الكتاب السوري في مرمى النيران
يبدو أن القصف في سورية، التي تعيش ثورة ضد النظام، لم يفرّق ما بين مدني أو عسكري، أو حتى كتاب يصارع من أجل البقاء، ونشر المعرفة والسلام، إذ لم تنجُ الإصدارات الثقافية من الصراع الدائر هناك، وكشف معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته ال31، معاناة واضحة وصعوبات بالجملة واجهتها دور النشر السورية التي وجدت نفسها في مرمى النيران، وما يحدث في بلادها.
أحجمت بعض دور النشر السورية عن المشاركة في «الشارقة للكتاب» قبل أيام قليلة من الافتتاح، بسبب الخسائر الجسيمة التي تعرضت لها، فيما أُغلقت مطابع نتيجة تلك الخسائر، كما تعرضت مستودعات في قلب دمشق وأريافها للتدمير نتيجة سقوط قذائف صاروخية مباشرة عليها، أو على أحياء قريبة منها، حسب ناشرين التقتهم «الإمارات اليوم» في المعرض الذي يستضيف فعالياته «إكسبو الشارقة» حتى 17 من الشهر الجاري.
| تسهيلات استثنائية حول المشاركة السورية في «الشارقة للكتاب» قال مدير المعرض، أحمد بن ركاض العامري، ل«الإمارات اليوم» إنه «على الرغم من الصعوبات التي يواجهها الناشر السوري جراء الظروف الأمنية والسياسية الحاصلة هناك، إلا أن دور نشر حرصت على الوجود في المعرض لأهميته، وكونه أحد أبرز معارض الكتاب، من ناحية نسبة الزوار والمبيعات». وأفاد بأن «عدد دور النشر السورية المشاركة، تجاوز 43 دار نشر، فيما احتجب عدد من الدور عن المشاركة في آخر لحظة قبيل افتتاح المعرض، واعتذر عدد آخر نتيجة احتراق مستودعات تخزين الكتب الخاصة به، جراء تعرضها للقصف، وسقوط قذائف صاروخية على المناطق التي توجد فيها المستودعات». وأكد العامري أن إدارة المعرض قدمت تسهيلات لدور النشر السورية بشكل استثنائي، منها السماح لها بتخزين الكتب والإصدارات، لاسيما أن عدداً من دور النشر كان مشاركاً في معارض سابقة في الدولة، الأمر الذي أسهم في مساعدتها في عمليات النقل والتخزين ووصول الكتب، كما تعاونت إدارة المعرض مع دور النشر في السماح لها بسداد قيمة رسوم ايجار الجناح خلال أيام المعرض، إذ يفترض أن تسدد تلك الرسوم قبل الافتتاح.
|
ولم تتوقف معاناة الناشر والمورد السوري عند هذا الحد، بل فقدت دور نشر امكانية الوصول إلى مستودعاتها للمشاركة في معرض الشارقة للكتاب، وانقاذ ما يمكن انقاذه من اصداراتها المخزنة في تلك المستودعات، فيما لايزال مصير بعض المستودعات مجهولاً، خصوصاً مع صعوبة الوصول إليها للتحقق من سلامتها، بعد رصد حالات قصف قوات النظام لتلك المستودعات والمطابع طوال الفترة الماضية. وعلى الرغم من ذلك حضرت بعض دور النشر السورية في «الشارقة للكتاب»، متحدية الوضع الراهن هناك، إضافة الى ظروف تأخر الشحن، وارتفاع كلفته، مقارنة بالسنوات الماضية.
«طيور الجنة».. احترقت
قال الناشر سامر قمر، من دار «غار حراء» السورية ل«الإمارات اليوم» إن «مستودع إصدارات طيور الجنة في ريف دمشق، تعرض للقصف من قبل قذائف صاروخية، الأمر الذي عرضه للهدم بالكامل، واحترقت بالكامل الإصدارات الورقية والإلكترونية، وخسرت الدار جراء ذلك نحو ستة ملايين ليرة سورية(324 ألف درهم)». وتابع أن «المستودعات غالباً ما تكون في الأرياف، وليس في المدينة، لذلك عانينا الكثير في الوصول إلى مستودعاتنا وجلب الشحنات المخزنة فيها للمشاركة في المعرض على أمل إنقاذ أكبر قدر من الكتب، لاسيما أن القصف مستمر في مناطق الأرياف، إضافة الى ان معظم دور النشر، ونحن من ضمنها، لم تتمكن من الشحن عن طريق البر، كون معظم الطرق مغلقة». وأكد قمر أن «معظم الشحنات تأخرت في الوصول إلى معرض الشارقة، ففي السابق كانت الشحنة تصل في غضون 15 يوماً، أما في الوضع الراهن والأزمة الحاصلة فباتت تتأخر لأشهر، علاوة على ارتفاع كلفة الشحن، كوننا صرنا نستخدم الشحن البحري الذي يكلفنا الكثير مقارنة بالبري، كما أننا في الأخير لا نجلب الكميات المطلوبة من الكتب».
