أبوظبي حققت السبق في افتتاح الاحتفالات بمئوية نجيب محفوظ. الإمارات اليوم

«محفوظ والسـينما»..بداية باهتة لمئوية «صاحــب نوبل»

حققت أبوظبي السبق في افتتاح الاحتفالات بمئوية الأديب المصري الحائز على جائزة نوبل، نجيب محفوظ، بعدما تم إلغاء معرض القاهرة الدولي للكتاب، الذي كان من المقرر ان يشهد اطلاق الاحتفالات بالمئوية، اثر اندلاع ثورة 25 يناير، لتأتي الشرارة الاولى من معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

العنوان المبهر «محفوظ والسينما.. تحية تقدير لأعظم كاتب مصري»، كان كافياً لأن يعد الجمهور الذي تجمع لحضور الندوة التي استضافها منبر الحوار بالمعرض، أول من أمس، خصوصاً أن علاقة محفوظ بالسينما والاعمال التي قدمت على الشاشة الفضية، تعد من المجالات الخصبة لتناولها عند الحديث عن صاحب نوبل العربي. لكن للأسف جاءت الندوة أقل بكثير من توقعات غالبية الحضور، كما كانت الفعاليات المرتبطة بالحدث متباينة المستوى. وربما كان الاكثر حماسا وتجاوبا، مقدم الأمسية مدير مهرجان ابوظبي السينمائي الدولي، بيتر سكارليت، بينما افتقرت مداخلات المشاركين إلى التركيز والمنهجية، وغابت عنها محاور عدة مهمة، لتقتصر على مداخلات وتعليقات متقطعة ومتداخلة حول المشاهد التي تم عرضها خلال الامسية من أفلام مأخوذة عن روايات محفوظ مثل «اللص والكلاب» و«ثرثرة فوق النيل»، وحتى عرض هذه اللقطات شهد بعض الارتباك والمشكلات التقنية.

أمسية اليوم

فعالية ثالثة يقدمها معرض أبوظبي الدولي للكتاب هذا العام عن نجيب محفوظ، يستضيفها منبر الحوار في الخامسة من مساء اليوم تحت عنوان «مناقشة الأعمال المصرية الكبرى التي نالت جائزة نوبل للأدب». ومن المقرر ان يتحدث فيها كل من مدير مشروع «كلمة»، مدير مجلس إدارة مركز جامع الشيخ زايد الدكتور علي بن تميم، واستاذ الادب العربي في جامعة عين شمس الدكتور صلاح فضل، ومدير الهيئة التدريسية في معهد جامعة نيويورك في أبوظبي فيليب كينيدي.

أجمع المشاركون في الأمسية، وهم ثلاثة من صناع الأفلام، آنا ماري جاسر وآنا سولير-بونت وفيليب كينيدي، على ان «نجيب محفوظ في ما قدم من روايات كان عابراً للقارات»، فهو الكاتب المصري الوحيد الذي تم تقديم أفلام عن رواياته بلغات أخرى، حيث قدمت روايتان من رواياته في فيلمين بالاسبانية، كما تحولت روايته «بداية ونهاية» إلى فيلم مكسيكي قامت ببطولته الفنانة الشهيرة سلمى حايك، وعرضت لقطات منه في الأمسية.

ديكنز العرب

قالت آنا ماري جاسر إن «عظمة محفوظ تمثلت في اهتمامه بالتفاصيل التي جعلت من أعماله عالمية». وأشارت آنا سولير الى ان محفوظ كان يكتب وعينه على السينما، كما كان عصرياً ومتطوراً مقارنة بأقرانه في ذاك الوقت، بحيث يمكن إعادة تقديم رواياته سينمائياً في الوقت الحاضر.

بينما شبه فيليب كينيدي الروائي محفوظ بـ«بلزاك» و«تشارلز ديكنز» العرب. وقال إنه «كان يمتلك من الطاقة والعبقرية ما مكنه ليستمر في الكتابة فترة طويلة امتدت لما يقرب من 75 عاماً، قدم خلالها ما يقرب من 35 رواية، وعدداً من القصص القصيرة، و60 فيلما سينمائيا». واعتبر ان أفضل الأفلام التي قدمتها السينما كانت مأخودة عن الروايات التي ألفها محفوظ في فترة الأربعينات والخمسينات، بعدما تخلى عن الكتابة التاريخية ليقدم أعمالا عن الواقع والحياة الاجتماعية في القاهرة، مثل «القاهرة 30» و«بداية ونهاية» الثلاثية الشهيرة التي يصعب تقديمها في فيلم واحد مهما بلغ طول فترة عرضه، و«السراب» الذي يعتبر من النصوص الاوديبية، وهو من الأعمال التجريبية التي قدمها محفوظ مبكراً، ليقدم بعد ذلك عدداً من الاعمال التجريبية الأخرى في فترة لاحقة، من بينها «ثرثرة فوق النيل»، و«السمان والخريف».

