المعرض تضمن أعمالاً فنية بتقنيات حديثة تتناول العلاقة بين البشر والأمكنة. تصوير: تشاندرا بالان

«غرباء» في «بيت السـركال»

«ماذا علي أن أفعل لأحيا في حياتك؟»، سؤال طرح ضمن منظور بحث للتعرف إلى امكانية اقامة أشخاص مختلفين على أرض واحدة، في دعوة لتخيل إقامة معرض في الشارقة لأعمال تشكيليين يوصفون بـ«الغرباء» عن المكان، مع امكانية استيعاب تلك الأعمال والفنانين، الذين وضعوا أسساً افتراضية للتعامل مع المكان والآخر، مستمدة من تجارب سابقة ولا تمت للواقع الفعلي بصلة.

الذاكرة والمقاومة

قدمت الفنانة الكورية الجنوبية، مينوك ليم، عمل فيديو على متن قارب يبحر على طول نهر «هان» الكوري، ويشهد العرض ثلاث لحظات متميّزة من حياة البشر، منها الاحتجاج، وقصة زوج وسجين سياسي سابق، إذ طرحت تساؤلات من تلك القصص مرتبطة بوضع الذاكرة والمقاومة عندما تواجهان سرعة التغير التي لا يمكن إيقافها.

اختير «بيت السركال» في الشارقة، كونه أحد أماكن عرض مؤسسة الشارقة للفنون، ومقره في منطقة الفنون بالقرب من ميناء خالد في الشارقة. ويعود بناء البيت الى خمسينات القرن الماضي، ويحتفظ بكثير من الصفات المكانية الأصيلة للبيت العائلي التقليدي، منها الغرف الخاصة والعامة، والتي تتوسطها الممرات المؤدية إلى ساحة البيت المفتوحة، لذلك كان التحدي بالنسبة للفنانين هو إيجاد علاقة بين تقديم أعمال فنية معاصرة داخل السياق المكاني القديم، وفي النظر إلى تاريخ المكان بوصفه منزلاً عائلياً، حيث المساكن والمتاجر غالباً ما تتداخل نتيجة آليات التحول التاريخي للتجارة، فإن أفكار التحويل والتغيير تكون مستحضرة.

سؤال «ماذا علي أن أفعل لأحيا في حياتك؟» جال كثيراً في ذهن الفنانة الكورية الجنوبية مينوك ليم، إذ ينطلق السؤال من شعورها بالامتعاض تجاه حقيقة أن حياتها مرتبطة على نحو بالغ التعقيد بحياة اخرين واحتياجاتهم، وفسرت ذلك من خلال قدرة الشخص على تأسيس علاقة متوازنة مع البشر والطبيعة والمدينة في إطار بيئي متغير بسرعة هائلة.

أما عمل «سؤال خاطئ» فيجمع بين سرديتين هما الروتين اليومي للفنان، وحياة سائق التاكسي، ويتطرق إلى الجيل الثوري الذي دافع عن البلد وأعادها للحياة من بين الدمار الذي خلفته الحرب الكورية، لاسيما أن مطالب الخلاص من الاستعمار والحرب ميزت الجيل بالميل نحو الغموض، والإيمان بأيديولوجية التطوير والتنمية.

حوادث يومية

تبدع الفنانة يوك كينغ تان أفلام الفيديو والعروض المسرحية التي تركز على الحوادث اليومية، محولة إياها إلى مواقف غير متوقعة في أغلب الأحيان، وتصنف أعمالها بين الرسم بأعقاب السجائر والرماد واقتحام الفضاءات العامة، إضافة إلى تفجير ألعاب المفرقعات النارية. وبوصفها فنانة نيوزيلندية تحمل ميراثاً صينياً وتعيش في هونغ كونغ، فإن أعمالها الفنية تُعنى في كثير من الأحيان بالتوصيفات الثقافية الدقيقة، والهجرة العالمية، والعلاقات الشخصية مع القضايا المعرّفة عالمياً مثل الجغرافيا السياسية والاقتصاد.