مطالبات
من جانبه، أكد رئيس لجنة المعارض العربية والدولية في اتحاد الناشرين السوريين وصاحب دار «الأوائل للنشر والتوزيع والخدمات الطباعية»، اسماعيل الكردي، أن «الناشرين السوريين المشاركين في المعرض يعتزمون المطالبة بإعفائهم من رسوم ايجار الأجنحة، أو خفض قيمة الرسوم على الأقل، مع ضرورة تشجيع المؤسسات الحكومية على اجراء عمليات شراء من دور النشر السورية كمساعدة في تحسين الأوضاع الاقتصادية، لاسيما أن هناك دور نشر خسرت مبالغ كبيرة، والمبيعات في المعارض قليلة جداً ولا يمكن أن تعوض تلك الخسائر، إلا ان المشاركة في حد ذاتها تعد مكسباً حقيقياً». ولفت إلى أن «الوضع في سورية صعب جداً، إلا أننا منذ 12 سنة نشارك في معرض الشارقة للكتاب، وحرصنا على المشاركة هذا العام، إلا أن صعوبات كثيرة واجهتنا، ومنها ارتفاع كلفة الشحن البري بسبب اغلاق المنافذ المؤدية للمستودعات في مناطق الأرياف، كما أن الرقابة باتت مضاعفة على الكتب الصادرة، إضافة إلى تأخر وصول الشحنات لمطلوبة لأكثر من شهرين ونصف الشهر، كما أننا نواجه صعوبة في المشاركة في بعض المعارض، منها ما حصل أخيراً في معرض الرياض عندما رفض منح دور النشر السورية تأشيرات لتتمكن من المشاركة».
تأخر وصول
أما صاحب «دار العصماء»، زياد مخللاتي، فأشار الى أن أهمية معرض الشارقة الدولي للكتاب هي ما دفعه للمشاركة على الرغم من أن المبيعات لا تبشر بالخير، على حد قوله، مضيفاً أن «النسبة قليلة الى الآن، فيما التكاليف مرتفعة جداً، ويجب أن يكون هناك تعامل خاص مع الناشرين السوريين، وتجب مساعدتهم كونهم يمرون بأزمة لا يستهان بها، لاسيما أنهم تكبدوا خسائر بالغة في الشحن، وما ترتب على تأخير بعض الشحنات من نتائج». وأكد أنه خسر مبالغ مالية نتيجة احتراق مطبعة كانت تطبع 3000 نسخة من اصدارات الدار، نتيجة سقوط قذيفة حولت المطبعة إلى ركام، كما أن دور نشر خسرت مبالغ مالية ضخمة، ومنها «دار الشرق العربي» التي احترقت مطبعتها الواقعة في مدينة حلب، الأمر الذي منع صاحبها من المشاركة في المعرض على الرغم من أنه حجز الجناح، إلا انه بقي خالياً من الكتب.
خسائر
قدر الناشر في «دار صفحات للدراسات والنشر»، يزن يعقوب، الإصدارات الموجودة حالياً في مستودعه في الريف السوري، بنحو 10 ملايين ليرة سورية (540 ألف درهم)، معتبراً تلك الإصدارات مجهولة المصير، لاسيما أن القصف في المنطقة التي يقع فيها المستودع مستمر. ولفت إلى أن «الأزمة السورية أثرت كثيراً في عمليات شحن الكتب التي كنا نقوم بها قبل 20 يوماً حداً أقصى، وأصبحت تستغرق نحو شهرين ونصف الشهر لنتمكن من تسلمها، كما ان تكاليفها صارت باهظة جداً».
أما الناشر في «دار الحافظ»، محمد الحافظ، فرأى أن صعوبة اخراج الكتب من المستودعات تعد العامل الأهم في عملية جلب الكتب للمشاركة في المعارض، خصوصاً أن معظم المستودعات في الريف، والبعض الآخر في مدينة دمشق نفسها، وقدر البضائع الموجودة في خمسة مستودعات تمتلكها الدار، بملايين الدراهم.
دول غائبة
قال مدير معرض الشارقة الدولي للكتاب، أحمد العامري، إن هناك دولاً عربية تعاني أزمات أمنية وسياسية، وتمر بمرحلة عدم الاستقرار نتيجة أحداث ما يعرف ب«الربيع العربي»، امتنعت عن المشاركة على الرغم من وجود موافقات مبدئية، منها الجماهيرية الليبية التي اعتذرت في آخر لحظة جراء الوضع الأمني غير المستقر، كذلك لم تشارك دول مثل جزر القمر وموريتانيا والصومال بسبب حالة عدم الاستقرار في تلك المناطق.
وأضاف أن «اليمن يشارك في المعرض بنحو أربعة دور نشر تقريباً، فيما مشاركة مصر جاءت بشكل مختلف لهذا العام من خلال جناح كامل خاص بمصر، كونها الدولة المستضافة، إذ بلغ عدد دور النشر المشاركة نحو 150 داراً، إضافة إلى الوفد الأدبي والفني الحاضر بقوة في المعرض».