في هذا الإطار، بالإضافة إلى آراء مثقفين ومسؤولين، «وصفة»، تُقدم أمام صانعي القرار والمعنيين برفع سوية إنتاج الدراما المحلية، وتحقيق صالح الفنان الإماراتي.
الفنان والمنتج الإماراتي، حبيب غلوم، يرى أن الدراما الإماراتية قادرة بإمكاناتها على مسايرة ركب التقدم، الذي تعيشه الدولة في شتى المجالات، في حال توافرت الإرادة، وحضر القرار الحاسم لتجاوز عقباتها، والتي أبرزها من وجهة نظره: «الميزانيات الشحيحة التي تُخصص للأعمال المحلية»، و«تكرار المضامين ذاتها»، و«عوائق التصوير وإجازة النصوص».
وأضاف غلوم: «ميزانيات الدراما المحلية، التي تم إنتاجها العام الماضي، جاءت ضعيفة جداً، وهناك تراجع حادٌّ في الميزانيات المخصصة لأعمال هذا العام بشكل ملحوظ، وفي حال تم تجاوز إشكالية التمويل المتواضع، ستنفتح أمام المُنتج حلول فنية، تحفظ للمسلسل الإماراتي جودته».
وفي ما يتعلق بـ«تكرار المضمون»، رأى غلوم أن خارطة الإنتاج الدرامي المحلي بحاجة إلى الخروج عن نمطية المضمون السائد، والذي تتطابق فيه أيضاً مع الدراما الخليجية، وعدم التركيز على قالب واحد، والانفتاح بشكل أكبر على القضايا الاجتماعية، والابتعاد عن الانكفاء على المسلسل التراثي، أو الكوميدي.
وأشار غلوم أيضاً إلى أن شركات الإنتاج المحلي بحاجة إلى تعاون من قبل المؤسسات الحكومية والخاصة، واعتبار ما تقوم به «عملاً فنياً»، يسهم في صياغة الوعي الجمعي، مصحوباً بخصوصية المتعة الدرامية، وليس عملاً تجارياً، وهذا لا يتأتى إلا من خلال سلطة قوية مؤثرة، تفرض تعاون تلك الجهات، بما في ذلك جهة إجازة النصوص وإصدار تصاريح التصوير المختلفة.
الحلول من وجهة نظر الفنان والمنتج أحمد الجسمي، مالك شركة «جرناس للإنتاج الفني»، تُختزل في دعم القنوات الفضائية للمنتج المحلي، مضيفاً: «الإنتاج في الإمارات، وكذلك في دول مثل البحرين وسلطنة عمان، لن تكون له قائمة من دون دعم التلفزيونات المحلية، عبر سياسة (المنتج المنفذ)، الذي يُعد (حالة تنموية)، نظراً لأن التسويق خليجياً أصبح مرهوناً - وفق الوضع القائم - بعدد من النجوم غير الإماراتيين، وصناعة النجوم بحاجة إلى إنتاج، لذلك فإن الخطوة الأولى تبدأ بالمراهنة على الإنتاج المحلي، ومنحه الأولوية».
فكرة التعاون التبادلي، أيضاً، أحد الحلول التي أشار إليها الفنان والمنتج سلطان النيادي، مالك شركة «ظبيان» للإنتاج الفني، لافتاً إلى أن المؤسسات الإعلامية العربية والخليجية، التي تستضيفها المناطق الإعلامية والحرة المتعددة بالدولة، يجب استثمارها وحثها على القيام بدور ولو في سياق «رد الجميل»، تجاه ما تقدمه الدولة من تسهيلات وامتيازات عدة إليها.
لكن النيادي رأى أن الحل الرئيس يكمن في دعم التلفزيونات الوطنية للمُنتج المحلي، ونفض دعاوى «اللهجة»، و«التسويق» وغيرهما، مضيفاً: «نرى العديد من القنوات المحلية تتورط في مسلسلات غير إماراتية، شديدة الضعف فنياً، ونجد تعاوناً مع شركات بعينها لإنتاج خمسة أو ستة أعمال، في حين أن المُنتج المحلي يُعد ظافراً إذا حظي بعمل وحيد في العام».
وتتطابق وجهة نظر الفنانة والمنتجة سميرة أحمد، مالكة شركة «المها» للإنتاج الفني، في ما يتعلق بضرورة إتاحة مزيد من الفرص للمنتج المحلي، مضيفة: «نعلم أن هناك بعض القصور لدى منتجين إماراتيين، لكن الجودة لن تتحقق إلا من خلال تتابع التجارب، ومن حق المنتج الإماراتي ان يستفيد من تصويب المسؤولين على قطاعات الإنتاج في تلفزيوناتنا الوطنية، بدلاً من إقصائه، في الوقت الذي نرى فيه سماحاً وتعايشاً مع أخطاء منتجين آخرين».