وتقدم تان فيلمين في فن الفيديو هما «مركز» و«أنا نور العالم»، الأول عرض حي للفنانة عن نفسها في مركز «حديقة الشعب» في شنغهاي، يوثّق تفاعل الفنانة مع المارة في الحديقة والتوترات الملازمة لأفعالها. والثاني في كنيسة المسيح «كرايست» وشارك فيه 50 شخصاً أشعلوا صورة عملاقة بنيت من الألعاب النارية. وينشأ من خلال توثيق بالصور لكيفية سفر مجموعة من المبشرين من الكنيسة في نيوزيلندا إلى القرى الواقعة في جنوب الصين، مثيرين بذلك اسئلة حول تدفق الناس وعواقب دخول أراض غير معروفة، والفيلمان يسلطان الضوء على كيفية تفاعل الغرباء، ومقاصد تلك التفاعلات.

أطر عشوائية

ينظر الفنان جواو فاسكو بايفا إلى الأطر المبنية والعشوائية للظواهر المدركة في تقنيات وسائل الإعلام مع الخلفية في الرسم، ويعتمد على رسم الخرائط بوضوح للمواقف العشوائية مقدماً إياها بإطار منظم وجمالي من خلال «فيديو آرت»، والعرض الصوتي البصري، والتسجيلات والتركيبات. وفي «العمل من خلال العطالة» يتفاعل الفنان مع محيطه في محاولة البقاء هادئاً وسط الحشود، لاسيما أنه مجهز بحساسات للصوت تعمل على تسجيل أي لمسة أو احتكاك تقع بينه وبين الحشود، بالتالي يحاول التقاط الصمت وسط الضجيج الهائل.

ويأخذ بايفا التسجيلات ويترجمها إلى مجموعة ملاحظات ورموز تعبر بصرياً عن كل لمسة بوصفها تدخلاً في توثيق الفيديو، خصوصاً أن تسجيل النقاط يسلط الضوء على كيفية الحفاظ على التفاعل القائم من خلال إشغال الفراغ بغض النظر عن الحركة أو السكون في علاقاتهما مع الجوار.

ويتناول عمل «التعاطف القسري» حدود التمثيل البصري عبر الاهتمام بالعلاقة القائمة بين التسجيل الصوتي وإعادة إنتاج المادة المسجلة، ويستخدم بايفا برمجة الكمبيوتر لكي يجمّد عوامة إرشاد السفن في منتصف إطار الصورة، مع الإبقاء على الإحساس بالحركة الذي تم إيجاده بتحريك الخلفية، إذ إن خلق هذه الحالة الشبيهة بالتنويم المغناطيسي يجعل تجربة المشاهدة مقززة، ويضع في المقدمة التضمينات التقنية والشكلية لوسائل الإعلام القائمة على الزمن.

وألّف الفنان التشكيلي، لي كيت، بين أشياء جمعها خلال سنوات في عملين تركيبين هما «دوماً» و«علاج»، يعكسان مزاجين منفصلين، إضافة إلى عمل ثالث بعنوان «غنّ أياً منها أو كلها»، وهو عمل مؤلف من أربع شاشات تلفزيونية تعرض أفلام فيديو تصدح منها موسيقى غيتار، بينما الوضع كله يذكر بنقاط موسيقى الكاريوكي المنتشرة في هونغ كونغ.

وبخلاف أشرطة الفيديو الوجدانية، فإن فيديوهات الفنان تركز على شيء واحد تقليدي، كما يركز على الغناء إلى جانب قصائد غنائية على شاشة مغلفة بالكرتون وتضج بموسيقى مرتفعة. وتشتمل ممارسة الفنان على التعامل مع مواد يومية مثل القماش أو الكرتون وتحويلها إلى أشياء مرسومة يدوياً، وإن نماذج الألبسة التي رسمها يدوياً، على سبيل المثال، تحاكي الأنسجة المنزلية، مثل أغطية الموائد والمناشف وأغطية الأسرّة.

الأكثر مشاركة