الفنان التونســي إل سيد.. حوارية الشكل والشـــعر
من حروف اللغة العربية يستلهم فنان الغرافيتي التونسي إل سيد أعماله، فيصيغ الحروف ضمن أشكال انسيابية ومتداخلة تأخذ تكويناً يجعلها تبدو كما الشلال الذي يتساقط من أعلى السقف حتى الأرض. يتلاعب الفنان على جمالية شكل الحروف وطواعيتها في التمدد والانحناء ليقدم حوارية بين اللغة والشكل والشعر. وقد تنازل في معرضه الذي اختتم أخيراً في مركز «تشكيل» عن ثنائية اللوحة، حيث جسد عشقه وشغفه باللغة واحتفى بالحرف من خلال مجسمات ضخمة للحروف تمتد من الأرض إلى الجدران والسقف.
| سيرة
ولد الفنان إل سيد في فرنسا، وعاش حياته في أوروبا، كما أكمل دراسته هناك. ولكن كل هذا لم يمنعه من محاولة ايصال الثقافة العربية من خلال الخط العربي، فبرز اهتمامه بالثقافة التي ينتمي إليها، وهو اهتمام وعودة للجذور. تجسد أعمال الفنان إل السيد، فنون الخطوط العربية التقليدية مع فن الغرافيتي، الأسلوب الفني الذي يلقبه باسم «كاليغرافيتي». ولدت إبداعاته الفنية في الشوارع والآن تزين العديد من الشوارع في مختلف أنحاء القارة. يعمل الفنان إل سيد على التأليف الحميم لأعماله ليس لتظهر الكلمات ومعانيها فقط، بل بحركتها المميزة التي تغري الناظر إليها وتنطلق به إلى عالم آخر من الجمال. قدم مجموعة من الأعمال على المباني، كما رسم على الحقائب، وكانت له مشاركات عالمية وعربية عديدة. أما خطه وأعماله على الجدران فموجودة في مدن عالمية عدة، ومنها ريو دي جانيرو، شيكاغو، جربة، بروكلين في نيويورك، وباريس. «إشهار» «إشهار» كان عنوان المعرض الأخير الذي قدمه إل سيد في دبي في مركز تشكيل، وحمل من خلاله رسالة ايصال الخط العربي للناس، لذا حمل المعرض هذا العنوان، حيث اعتبره الفنان فرصة لإشهار حبه للغة والخط العربي. |
اختار إل سيد لمعرضه الذي أقيم أخيراً في دبي بالتعاون مع مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان، «إشهار» عنواناً
له، وقد استوحاه من قصيدة حب للشاعر نزار قباني، فاتخذ من حروف وكلمات القصيدة ممراً للتعبير عن عشقه الشخصي للغة العربية وتكوينات حروفها. حيث يسعى إل سيد إلى التعبير عن حبه للغة العربية وتعلقه بالثقافة العربية من خلال أسلوبه في المزج بين التراث والمعاصرة، فيجمع بين اصالة الحروف وحداثة الخط. واللافت في أعمال إل سيد الأخيرة، توقه الى جعل المتلقي جزءاً من العمل، فهو يمكنه أن يدخل ضمنه، دون أن يكتفي بالمشاهدة من بعيد. وهذا التكوين الضخم والغني بالفراغات الناتجة عن أشكال الحروف يجعله يلعب مع الضوء في الأعمال التي كانت باللون الأحمر، حيث يدخل الضوء ضمن المجسمات ويتناثر في الصالة من خلالها.
وعن علاقته بالخط العربي قال إل سيد لـ«الإمارات اليوم»: «ولدت في فرنسا، ولكن أمي وأبي من تونس، لذا فعلاقتي باللغة العربية تنبع من أصلي العربي، وبالتالي فإن السبيل الأول هو اللغة، فتعلمت من دراستي في باريس الخط العربي، وفي اواخر التسعينات بدأت في الغرافيتي في فرنسا». وأضاف «بدأت أتعلم اللغة العربية وتعلمت الخط العربي من خطاط عربي مهم، وعرفت بفنان الغرافيتي، ولكني أدخلت العديد من المواد على أعمالي، لذا فإنها لم تعد مجرد خطوط وكتابات على الجدران، رغم اني بدأت هكذا، ولكني حرصت على تقديم شيء جديد ومختلف للناس». وقدم في معرضه الأخير شعر نزار قباني ضمن أشكال هندسية تتداخل من الجدار للسقف والأرض، فشكلت الأعمال محطة جديدة ومختلفة. وفسر إل سيد التقنية التي استخدمها، معتبراً أنها تجربة جديدة، لاسيما أنه يتعاطى مع الحرف بشكل ثلاثي الأبعاد مع مادة «الفايبر غلاس»، مؤكداً أن التحدي كبير، وأنه أراد للمتلقي أن يكون جزءاً من العمل، وليس أن يقف ويشاهد من بعيد.
