خلال عرض إحدى لوحات الورشة المسرحية. تصوير: تشاندرا بالان

الصمت على خشبة المسرح

الصمت المتعمد والاضاءة الحاضرة والتجرد من الاسراف الحركي، هي عناصر رئيسة خرج بها العرض المسرحي الخاص بنص «أكلة لحوم البشر»، الذي كان من أداء مجموعة شاركت في ورشة الاخراج المسرحي تحت عنوان «نص واحد بثلاثة مناهج إخراجية»، والذي نظمته إدارة المسرح التابعة لدائرة الثقافة والاعلام في الشارقة، أخيراً، في معهد الشارقة للفنون المسرحية، إذ لم تتجاوز مدة العرض نحو 25 دقيقة بإشراف المخرج الفرنسي من أصل مغربي هشام شكيب.

رأي مسرحيين واعدين

أكد مسرحيون واعدون شاركوا في ورشة الاخراج المسرحي بعنوان «نص واحد بثلاثة مناهج اخراجية» التي نظمتها إدارة المسرح في الشارقة، أخيراً، أن هناك مناهج اخراجية ومدارس كانوا يعرفونها نظرياً لكنهم يجهلون التعامل معها، الأمر الذي كشفته الورشة من خلال إتاحة الفرصة للمتدربين للتعامل والعمل مع نص مسرحي وإخراجه بثلاث طرق اخراجية.

وقالت المخرجة والممثلة التونسية فاطمة الطرابلسي إن «العمل بثلاث طرق إخراجية يساعد المخرج على الابداع مستقبلاً أثناء تقديمه عروضاً مسرحية خاصة به، ولأني متأثرة كثيراً بالمسرح العبثي فقد فضلت استخدامه في المشهد المخصص لإخراجه». ولفتت «نحن موهوبون حسياً لذلك جاءت الورشة لتصقل مواهبنا أكاديمياً، ومن خلالها تدربنا على التركيز على المسرح وتقمص الشخصية وإظهار المشاعر وعدم الاسراف في الحركة».

وقال الممثل رامي مجدي إن «الدورة ساعدتي في التركيز على الواقعية والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة في الشخصية وتنمية النواحي الجسدية، خصوصاً لأني أطمح في التمثيل أكثر من الاخراج مستقبلا».

وأكد أن «الورشة تدعو إلى عدم التفكير في المألوف والتجرد من التقليدية في المسرح، والوصول إلى الحداثة، كما ركزت على الاقتصاد في الحركة والتفاعل مع المتفرج والإلمام بالجانب التفكيري والابداعي مع إظهار المشاعر في إطار تقمص الشخصية».

وفجر 30 متدرباً من هواة فن الاخراج والتمثيل المسرحي طاقاتهم الابداعية وطبقوا ما خلصت إليه ورشة الاخراج، والتي تضمنت اساسيات الاخراج معتمدين على نص مسرحي واحد هو «أكلة لحوم البشر» للكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان، والعمل على اخراجه ضمن ثلاث مدارس اخراجية هي الاسلوب الواقعي وطريقة ستانسلافسكي في الاخراج، و«الاسلوب الملحمي» أو طريقة برتولد بريخت، إضافة إلى«الاسلوب العبثي» كما في تجارب صموئيل بكيت، ويوجين يونسكو وهارولد بنتر.

وتجرد الممثلون والمخرجون في العرض الذي تضمن أربعة مشاهد مقتبسة من النص المسرحي من الاسراف الحركي على خشبة المسرح، واعتمدوا على الحركة والفعل المبرر أثناء العرض إذ خلا العرض من الفوضى الحركية للممثلين الذين كانوا في معظم المشاهد واقفين أو يتحركون في الإطار المتاح لهم وفي مساحة ضيقة على الخشبة.

مشاهد عرض

من أقوى المشاهد، ذلك الذي أداه الممثل الشاب رامي مجدي وهو أحد أعضاء فرقة المسرح العربي في الشارقة، إذ خلا المسرح من الديكورات الزائدة والإضاءة المبالغ فيها والمساحة الواسعة والفائضة عن حاجة المشهد، فقد أدى الممثل مشهد شخص يعاني انفصاماً في الشخصية ويشكو الاضطهاد الوهمي، واستطاع بواسطة تقمص الشخصية والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة والنواحي المشاعرية من الوصول إلى عمق تكوين الشخصية.

ولم يستخدم المخرج في ذلك المشهد سوى سلم تمكن بواسطته الممثل من التدرج التصاعدي في الشخصية المنفصلة عن الواقع والتي تعتقد أنها مراقبة من الجميع ومضطهدة كذلك، فكان الممثل يستخدم السلم ودرجاته صعوداً ونزولاً بما يتناسب مع حدة النص وصولاً إلى ذروته، كما اعتمد على بقعة الضوء المسلطة على الممثل فقط، عازلاً بذلك بقية أجزاء المسرح عن المشهد المعروض بالتالي لم يشتت انتباه المتفرج عن الممثل.

وفي مشهد آخر، لا يقل قوة عن الأول، أظهر الممثل العماني قاسم الريامي احترافية عالية في تجسيد المشهد المكلف به، من خلال تفاعليته مع الجمهور، إذ بدأ مشهده من لحظة خروجه من مقاعد المتفرجين، وكانت لفتة جميلة تحسب لمخرج المشهد، واسترسل الممثل في تأدية الدور تصاعدياً وبتلقائية فقام بحلاقة لحيته بواقعية وتفاعل مع الجمهور بأن قال «رغم أني دون لحية إلا أن المخرج طلب مني حلاقتها»، واستخدم الادوات التي يحتاجها فقط دون اسراف واعتمد على السلم الذي استخدم في المشهد السابق وميكروفون يدوي استخدم في أكثر من مشهد.

رؤية مخرج

وحول محصلة العرض النهائي قال مشرف الورشة المخرج هشام شكيب إن «العرض جيد وأظهر استيعابية الممثلين والمخرجين للورشة وتفاصيلها وكيفية بناء الدور المسرحي وتشغيل الفضاء والزمن المسرحي وخلق هندسة واضحة كما اعتمدوا على مسألة البخل في الحركة على خشبة المسرح وعدم القيام بفعل من دون مبرر له».

وقال شكيب لـ«الإمارات اليوم»، إن «العرض اعتمد على البداية في النهاية، واستطاع المتدربون التعامل مع الاكسسوارات والزمن والفضاء والتحكم في الحركة مع تحفيز الخيال وإظهار المشاعر وتجسيد وتقمص الشخصيات، وتمكنوا من التعامل مع الانارة وتوظيفها في الإخراج، وخلق الابداع بواسطتها، مع ضرورة التخلي عن الأنماط التقليدية القديمة».

وتابع أن «المشاهد اعتمدت على الصمت الذي يغني عن الحوار وبقعة الضوء التي ترسم المشهد وتشد انتباه المتفرج، والتفاعلية مع الجمهور واظهار التقمص والتعايش الواضح مع الشخصية، إذ إن المهم في كل عمل هو الاعتماد على البدايات الصحيحة والسليمة».

وأكد شكيب أنه «لا توجد أدوار كبيرة وأخرى صغيرة إنما هناك ممثلون كبار وآخرون صغار، واستطاع جميع المتدربين اظهار قدراتهم في جميع مجالات المسرح ســـواء بالتمثيل او الإخراج، إلا أنه برز في الورشة وخلال تنفيذ العرض بعض المواهب التي تحتاج إلى تنمية واحتواء وتركيز اكبر، منها رامي مجدي وقاسم الريامي ونور نـــواف يونس».

الأكثر مشاركة