سلمى المـري تواجه الحزن بالألوان
واجهت الفنانة التشكيلية الإماراتية سلمى المري حزنها بالألوان، بعد وفاة زوجها سفير الإمارات لدى الكويت علي بن شكر الزعابي في 14 من أغسطس الماضي.
ووجدت الفنانة في ملتقى دبي التشكيلي الدولي فضاء للإبداع يساندها معنوياً، وفي الوقت ذاته تدعم بمشاركتها أطفال مركز راشد لرعاية الطفولة الذي نظم الملتقى. وشاركت بعملين فنيين، لكن زملاءها الفنانين المشاركين لم يروها خلال ورشة الرسم في مركز راشد، إذ إن فترة «العدة» لا تتيح لها الخروج، لذلك كانت ورشتها في مرسمها داخل بيتها، ومن هناك أبدعت لوحتين خلال أيام الملتقى، وأرسلتهما مع بناتها الثلاث إلى ورشة الرسم لتتجاورا مع أعمال بقية الفنانين المشاركين في ملتقى دبي التشكيلي الدولي. وأهدت اللوحتين اللتين ولدتا في فترة عصيبة إلى أطفال مركز راشد «ليخضر الأمل في عيونهم».
سلمى المري، عضو جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، وجه لها الملتقى دعوة المشاركة في شهر مايو الماضي، وكانت تخطط لرحلة مع زوجها، لكنها بعدما أصيبت بالفقدان، تذكرت ما كانا يسعيان إليه، وهو إعداد أبنائهما لمواجهة الحياة بكل تفاصيلها. واستوقفتها حالة الحزن والصمت العميق لتسعى إلى رؤى فنية جمالية وإنسانية وتأملية.
وقفت الفنانة على قدميها، وأكدت أنها ستشارك في الملتقى لتؤكد أن الحياة أقوى من الموت، وأن الصمت يمكن أن يتحول إلى طاقة جديدة للإبداع وليس للاستسلام.
سلمى المري التي درست الفنون الجميلة في القاهرة عام 1985، وفازت بجوائز عدة تشكيلية وتربوية، منها الجائزة الكبرى مناصفة في بينالي الخرافي للفن العربي المعاصر، قالت لـ«الإمارات اليوم» عن دلالات مشاركتها في ملتقى دبي التشكيلي «قام مركز راشد وأطفاله من ذوي الاعاقة بانتشالي من الصمت ومساعدتي ودفعي نحو تبادل الدعم من الجهتين، إذ كنت في أمس الحاجة إليهم ليحفزوني على تلوين الصمت والحزن»، مضيفة «فتحت مرسمي البيتي ونازلت الحزن بالصبر والألوان، وأخذتني الحالة إلى مواجهة بياض قماش اللوحة وتلوينها، كما لو أنني ألون الغياب بالحياة والإرادة»، موضحة أن موضوع الثور في اللوحتين اللتين أنجزتهما خلال الملتقى يشير إلى معنى الإصرار على الحياة ومواصلة العمل الإبداعي، على الرغم من المصاب والألم.
وأضافت الفنانة التي تفرغت للفن منذ عام 2006 «أنا وعلي وأبناؤنا نهدي أطفال مركز راشد منتجاً فنياً ولد في فترة عصيبة، ليخضر بين أعينهم الأمل، وتخضر الحياة في قلوبهم الطاهرة».
الفنانة الإماراتية التي أقامت معارض فردية عدة، وشاركت في معارض جماعية داخل الإمارات وخارجها، من بينها معرض «المرآة العاكسة» بمقر الأمم المتحدة في نيويورك 2010، ومعارض في اليابان وألمانيا وإيران وتونس ومصر، قالت «بعدما فارقني زوجي علي بن شكر دنيوياً، عرفت أن للحزن متاهات قد تأخذ أياً منا إلى الهاوية. وكان اختياري أن تستوقفني الحالة وتسعى بي إلى رؤى إبداعية تتوحد فيها روحي وروحه، وأنهض بأبنائي وبنفسي وبمن حولي»، مبينة أن «الصمت العميق طريق إلى التأمل والسلام والسكينة داخل نفس الإنسان».
وكان ملتقى دبي التشكيلي الدولي الأول الذي افتتحه سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، ونظمه مركز راشد لرعاية الطفولة أقيم في الفترة من الاول حتى الثامن من أكتوبر الجاري بمشاركة 24 فناناً من 18 دولة، وكان ضيف الشرف من اليونان، وشارك فيه ستة فنانين إماراتيين من بينهم سلمى المري. وتسلمت أثير علي بن شكر، ابنة الفنانة، شهادة المشاركة نيابة عن والدتها في حفل الافتتاح. كما حضرت بناتها الثلاث حفل الاختتام في الثامن من أكتوبر الجاري. وأكدت الفنانة الإماراتية أن مشاركتها في الملتقى التشكيلي عززت لديها معنى الإصرار على ابتكار المعاني والأمل والحياة، على الرغم من الحزن. كما قالت إن «حضور بناتي حفل الاختتام كان مؤثراً بالنسبة لهن ولي أيضاً، وتمثلت النتيجة في دعمنا معنوياً، إضافة إلى تعزيز روح الإبداع والعطاء والصبر».
وكانت الفنانة قالت في حوار سابق لـ«الإمارات اليوم» إن «أعمالي الفنية متعلقة بالإنسان، تدور في فلكه، تبحث في انماطه، ومخزونه التراثي والنفسي»، موضحة أنها بحثت في معظم الاتجاهات الفنية، وكونت حصيلة معرفية وفنية على مدى ربع قرن، إذ إنها لا تتوقف عن البحث الجمالي، ما أضفى على أعمالها قيماً فنية جديدة.
شاركت سلمى المري في ملتقيات للفن التشكيلي، من بينها ملتقى شرم الشيخ للفنون 2013، وبينالي الخرافي للفن العربي المعاصر، ومعرض لفنانين إماراتيين وكويتيين 2012، وملتقى باترا التشكيلي في اليونان 2012، وملتقيات في اليمن والمغرب.
وكان الدكتور علي بن شكر، زوج الفنانة، الذي توفي في دبي إثر إصابته بجلطة قلبية سفير الإمارات لدى الكويت، ويعد من أوائل أطباء العيون في الإمارات، وكان مدير عام وزارة الصحة، ومديراً طبياً في مستشفى راشد في دبي، ورئيس جمعية الإمارات الطبية وأحد مؤسسيها.