واعتبر إل سيد، أن العمل بين الكتلة والحرف الثنائي الأبعاد يختلف في عين المتلقي، مشيراً الى ان الفكرة التي أراد تطبيقها لم يتمكن من تقديمها بشكل ثنائي الأبعاد وعبر الرسم، لهذا لجأ الى الأبعاد الثلاثة. وأوضح كيف أن الحرف الذي ينبني على اليمين واليسار يتطلب توازناً لابد من تحقيقه في المجسمات، الى جانب الجمال الذي تحققه البنية، فهي تحتاج الى وقت أيضاً. كما أن التجربة الجديدة تحمل العديد من المشاهد المختلفة، لاسيما أن الحروف تنبع من الشعر، منوهاً بأن حرف الواو هو أكثر الحروف التي تعجبه. أما الحركة فهي من الأمور السهلة في الحرف، كونه طيعاً ويمكن اللعب على الشكل فيه.
وحول فن الغرافيتي، قال الفنان التونسي «هذا الفن من الفنون التي تضم مجموعة من الفنانين تعلموه في الشارع، كما أن أغلب من يقومون بهذا الفن لم يدرسوه في الجامعة، بل يقومون به فقط». ولفت الى أن فنان الغرافيتي يطلق على نفسه فنان شارع، وهذا لا يقلل من شأن الفنان، فهناك فنانون يرسمون في الشارع ويبيعون القطع الخاصة بهم بمئات آلاف الدولارات. واعتبر أن فنان الغرافيتي في العالم العربي يحاول قدر الإمكان توصيل هذه الثقافة، ولكن لابد من أن يعتمد توصيل ثقافته، مستطرداً «لا يعجبني أن أرى فناناً من الوطن العربي أو الخليجي ويكتب بالأسلوب نفسه المعتمد في نيويورك، فهناك اختلاف، ففي أميركا ابتكروا أشكالهم التي تناسبهم، ونحن في العالم العربي لابد من أن نبني ما يتناسب مع تاريخنا وثقافتنا ولغتنا، وهذا التحدي الجديد». وحول اختياره لاسم «إل سيد»، أكد، أن هذا أتى لكونه حين بدأ بالرسم على الجدران كان لابد من اختيار اسم خاص، وذلك لأنه لا يمكن لفنان غرافيتي الرسم وامضاء اسمه الحقيقي، فلا أحد يعرف اسمه الحقيقي وهو فوزي، كما أن البعض يعتقد ان الاسم الأول إل والثاني سيد. وقدم إل سيد مجموعة من الأعمال الخيرية ومنها حقائب لوي فيتون التي خط عليها الحروف العربية وبيعت في مزاد كريستيز، وقال عن هذه التجربة، «كنت فخوراً بتعاملي معهم في هذا المشروع، ولاسيما أني عملت مع شركة عمرها عشرات السنوات، وكانت الفكرة جميلة لاسيما اني كنت أول فنان عربي يقدم شيئاً لهذه الشركة». أمّا رسالته للشباب في العالم العربي، فهو الفخر بالثقافة العربية، والاعتماد على الذات وليس طباعة الأفكار من الخارج، فلابد أن يكون صادقاً مع نفسه. ورأى أن هناك مسؤولية لايصال فكرة جيدة وصحيحة عن العالم العربي، فهي الأداة والتحدي، لاسيما في ظل ما يحدث، فلابد من تصحيح النظرة الخاطئة للغرب والتصويب على مكامن الجمال في وطننا، وثقافتنا هي الأولى.