«صالون الملتقى»

مخطوطات لمحفوظ

كشف رئيس اتحاد الكتاب العرب، محمد سلماوي، خلال ندوة في «صالون الملتقى» عن وجود مخطوطات للروائي نجيب محفوظ، لم تنشر بعد. وقال «لدى أسرة نجيب محفوظ عدد من الاعمال التي لم تنشر بعد، ولكنها لم تقرر حتى الآن موعد الافراج عنها وطباعتها للقراء»، مشيراً إلى ان لديه مجموعة من التسجيلات الصوتية لمحفوظ يروي فيها بعضاً من القصص التي كان يؤلفها في الفترة الأخيرة من حياته، بعدما أفقده المرض القدرة على الكتابة بيده، وكان يستمد هذه القصص من الأحلام التي تراوده خلال نومه، فيعمل على تطويرها وتحويلها إلى قصص قصيرة أو «أقصوصات»، نشرت وقتها في صحيفة «الاهرام» المصرية تحت عنوان «أحلام فترة النقاهة»، وهي تذكر بالشاعر «هايكو» الياباني بما تتضمنه من معان مشعة وتكثيف قوي، وحملت بعضها مشاعر من يودع العالم ويقدم للناس خلاصة الحكمة التي استمدها من الحياة. ولفت إلى الروائي باولو كويلو عندما زار مصر لأول مرة، طلب مقابلة محفوظ، وبمجرد أن رآه انحنى على يده وقبلها.

في المقابل، شهد معرض أبوظبي للكتاب ندوة أخرى، بعنوان «مئوية نجيب محفوظ» نظمها «صالون الملتقى» الخميس الماضي، تميزت بالثراء، وطرحت العديد من النقاط المهمة حول محفوظ ومسيرته الإبداعية، بما يجعلها افتتاحية جيدة لاحتفالات المئوية، ولكن طبيعة «صالون الملتقى»، الذي يقتصر على السيدات، حرمت جمهور المعرض العريض من متابعة الندوة والاستفادة منها. ولعل من أهم أسباب تميز ندوة «الملتقى»، اختيار المتحدثين فيها، وهم الناقد الدكتور صلاح فضل، والكاتب محمد سلماوي الذي كان من بين الأصدقاء المقربين لمحفوظ، وهو الذي تسلم جائزة نوبل نيابة عنه، والروائي الجزائري واسيني الأعرج.

ورفض سلماوي اتهامات من سماهم «اليساريين السذج والمراهقين السياسيين» لمحفوظ بانه لم يكن مناضلاً أو ثورياً. وقال ان «هؤلاء يتحدثون وكأن النضال هو فقط حمل اللافتات والتظاهر بها في الشوارع وترديد الهتافات، بينما في الحقيقة أن كلمة واحدة تكتب وتؤثر في المجتمع أهم بكثير من كل هذا»، مثل رواية «ميرامار»، التي أصدر بسببها المشير عبدالحكيم عامر في ذاك الوقت أمراً باعتقال محفوظ، لكن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رفض هذا القرار، وأمر بإعادة القوة العسكرية دون أن تمس الكاتب أو تتعرض له، وعندما علم محفوظ بالأمر جاء رده من خلال رواية أخرى أكثر نقداً وهي «ثرثرة فوق النيل».

السينما والسياسة

مواقف محفوظ السياسية كانت من المحاور المهمة التي طرحها د. فضل في حديثه، مشيراً إلى الموقف الذي اتخذته بعض الدول العربية بمقاطعة نجيب محفوظ، إثر نشره مقالا يؤيد فيه اتفاقية كامب ديفيد. وأوضح ان رؤية محفوظ السياسية الحقيقية لم ترد في المقال، ولكن في الرواية التي أصدرها عقب ذلك بعنوان «يوم قتل الزعيم»، التي يفصح عنوانها عن موقف سياسي، «فالزعماء لا يقتلون لأنهم يعبرون عن آمال شعوبهم، ويحملون طموحاتهم، والزعيم الذي يقتل، صاحب زعامة كاذبة، وهكذا فعل السادات عندما حاول تبرير الارتماء بين أحضان الاعداء، وارتكب جريمة لا يغفرها التاريج بمحاولة الاستئثار بمصر والسيطرة عليها بعيدا عن امتدادها العربي، الذي تستمد أهميتها من احتضانها له»، بحسب ما أشار فضل.

وأكد فضل أن السينما كان لها دور مهم في وصول أعمال محفوظ إلى شريحة واسعة من الجمهور العربي، الذي يعاني من نسبة أمية كبيرة، ولكن هناك إشكالية كبيرة في العلاقة بين محفوظ والسينما، اساسها ان معظم الروايات التي تحولت إلى أفلام لم تأخذ من جوهر الرواية إلا بنسبة ضئيلة فقط، لافتا إلى اتجاه السينما للاستفادة من الادب الروائي في ما تقدمه من أعمال في ذاك الوقت اسهم كثيراً في تقديم أعمال بارزة، بينما أدى التباعد الحالي بين السينما والأدب إلى ما تعاني منه من سحطية وتراجع.

وقال ان نجيب محفوظ شعر عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952 في مصر، بأن الواقع تجاوز أحلامه، فأصيب بلحظة صمت امتدت سبع سنوات فكانت هي الأطول في مشواره.

تأصيل الرواية

من ناحيته، تحدث الروائي الجزائري واسيني الاعرج عن أثر أعمال محفوظ في الكتابة المغاربية، التي كانت تعتمد حتى الستينات وقبل انتشار أعمال محفوظ ووصولها إلى المغرب العربي على اللغة الفرنسية، أو لغة عربية تقليدية بلاغية مثقلة بالزوائد متخذة من لغة الكاتب مصطفى المنفلوطي نموذجا لها. لتأتي روايات محفوظ وتحول اللغة العربية إلى لغة سهلة قادرة على التعبير عن الحياة اليومية للناس والمجتمع.

وقال الاعرج إن «محفوظ هو الروائي الوحيد الذي أصّل فن الرواية العربية، كما تميزت أعماله بتماس واضح مع الرواية العالمية وتطوراتها».

الأكثر مشاركة