رحـلة في تاريخ الإمارات
كنوز من التاريخ القديم، تعود إلى آلاف السنين، تقف لتشهد على عمق التاريخ القديم في الإمارات، وان حضارة المنطقة جزء لا يتجزأ من تاريخ العالم، هذه الكنوز جمعها «معرض التراث الحضاري لدولة الإمارات العربية المتحدة»، الذي ينظمه نادي تراث الإمارات في مركز زايد للدراسات والبحوث بأبوظبي، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، بالتعاون والتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة بأبوظبي والمكتب الإقليمي لليونسكو بدولة قطر ومشاركات رسمية من متاحف الدولة في أبوظبي ودبي والشارقة والفجيرة وأم القيوين وعجمان.
يضم المعرض الذي افتتحه الشيخ الدكتور هزاع بن سلطان بن زايد آل نهيان بحضور الشيخ خالد بن سلطان بن زايد آل نهيان، ويستمر لمدة ثلاثة شهور، مجموعة كبيرة من المكتشفات الأثرية التي تم العثور عليها في المناطق الأثرية المختلفة في الدولة، وتمثل عصورا مختلفة تبدأ من العصر الحجري القديم وحتى الفترة الإسلامية. وهو ما يجعل أهمية المعرض لا تتوقف على كونه فرصة لعرض وسرد شتى أشكال وأنواع الحضارات والثقافات المتعاقبة في المنطقة، ولكنه مناسبة لوضع تصور واضح حول مدى الانجاز الوطني الكبير في حفظ تاريخ الدولة وجهود قيادة الدولة في هذا المجال.
زيارة واحدة ليست كافية لتفحص ما يتضمنه معرض «التراث الحضاري لدولة الإمارات» واستيعابه جيداً، فهو يعكس بوضوح حرص القائمين عليه على ان شموليته وتنوع مكوناته بما يعبر عن حضارة أمة وشعب.
مدافن أثرية
لا تتوقف أهمية المعرض على ما يتصف به من تعدد وشمولية، فما يضمه من معروضات يتمتع بأهمية كبيرة، فلابد لزائر المعرض ان يتوقف طويلا أمام هيكل عظمي كامل يبدو انه قد دفن في وضع اقرب إلى الوضع الجنيني، وهو واحد من العديد من الهياكل العظمية التي كشفت عنها الحفريات والتنقيبات الأثرية في مختلف أنحاء الإمارات، من أبرزها المدافن التي تعود إلى الفترة الزمنية التي اصطلح الأثريون على تسميتها بحضارة «أم النار»، وتعتبر القبور الجماعية الفخمة المبنية بطريقة فنية من الحجارة المنحوتة، أحد ابرز المعالم التي ميزت حضارة أم النار، والتي غلب عليها الشكل الدائري مع اختلاف عدد غرفه، ونوع الأحجار المصنوع منها المدفن، وقد ضم المعرض نموذجا لمدفن دائري الشكل وهو من المعروضات موضع اهتمام زوار المعرض، كما يعد مدفن هيلي الكبير الكائن وسط حديقة آثار هيلي ويبلغ قطره نحو 12 مترا ويصل ارتفاعه إلى أربعة أمتار أو أكثر وبه مدخلين مزينين ببعض النقوش، من اهم المدافن التي تم العثور عليها في الامارات، حيث تعد هذه المدافن مصدرا للكثير من المقتنيات التي تم العثور عليها مثل المدفن الذي لا يبعد إلا بضعة أمتار عن مدفن هيلي والذي بني تحت سطح الأرض، الذي عثر بداخله على عدد كبير من المكتشفات الأثرية، مثل الأواني الفخارية والحجرية وأدوات الزينة يعود تاريخها إلى نهاية الألف الثالث قبل الميلاد. وتبين من خلال بقايا الهياكل العظمية التي تم التنقيب عنها بأن لـ600 شخص بالغين من الذكور والإناث، وكذلك الأطفال، كانوا قد قبروا في هذا المدفن خلال فترة من الزمن تصل إلى القرن أو أكثر.
رماح
ومن خلال المعروضات التي ضمها معرض «التراث الحضاري لدولة الامارات»، يمكن للزائر التعرف إلى ملامح من الحياة التي شهدتها المنطقة في كل عصر، فمن العصر الحجري القديم الأوسط، والعصر الحجري الحديث، وحيث كان المناخ أكثر ملاءمة للاستيطان، ضم المعرض أدوات حجرية مصنوعة بإتقان من الصوان مثل رؤوس السهام والمقاشط والشظايا وأنصال السكاكين والمثاقب، وكذلك أنواع متعددة من الخرز وأدوات الزينة الأخرى، وهو ما يشير إلى وجود مستوطنات سكانية مارس فيها الإنسان حياة الاستقرار والبداوة في آن واحد. وتطلبت حياة البداوة البحث عن الغذاء اللازم وممارسة الصيد وجمع النباتات وغيرها من ضرورات الحياة، أما حياة الاستقرار فقد تمت على السواحل وفي الجزر وفي بعض المناطق الداخلية التي فيها مورست مهنة الرعي والزراعة المحدودة، كما توضح الدراسات الأثرية.
بينما تميزت فترة «وادي وسق» التي أعقبت حضارة أم النار، باكتشاف عدد كبير من المدافن لم تعرف من قبل. وشكلت الأواني المصنوعة من الحجر الصابوني (كلورايت) وأواني الفخار، التي عثر عليها في قبور مسلوبة في وادي سوق من ابرز مقتنيات هذه الفترة، إلى جانب المكتشفات المميزة التي عثر عليها في مدفن قطارة، وهي قلائد مصنوعة من الألكتروم (مزيج من الذهب والفضة) على هيئة ماعز أو غزلان وقد استعملت حلياً للزينة، وتم اكتشاف ما يماثلها لاحقا في مدفن البدية الطويل (الفجيرة) وفي شمل وضايه (رأس الخيمة).
عصور
وشملت المعروضات مقتنيات من العصر الحديدي، الذي يعود إليه معبد البثنة الكائن في إمارة الفجيرة، وتبين للمنقبين أهميته الكبيرة كمركز ديني استناداً إلى الأعداد الكبيرة لمباخر حرق البخور ورسوم الثعابين والتي تعد ثاني أكبر مجموعة مكتشفة بعد الموقع المسمى تل الثعابين في منطقة القصيص والذي ضم مبنى صغيراً تم فيه اكتشاف عدد كبير من الثعابين المصنوعة من البرونز، إضافة إلى أوان وقطع مهشمة من فخاريات تزينها رسوم الأفاعي الناتئة، ونتيجة لهذا الاكتشاف أطلق على هذا الموقع تل الثعابين. هناك كذلك، معروضات من العصر الهلنستي الذي شهد امتزاج الحضارة اليونانية الغربية بالحضارة العربية في ظل فتوحات الاسكندر الأكبر للشرق القديم.
كما كان للعصر الإسلامي وجوده في المعرض، خصوصاً انه اشتهر بالمصنوعات الفخارية الرائعة والمتقنة التي تعود إلى فتراته المختلفة، حيث تم اكتشاف مجموعتين من الفخار نسبت إلى نهاية العصر الأموي وبـــداية العصر العـــباسي في موقع فلج الأثري في مدينة العــين، كما تم اكتشاف كسر فخارية قليلة أثناء التنــقيب في المسجد تعود إلى صدر الإسلام أثناء التنقيب في مسجد اثري في العين أيضاً.