راشد بن لاحج يرسم لوحة حنين

في سكك «الماضي الجميل» مع «عيال الفريج»

لوحة من الماضي، يرسمها - بعفوية وصدق - الكاتب الإماراتي راشد بن لاحج، في «عيال الفريج»، الذي لا يخرج عن إطار سكك الحي الرملية، سارداً تفاصيل هذا العالم بكلمات مترعة بالحنين إلى الرفاق الصغار، ويومياتهم ومشاغباتهم البريئة بين جنبات هذا الفريج «الواقعي».

كل أبطال «عيال الفريج»، بأسماء مدللة، تشبه زمن الصبا: (رشود وعبود وحمود وبروك وحسون ومطور وخماس)، وغيرهم من صبيان الحي وأولاد الجيران الذين كانوا بمثابة عائلة واحدة، ولا تغفل عين الكاتب عن الناحية الثانية، فثمة فتيات أقل مشاغبة، ولكنهن حاضرات يكملن أجواء الفريج وعالمه: (عاشوه وعفروه)، وغيرهما.

يسرد بن لاحج تفاصيل «الفريج»، وذكرياته، بعين «رشود»، ويبني على الورق ما لم يعد له وجود في الواقع: فضاءات ومنازل أولى لها في القلوب منازل، أيام زمن «المطوعة»، والفرح بالألعاب التقليدية البسيطة، أو «بسيارة صغيرة عثر عليها أحد الفتيان في صنّية (كومة القمامة) الإنجليز، فطاف بها الحي مباهياً بها أقرانه».

عناوين الكتاب الذي صدر عن «دار مداد للنشر والتوزيع» الإماراتية في 184 صفحة هي «الحبل، اللبن، الخلال، الحلم، ضرابة، تحت الشبرية، الزبوت، ميرحانة، لعبة ميت، لعبة الحبل، طبخ، ميرحانة البدو، صورة، المطر، زيارة، رحلة عجيبة، فوق السطح، المسمار، لعبة عنبر (قواطي)، كوك، لعبة المدرسة، قيلولة، راعي الفلييت، الدتشه، الضباب، لوزة يابسة، الحيا، لعبة الدسيس، طاق طاق طاقيه، تيلة صب، شطانة، الحيا والمستحيا، الخزانة، ولعبة النوخذة».

وتعد العناوين مدخلاً إلى تلك المشاهد السردية، التي يسيطر على العديد منها اللهجة المحلية، وتراثها المحمل بالأصالة، حتى في ما يخص الصغار، فثمة عناوين بالجملة من عالمهم، عنهم وعن حياتهم في ذلك الزمن الحافل بالأهازيج، والأحلام الصغيرة، والألعاب الجماعية التي تلمّ شمل صبيان «الفريج»، إذ يفصلها الكاتب، ويحرص على تسجيل كيفية أدائها كي تبقى حية في الذاكرة، حتى لا تضيع في زمن «البلاي ستيشن»، واللعب مع الذات أمام شاشة صغيرة، في عالم افتراضي، خال من «عيال الفريج» ومناكفاتهم الجميلة.

تبدأ قصص «عيال الفريج» بريئة، وتنتهي بمفارقة تبعث على الابتسام، لما تحمله من «لعب العيال» ومكائدهم الصغيرة، فـ«رشود» الذي يساعد (بأجر) «عفروه» ورفيقتها «عاشوه» على صنع أرجوحة في غضن شجر، لقاء قطعة نقدية، يضطر لإعادة المال، حينما استحيا من خالته: «ادعى أنه أخذ القطعة المعدنية من الصغيرة حتى لا تقع منها في أثناء تأرجحها، وأنه كان ينوي إعادتها إليها بعد أن تنتهي من لهوها.. ناول (عاشوه) القطعة النقدية وهو ينظر إلى خالته من طرف خفي، وأوصاها بأن تدسها في جيبها.. كانت الشجرة تميل يمنة ويسرة مع صعود الأرجوحة وهبوطها، وكأنما ترقص طرباً للأهزوجة التي ترددها الفتاتان». لا ينتهي المشهد عند ذلك الإذعان من قبل «رشود»، إذ خطر عقل الصبي عن حيلة؛ واقترح على الفتاتين «تعديل الأرجوحة لتتسع لكليهما.. اختار غصناً ضعيفاً لربط الحبل فيه فسقطت الفتاتان والغصن فوقهما: بقية القصة معروفة.. هروب، فمطاردة، فعقاب، فبكاء يتخلله قسم بأغلظ الأيمان أن النية لم تكن سيئة».

 

الأكثر مشاركة