وأشارت سميرة أحمد، أيضاً، إلى أن معظم الميزانيات، التي تُخصص لتنفيذ أعمال إماراتية تبقى «هزيلة»، ما يجعل بعضها يولد «ميتاً»، مطالبة أيضاً بحل مشكلات تصاريح التصوير، التي تبقى بمثابة «صداع» في رأس كل مشروع درامي، لاسيما في ما يتعلق بالتصوير الخارجي، ضمن الأماكن التابعة لمؤسسات استثمارية خاصة، حيث تحدد كل منها أسعاراً مبالغاً فيها، من أجل السماح بإتمام التصوير، على الرغم من أن العمل الدرامي يروج سياحياً للمنطقة، وللدولة عموماً.
ورأت سميرة أحمد ضرورة تقليص ما سمته «تهافت التلفزيونات المحلية على المسلسلات التركية والكورية والهندية، وغيرها من المسلسلات، التي تستدعي أنماطاً مغايرة من القيم والعادات»، مضيفة: «أطفالنا أصبحوا غرباء عن واقعنا بسبب تلك المسلسلات، والعودة إلى المسلسل الإماراتي الجيد أصبحت ضرورة اجتماعية وحضارية، قبل أن تكون فنية».
المنتج والكاتب الإماراتي جمال سالم، الذي ارتبط اسمه بواحدة من روائع الدراما الإماراتية، هي سلسلة «حاير طاير» وغيرها، رأى أن هناك حاجة ماسة لتوسعة آفاق عرض الدراما المحلية، من خلال دخول مزيد من المؤسسات الإعلامية ساحة الإنتاج.
ورأى سالم أن المنتج الإماراتي بحاجة إلى مزيد من التشجيع، من قبل المؤسسات الإعلامية المحلية، التي عليها صياغة استراتيجية تتبنى في صدارتها دعم الدراما المحلية، ما سيشجع بدوره مختلف أطراف أي مشروع درامي، بدءاً من الكاتب، مروراً بالممثلين، وسائر منظومة الإنتاج الدرامي.
جابر نغموش: منطقة وسطى
دعا الفنان جابر نغموش، الذي يعد الوجه الأكثر حضوراً على شاشات القنوات المحلية في العقد الأخير، إلى ما سماه «منطقة وسطى بين الطرفين»، مضيفاً: «أرى أن إدارات التلفزيونات المحلية من جهة، وشركات الإنتاج الوطنية من جهة أخرى، بحاجة إلى التشاور، وصياغة رؤية مشتركة لتحقيق صالح الطرفين، وهو ما سيصب، واقعياً، في مصلحة الدراما والفنان الإماراتيين».
واعتبر نغموش أن «جميع مفردات المنظومة تهدف إلى أن يكون الإبداع حاضراً في ما تقدمه، لكن تختلف وجهات النظر، وتتعدد أولويات هذا الإبداع، فالمنتجون الفنانون يحرصون على تقديم أعمال تليق بقاماتهم وخبرتهم، دون أن تصاحب ذلك خسائر تجبرهم على التوقف، وإدارات التلفزيونات لديها رؤى ومنطلقات تسويقية، واعتبارات تتعلق بالدورات البرامجية المختلفة، لذلك الطرفان بحاجة إلى تفعيل اللغة المشتركة، والتشاور الدوري».
حلول مقترحة
■ وجود استراتيجية شاملة، تشارك في صياغتها الجهات الاتحادية والمحلية، المعنية بصناعة الإنتاج الدرامي، وتضم ممثلي إدارات القنوات الفضائية، وأبرز المنتجين، وعدداً من الفنانين المخضرمين.
■ ضرورة أن تنهض القنوات المحلية الوطنية بدورها، في دعم وتشجيع صناعة الدراما المحلية.
■ الحفاظ على حالة دورية من التواصل بين ممثلي إدارات الإنتاج في القنوات المحلية، والقائمين على أبرز شركات الإنتاج المحلية، على نحو يسهم في التوصل إلى صياغة مشروعات تلبي حاجة القناة، وشروطها المهنية والتسويقية.
■ إيجاد صيغ قانونية ملزمة لدى المناطق الإعلامية واللجان المعنية، تسهم في تسهيل منح إجازات النصوص، وتصاريح التصوير اللازمة لمشروعات الإنتاج الدرامي المختلفة.
■ تشجيع الشباب وتحفيزهم باتجاه كتابة النصوص الدرامية المستلهمة من البيئة المحلية، والانفتاح على النصوص الجيدة، محلياً وعربياً وعالمياً، باعتبار النص المتميز نواة للمشروع الدرامي الناجح.
■ استثمار البيئة الإعلامية الإماراتية، الحاضنة والجاذبة للعديد من المؤسسات التلفزيونية العربية، للعمل على توفير فرص لحضور المسلسل الإماراتي في القنوات الخليجية والعربية، عبر صيغ واتفاقات مبتكرة.