أوليفر ستون شرح شخصية الرئيس الأميركي. تصوير: ساتيش كومار

«دبليـو».. حلم يتنكّر بهيئة كابوس

الحلم الأميركي ملك كل مواطن أميركي، حلم له أن يتنكر بهيئة كابوس، يعيش تحت مظلته الطموح الممتلك دائماً لمشروعيته وقدرته الخارقة على أن يعبّد الطريق أمام رجل مثل جورج دبليو بوش، ليمضي في طريقه إلى البيت الأبيض.

ملمح ممّا تقدم يلقي بظله على فيلم المخرج الأميركي أوليفر ستون «دبليو» الذي افتتح به مهرجان دبي السينمائي دورته الخامسة، بحيث جاء سيرة ذاتية لهذا الرئيس الذي امتلك كما هائلا من اللعنات، مع اصراره على مقاربتها، بوصفها شكلا من أشكال المباركة، متسلحاً بالسذاجة التي كانت نقطة ارتكاز الفيلم الرئيسة في تقديمه لشخصية بوش (جوش برولين)، والتي لها أن تكون بشكل أو آخر صك براءة أيضاً، لما حمله هذا الرئيس من كوارث للإنسانية، ما دمنا في النهاية سنقع على تبني الفيلم لحقيقة مفادها أن الإدارة الأميركية المحيطة به، هي من كان يدير كل شيء، وتحديداً الحرب على العراق، وأن بوش كان فاقداً تماماً لصنع القرار، لا بل إنه لا يحتكم على أدنى قدر من القيادة، بحيث إننا سنراه يعاني من خديعة من حوله، مثلما هو الأمر مع قضية الأسلحة البيولوجية أو النووية التي لم يعثر على أدنى أثر لها في العراق.

يتحرك فيلم ستون في زمنين، الأول أثناء فترة بوش الرئاسية، وتحديداً بعد أحداث 11 من سبتمبر، أي قبل حرب العراق، ويمضي في هذا الخط وصولاً إلى غزوه؛ وفي مسار مواز يعود بـ «فلاش باك» متقطع إلى شبابه، وبالتالي إضاءة شخصيته في زمن تكونها في المدرسة، وصولاً إلى فوزه في انتخابات ولاية تكساس، فهو الابن الثري الفاشل، الكحولي، ومن ثم المخيّب لكل آمال والده الذي سيكون دائماً عقدة حياته الأساسية، وعلى صراع دائم معه، وعلى مستويات عدة نفسية وعائلية وسياسية.

مكوّنات شخصية بوش وفق الفيلم، والتي ستتحول إلى دوافع بوش في سياساته ترتكز على سذاجة فكرية متأصلة، مترافقة مع مركب نقص تجاه والده وأخيه، وبكلمات أخرى علاقته المرضية مع والده الذي لم ينجح، حسب رأيه، بالقضاء على صدام حسين، والذي حاول اغتيال والده، كما يورد، أثناء حرب الخليج الأولى، وعليه يمكن لسياسته أن تكون ثأرية، مفخخة تماماً باستكمال ما عجز والده عن تحقيقه، مضافاً إلى ذلك نزعة دينية تقسم العالم إلى أشرار وأخيار، «من ليس معنا فهو مع الإرهابيين»، العالم أبيض وأسود، وثنائيات مفرطة السذاجة تضاء في أكثر من زاوية.

الحلم الذي بدأنا به، أو الكابوس يمتلك كل ما سيسعى من خلاله فيلم «دبليو» إلى بناء تعاطف مع بوش، رغم كل ما اقترفه، هذا ما سيصلنا، إنه مضطرب وعاجز، وكل تلك الدماء التي أريقت في العراق ما كان له أن يفكر فيها أمام هول مآزقه الشخصية، ضعفه، تلعثمه، آرائه المتخبطة والجاهلة، خيانة كل شيء له، لا لشيء إلا لأنها في المكان الخطأ تماماً، إنه لاعب «بيسبول» على الأكثر، لاعب فاشل أيضاً، وبما أنه صار رئيساً للولايات المتحدة، فإنه في النهاية سيضيع الكرة، لن يتمكن من التقاطها، فمع غزوه العراق سينتهي الفيلم إلى أنه أضاع حتى الكرة التي كان أثناء الفيلم قادراً على التقاطها. فيلم «دبليو» لا يشبه «نيكسون» ولا «جي إف كي» فيلمي ستون عن هذين الرئيسين، الرئيس هنا معضلة أخرى لا مثيل لها، وحالة تاريخية هزلية ومأساوية في آن معاً، إنه تشريح لشخصية الرئيس الأميركي وهو في طريقه مغادراً البيت الأبيض الآن، تشريح متقشف من خلف الأبواب.. أغلب مشاهد الفيلم في البيوت والمكاتب، وربما الشيء المشرق الوحيد في حياته، هو زوجته لورا (اليزابيث بانكس)، وما تبقى متروك لتخبطه في الغباء في أعلى تجلياته، إنه فصل مهم من كتاب له أن يكون عنوانه «التاريخ العجيب والغريب للغباء الإنساني»، أو شيء مثل «كيف لهذا الغباء أن يقود العالم؟ إلى أين مضى به؟» الإجابة تكمن في الكارثة وعلى شيء من البداهة، والخطيئة الكبرى تكمن في بناء التعاطف مع الأغبياء وهم يحكمون العالم، تحت مخالب من حولهم الذين كانوا يقررون كل شيء في حالة بوش.. إياكم والتعاطف كما يجنح الفيلم في النهاية.

الأكثر مشاركة