«باص السينما».. حلم بالألوان تحقق لأطفال غزة

على عجالة أحضرت الطفلة أسيل بشارات «الفشار»، لتحجز موعداً مع حدث يعد الأول من نوعه بالنسبة لها ولأطفال غزة المحاصرين، وهي مشاهدة أفلام الرسوم المتحركة العالمية عبر شاشة سينما.
اتجهت الطفلة أسيل البالغة من العمر ثمانية أعوام للصعود إلى الحافلة ذات الشكل الفريد، والألوان الزاهية الجذابة، لتجلس وهي ممسكة بيدها عبوة «الفشار» على أحد المقاعد الـ63 داخل «باص السينما»، الذي كان متواجداً داخل مدرسة البسمة الحديثة في حي تل الهوى في الجنوب الغربي لمدينة غزة.
وحظيت الطفلة بشارات بفرصة مشاهدة أفلامها المفضلة عبر شاشة باص السينما، أثناء جولاته اليومية بين شوارع قطاع غزة، ومناطقها المختلفة، وذلك لمشاهدة أفلام الرسوم المتحركة، برفقة مجموعة من الصغار، لتقضي أوقاتاً ممتعة، في تجربة شيقة ونادرة.
التجربة التي قضتها الطفلة أسيل يعيشها يومياً مئات الأطفال في قطاع غزة، وذلك بفضل مشروع ومبادرة «باص السينما»، الذي أطلقته «جمعية إنقاذ المستقبل الشبابي» المحلية، للترفيه عن أطفال القطاع، والتخفيف من حدة الأزمات النفسية التي لازمتهم نتيجة استمرار الحروب، وذلك عبر أسلوب جديد لم يعهده صغار غزة، وهو بث ثقافة السينما في ما بينهم.

حلم يتحقق
داخل مقاعد «باص السينما»، الذي كان يعرض لمجموعة من الأطفال في ساحة مدرسة البسمة الحديثة في حي تل الهوى، كانت حالة من الاندماج التام بين الأطفال والأفلام المعروضة، فيما ارتسمت على وجوههم معالم البهجة والسرور، لإدخال شاشة سينما متنقلة داخل غزة المحاصرة.
وكان الطفل إسلام أبوشاويش البالغ من العمر ثمانية أعوام يتناول الفشار، بينما يتابع بكل حواسه برفقة مجموعة من طلبة مدرسة البسمة الحديثة فيلم الرسوم المتحركة «زوتوبيا».
ويقول الطفل إسلام: «أعيش تجربة جميلة تمنيتها خلال مشاهدة الأطفال عبر شاشات التلفاز يترددون على دور السينما، لمشاهدة أفلامهم المفضلة».
ويتابع: «اليوم تحقق حلمي وجلست أمام شاشة سينما، وشاهدت مجموعة من أفلام الرسوم المتحركة، أهمها فيلم الوحوش اللطفاء (زوتوبيا)، وأتمنى أن يعرض باص السينما بشكل دائم الأفلام العالمية التي يفضلها الأطفال».
وبعد انتهاء العروض التي شاهدها الطفل أبوشاويش، عبر شاشة السينما الكبيرة، صعدت الطفلة لانا دعيس البالغة من العمر 12 عاماً، برفقة زميلاتها في المدرسة عبر مدرجات باص السينما، لمشاهدة فيلم الرسوم المتحركة الثور الضخم «فرديناند».
وعبرت الطفلة لانا عن سعادتها الكبيرة، لمشاهدتها عروض الرسوم المتحركة، والأفلام الوثائقية عبر شاشة السينما، وهي تقول، عقب انتهاء العرض الأول من فيلم «فرديناند»: «شعرت بأنني أجلس في دور السينما التي لم نرها قبل ذلك، وكنا نشاهد صورها في التلفزيون، حيث جلست بجانب زميلاتي نتناول الفشار، ونشاهد فيلم الثور الضخم بمنتهى الاندماج والاستمتاع، لقد كانت تجربة جميلة وغريبة بالنسبة لنا نحن أطفال غزة المحاصرين».

جولات سينمائية
باص السينما يعرض يومياً عبر شاشاته الداخلية والخارجية، مجموعة منتقاة من الأفلام المتنوعة، الهادفة إلى نشر قيم التسامح واللاعنف، بعد موجة قتل وتدمير عاشوا تفاصيلها على مدار 11 يوماً متواصلة، خلال الحرب الأخيرة على القطاع، منتصف شهر مايو الماضي، وذلك بحسب منسق مشروع باص السينما محمود الهرباوي.
ويقول الهرباوي: «نظراً للحالة المأساوية التي يواجهها أطفال غزة، ولعدم وجود دور سينما في القطاع، قررنا الانطلاق بفكرة (باص السينما)، الممول من الاتحاد الأوروبي».
ويضيف أن «(باص السينما) هو جسم متحرك، نصل من خلاله إلى قلب مخيمات اللاجئين، والمدارس، ورياض الأطفال، والأندية، وكذلك إلى المناطق النائية الحدودية، والمهمشة، لنثر أجواء البهجة والسرور بين الصغار في كل مكان».
ويبين منسق مشروع باص السينما، أن حافلة السينما قدمت العروض السينمائية المناسبة لأعمار الأطفال، لقرابة 28 ألف طفل، من خلال المشاركة في مبادرات وأيام ترفيهية، في جميع مناطق قطاع غزة من جنوبه إلى شماله.
ويشير إلى أن باص السينما يهدف لعرض أفلام سينمائية في ظل عدم وجود سينما متحركة أو ثابتة في قطاع غزة، مؤكداً أن الأفلام المعروضة تهدف إلى نبذ العنف وتعزيز قيم التسامح والمحبة والقيم الأخلاقية لدى مختلف الشرائح خاصة الأطفال.


شاشتان لـ 500 طفل
قال منسق مشروع باص السينما محمود الهرباوي إن «باص السينما» مزود بشاشة عرض داخلية، وأخرى خارجية، حيث يتسع العرض الداخلي لـ60 مشاهداً من الأطفال، إلى جانب ثلاثة مقاعد مخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، كما أن الباص يحتوي على مدرجات خاصة لصعود أصحاب الهمم.
ويواصل الهرباوي قائلاً إن العرض الخارجي لباص السينما هو عبارة عن شاشة عرض خارجية، تأخذ أكثر من مستوى في العرض، بمعنى أن يكون الحضور أوسع بمساحة تكفي لـ500 شخص خارج الحافلة.
ويلفت إلى أن باص السينما مزود بالواح الطاقة الشمسية حتى يتمكن الأطفال من مشاهدة عروض الأفلام دون الحاجة لتيار كهربائي في ظل أزمة الكهرباء.


. الطفلة لانا دعيس: «شعرت بأنني أجلس في دور السينما التي لم نرها قبل ذلك، وكنا نشاهد صورها في التلفزيون».

الأكثر مشاركة