«603».. أحلام الأسير الفلسطيني بلا شعارات

تناولت الفنانة الفلسطينية الشابة منال عوض قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية تتحدث فيها عنهم كبشر، بعيدا عن البطولات، لتكون أول تجربة إخراجية لها. وقالت عوض بعد تقديم أول عرض لمسرحيتها «603» الليلة قبل الماضية على خشبة مسرح وسينماتك القصبة في رام الله «المسرحية تحكي للناس قصة الأسير الإنسان، عواطفه وأحلامه، بعيدا عن الشعارات والبطولات، تروي قصة الانتظار والأمل بالخروج وتحطم الأمل».

وتتناول المسرحية التي يقدمها أربعة ممثلين حياة أربعة أسرى، كل له روايته ومدة حكمه، كما ينتظر عدد منهم أن يخرج من السجن ضمن صفقة التبادل بين إسرائيل وقوى المقاومة الفلسطينية التي تحتجز منذ أكثر من عامين الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت.

واختارت المخرجة أن يكون تصميم خشبة المسرح غير تقليدي، حيث ظهرت براميل من الحديد قسمت إلى نصفين كان غطاؤها يحمل رقم السجين الذي ينام فيه، وإلى جانبها جدار مرتفع من البراميل الحديدية.

وتبدأ المسرحية مع ورود معلومات للمعتقلين عن الاتفاق على صفقة التبادل، ليبدأ ثلاثة منهم صادرة ضدهم أحكام بالسجن لسنوات بالاستعداد للخروج، فيما الرابع الصادر ضده حكم بالسجن المؤبد لمدة 25 عاما لا يعتقد أن اسمه سيكون ضمن القائمة، وليكتشفوا في كل مرة يسمعون فيها صوت الحافلات أنها أتت لسبب آخر غير نقلهم إلى خارج السجن. ويمزج الممثلون الأربعة بين الكوميديا والتراجيديا في عرض يستمر 60 دقيقة، يتم فيه الخروج عن المألوف الذي عادة ما يكون فيه المعتقل بطلا خارج السجن وداخله.

وقالت المخرجة عوض «نعم، أردنا كسر الصورة النمطية، ونكسر المحظور ونتحدث عن المعتقلين كبشر، وليس كأرقام، لهم أحلامهم الفردية وطموحاتهم.. لديهم قصص حب وحياة يطمحون إلى الخروج اليها، ولكن من دون إغفال مرارة السجن».

ويرى كاتب النص المسرحي عماد فراجين صاحب التجربة الاعتقالية القصيرة في السجون الإسرائيلية، والذي أدى دور (العربيد)، السجين الصادر ضده حكم بالسجن لمدة 25 عاما أن الشخصيات الأربع في السجن هي نماذج لـ11 ألف سجين يجرى الحديث عنهم كرقم مقابل أسير إسرائيلي واحد. وأضاف «قصص المعتقلين التي تعرض خيالية، لكنها قد تكون قصة أي واحد من المعتقلين».

وتقدم المسرحية قصة المعتقل «أبو ناموسة» الذي مضى على اعتقاله تسع سنوات، كان قد تزوج قبلها من كندية أنجبت منه طفلة (سما) لم يرها، إذ أخذتها والدتها ولا يعرف إلى أين. واختار أن يربي ناموسة في علبة من الكبريت يعلقها قلادة على صدره، يهتم بها ويجبر المعتقلين على السماح لها بأن تمص من دمائهم، حتى تبقى على قيد الحياة. وتبدو أحلام المعتقل «أبو كرتونة» ـ النادم على إلقاء زجاجة تحتوي على مادة حارقة يوما ما ـ بسيطة، وتتمثل في العودة إلى غزة التي اعتقل منها، والزواج من الإنسانة التي أحبها والتي يرسم وجهها على واجهة البرميل الذي ينام فيه، وأن ينجب منها 20 طفلا، كما يحلم بمحبوته غزل وهي تركب إلى جانبه على جرار زراعي.

وقال الممثل محمد الطيطي الذي أدى دور «أبو كرتونة» «مثلت دور معتقل من غزة في العشرينات من العمر، الحالم بالإفراج دائما، ولكن، عندما تأتي ساعة الإفراج يعرف أن محبوبته غزل ماتت في الحرب الأخيرة على غزة». وفي حوار تراجيدي له مع العربيد، ينقل فيه جزءا من واقع المعتقلين الفلسطينيين الصادرة ضدهم أحكام بالسجن لفترات طويلة جدا، يقول «أنت لن تخرج من هنا أبدا، حتى عندما تموت سيأخذونك إلى مقبرة الأرقام لتكمل محكوميتك.. ستكون رقما حتى وأنت ميت».

وتختلف حكاية المعتقل أبو ريحان الذي كان يعمل مدرسا عن الجميع، فقد أصبح يصاب بنوبات عصبية «جراء التعذيب الذي تعرض له». ويواصل أبو ريحان كتابة مذكراته في السجن، وفيها الكثير من خياله الواسع الذي يقدم نفسه فيه شخصا قويا، يحترمه الجميع ويهابه، بما في ذلك إدارة السجن.

وقال القاص زياد خداش بعد حضوره العرض المسرحي «هذا نوع جديد من العمل المسرحي يقدم إنسانيتنا.. وكبشر يمارسون الخوف، ويحلمون بعيدا عنالبطولة والشعارات». وأضاف «الاحتفاء بالفرد وأحلامه الخاصة إشارة حضارية في فنون الشعوب، الأمر الذي كان غائبا في فنونا وأدائنا على مدار صراعنا الطويل مع المحتلين، من دون أن يعني ذلك التقليل من الهم الوطني الجماعي، فالخلاص الفردي يعزز الخلاص الجماعي». ويرى خداش دخول مخرجة فلسطينية شابة إلى القطاع المسرحي الفلسطيني إسهاما جديدا في إنعاش الحياة المسرحية الفلسطينية على الرغم من إشارته إلى أن المسرحية قد تكون بحاجة إلى تطوير أكثر في مجال الإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقى.

وتنتهي المسرحية التي أضحكت الجمهور كثيرا ببث الأمل لدى المعتقلين الفلسطينيين، إذ يكون المشهد الختامي بخروج المعتقل العربيد.

وقالت منال عوض «هذه رسالة أمل شخصية، إن الحرية قادمة». وتأمل عوض التي شاركت ممثلة أخيرا في مسرحية «غزة رام الله» التي وجهت انتقادات حادة للفلسطينيين بسبب الانقسام في الضفة الغربية وقطاع غزة، أن تواصل تقديم عروض مسرحية «603» في الأراضي الفلسطينية وخارجها.

«603» اشارة الى رقم قسم في معتقل.

الأكثر مشاركة