بدايات الشاب المكافح، الذي عمل في 40 مهنة، كانت مع الشعر، والموروث الشعبي، وحكايا الفلاحين في مجاهل بلاده، لينقل عوالمهم بواقعية آسرة، جعلته مرشحاً دائماً لجائزة نوبل.

يشار كمال.. المرشح المزمن لـ «نوبل»

سيرة حافلة بفصول الكتابة والمواقف والدراما، كانت حياة الكاتب التركي الكردي الأصل يشار كمال، الذي رحل يوم السبت الماضي في إسطنبول، بعد أن أثرى الأدب بنتاج ضخم، ترجم بعضه إلى اللغة العربية، إذ تخطت شهرة يشار حدود بلاده، ونقلت إبداعاته إلى كثير من لغات العالم.

يرى نقاد أن «الرواية التركية خرجت من إطارها المحلي إلى الإطار الإنساني العالمي بفضل روائيين عظام أمثال عزيز نسين، ويشار كمال، وكمال طاهر، حتى إن روايات بعض هؤلاء ترجمت إلى أكثر من 50 لغة من لغات العالم».

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

«كمال صادق» الاسم الأصلي ليشار كمال، الذي ولد في عام 1923، في إحدى قرى أضنة؛ ترك المدرسة مبكراً، وعمل في نحو 40 مهنة، كما ذكر مترجمو أدبه، ومن بينها الإسكافي وعامل البناء و«العرضحالجي» (كاتب العرائض)، وعامل جني القطن.

مع الشعر كانت بداية يشار كمال، الذي شيعت جنازته أول من أمس، بحضور الآلاف، ثم اتجه بعد ذلك إلى الدراسات الفلكورية، كما ورد في مقدمة رواية «الأرض حديد والسماء نحاس»، التي ترجمها إلى العربية جلال فتاح رفعت، وصدرت عن دار نينوى، إذ يضيف المترجم أن بدايات يشار الشاب المكافح ذي الميول اليسارية كانت مع الموروث الشعبي، وحكايا الفلاحين في مجاهل بلاده، كما «جمع الأغاني التركية المتداولة في منطقة أضنة ونشرها عن طريق بيوت الشعب أيضاً عام 1942، وهي المجموعة الفلكورية التي أعيدت طباعتها خمس مرات خلال 1942 ـ 1943، ثم بدأ كمال بجمع البكائيات والمراثي الشعبية المتداولة في المنطقة نفسها، ونشرها عام 1943». وكان ذلك بمثابة التبشير بميلاد كاتب يهتم بالحياة الشعبية، وبالفعل كانت تلك الحكايات هي مداد يشار كمال في رواياته، إذ صور حياة البسطاء وهمومهم، وروى صراعاتهم «في مزارع القطن وحقول الحبوب المترامية التي يمتلكها الإقطاعيون والأغوات، ونضال هؤلاء ضد هذه الذئاب البشرية». يشار، يلتقط في «الفتوة التشغرجوي» (ترجمه للعربية عبدالقادر عبداللي، وصدر عن دار المدى)، حكاية شعبية كذلك عن «فتوة وقاطع طريق»، يقال إنه قتل أكثر من 1000 شخص، والتقى يشار قائد الحملة التي قتلت التشغرجوي، واستمع إلى ذكرياته عن الحادثة، ولم يكتفِ بذلك، كما روى في مقدمة الكتاب: «بعد استماعي للعقيد رشدو قوباش وتدويني ذكرياته، تجولت في الجبال التي تجول فيها التشغرجوي، ورأيت الأمكنة التي عاش فيها». ويفصل الكاتب الراحل رحلته مع ذلك «الفتوة»، وكيف ظل لسنوات يطارد سيرته حتى اكتملت، ويقال إن عم يشار أيضاً كان «فتوة»، لذا اهتم بحياة التشغرجوي.

عاش يشار، تجربة السجن مبكراً، وهو في الـ17 من عمره، بتهمة سياسية، ولم تنقطع محاكماته بعد ذلك، إذ دفع ثمن كلمته وموقفه، ومناصرته لحقوق جذوره الأكراد، ومناهضته القمع الذي مورس ضدهم. وكما اضطر في البداية إلى التخلي عن اسمه والكتابة تحت اسم مستعار، اضطر إلى العيش متخفياً لفترة طويلة، بل وترك تركيا إلى منافٍ أوروبية، من بينها السويد التي قضى بها عامين. كما ساند الكاتب أورهان باموك، في محنته ومحاكمته بسبب موقف الأخير من مذابح الأرمن، وتعرّض يشار لملاحقات كثيرة، بسبب تلك المواقف التي لم ترضِ السلطة في بلاده.

رواية «محمد النحيف» أو النحيل، حسب اختلاف الترجمات، وضعت يشار كمال في المنزلة التي يستحقها، وأنجز جزأها الأول عام 1955، وأكملها حتى صارت رباعية، جعلت صاحبها أحد مؤسسي تيار الواقعية الاشتراكية في الأدب التركي. نشر الكثير من الروايات والكتب والقصص القصيرة، وتحولت أعمال له إلى مسرحيات عرضت لفترات على الخشبات في بلاده وخارجها، وحاز جوائز عدة، وكان «المرشح المزمن لنيل جائزة نوبل في الأدب منذ مطلع السبعينات»، إلا أن الجائزة العالمية تخطته كما حال كثيرين ممن يستحقونها. ترجمة حياة البسطاء وهموم المنسيين، لم تكن هي فقط ما أسداه يشار إلى الأدب التركي، بل ثمة قاموس خاص للراحل، اجتذب القراء وأتعب مترجميه، إذ اخترع المبدع الراحل ألفاظاً خاصة.

الأكثر مشاركة