«دماء وأموال».. استغلال جمال الطبيعة يقتل عنصر الإثارة

فيلم Blood And Money، «دماء وأموال» ليس أول فيلم تدور أحداثه في الثلوج، فقد سبقه Fargo وInsomnia، وليس أول فيلم يستغل بيئته كأداة قصة في السيناريو، فقد سبقه الثاني، لكنه حتماً أول فيلم نرى فيه البطل يحرق دولارات لتدفئة نفسه، وبالتأكيد فيلم درجة ثانية مليء بـ«الكليشيهات» ينتهي بشكل غير تقليدي.

جيم رييد (توم بيرنجر) جندي متقاعد تشتتت عائلته منذ زمن بعيد، نتيجة مقتل ابنته في حادث سيارة بسبب إفراطه في الشرب. دخل رييد دورة علاجية مع مجموعة دعم، وانعزل في شاحنة صغيرة في غابة ألاغاش بولاية مين في أقصى شمال شرق الولايات المتحدة.

يقضي رييد وقته في صيد الغزلان وتناول طعامه، فيما يبدو أنه المطعم الوحيد في هذه البلدة الصغيرة، ويتسامر مع نادلة المطعم الودودة ديبي (كريستين هاغر)، وهي الأخرى متزوجة من سكير يُدعى جورج (جيمي ليبلان)، الذي يلتقيه رييد في الدورة العلاجية.

نرى رييد يسعل ويتقيأ دماً، ما يشير إلى أن الرجل مصاب بالسرطان وأيامه معدودة، ولا يبدو أنه مهتم بالعلاج لأسباب نفسية مرتبطة بوفاة ابنته.

يمضي الفيلم صامتاً في معظم لقطاته وهذه من نقاط القوة، وهناك لقطة في بدايته نرى فيها بيرنجر ممسكاً ببندقية وينظر خلال منظار التصويب لاصطياد غزال، اللقطة إشارة مباشرة إلى فيلم بيرنجر الشهير «قناص» عام 1993، وهي بمثابة إجلال لهذا النجم السبعيني المنسي الذي لم تستغله هوليوود لعقود.

يستغل المخرج والكاتب جون بار الطبيعة المتمثلة في المساحات الثلجية الشاسعة لرسم لوحات فنية جميلة بلقطاته العريضة، التي تعكس المكان الموحش الذي تدور فيه الأحداث، وكما قَتل ويل دورمر شخصاً بالخطأ بسبب الضباب في Insomnia، فإن البيئة المقفرة هي سبب قتل رييد شخصاً بعيداً عنه ظنه غزالاً.

يصدم رييد عندما يرى امرأة غارقة في دمائها تحتضر وتقول له: «أنت ميت». لا يستوعب رييد معنى كلامها، ويرى بجانبها حقيبة مليئة بالأموال. يهرب رييد دون أن يعلم فداحة ما فعله، إلا عندما شاهد في الأخبار تقريراً عن خمسة لصوص سرقوا 1.2 مليون دولار من كازينو.

يواجه رييد معضلة، فهو يريد العودة إلى الموقع لأخذ حقيبة الأموال، وفي الوقت نفسه يريد تنظيف مسرح الجريمة لإخفاء أي أدلة قد تشير إليه. نجده يعود ويسحب الحقيبة ومعها بندقيته ويخبئها في تجويف يشبه الكهف. بينما اللصوص الأربعة المتبقين يطاردونه.

«دماء وأموال» ليس الفيلم الذي سيجعلك تشعر بالتوتر، لأنه بطيء إلى حد ما، وحتى مواجهة رييد ضد أفراد العصابة ليست مستغلة كما يجب من ناحية قدرتها على ضخ «الأدرينالين» في جسمك. يواجه رييد أفراد العصابة على انفراد، حيث ينصب فخاً لكل واحد منهم مستعيناً بخبرته في الجيش عندما كان محارباً في فيتنام.

نراه متمرساً في اختيار مواقعه، يعرف أين يختبئ، ويستطيع أن يخمن ماذا سيفعل عدوه، أي أنه يفهم طريقة تفكير العدو، والعدو هنا عصابة يعني أقل خبرة من جنود. نراه يحسن تجنب نيران أسلحتهم. لكن تبقى هناك قرارات غريبة لهذا الجندي السابق. عندما ذهب رييد لتنظيف مسرح الجريمة، وجد جورج هناك يبحث عن صيد. وفي تلك اللحظة وجدتهما العصابة وطاردتهما. اختبأ رييد فوق تلة، وكان منظر العصابة تحته بالضبط مثل بط في بحيرة بانتظار اصطياده. الغريب أن رييد لم يضغط على زناده في تلك الفرصة الذهبية، ولا يوجد أي مبرر لذلك.

عندما واجه رييد اللص الثاني فهو أيضاً فوت فرصاً عدة لقتله، ربما لزيادة جرعة الإثارة من جانب المخرج، لكن ما يفعله بار هو استخدام لقطات هادئة صامتة وجميلة، كفاصل بين مواجهة وأخرى، وهو ما يقتل عنصر الإثارة بشكل كامل. عندما واجه رييد اللص الثالث الذي كان يتبول، فإنه انتظره حتى ينتهي من قضاء حاجته بناءً على طلب اللص! من الواضح لرييد وللمشاهد أن تلبية طلب اللص ليست من الحكمة في شيء، لأنه كما كان متوقعاً استدار اللص وحاول قتل رييد ببندقية آلية، لكن رييد كان أسرع وأصاب كتفه ثم أرداه قتيلاً! السؤال: «إذا كانت نية رييد القتل وأصلاً ليس له خيار آخر لأنه إن لم يَقتُل فَسيُقتل.. فلماذا الانتظار والمخاطرة؟».

بكلمات أخرى، رييد ينتظر ويتردد في المواقف التي لا تسمح بذلك. والمواجهة مع زعيم العصابة تمت وانتهت بالطريقة الغريبة نفسها. اللصوص قساة القلوب ولا يتوانون عن قتل أي بريء، حتى لو لم يشكل أي خطر عليهم. تتسم الحوارات بالضعف في أكثر من موضع، فحوار رييد وديبي يعكس حياة الأول السابقة، إذ تعاني هي من زوجها السكير، وهذه ليست عبقرية في كتابة النصوص بقدر ما هو ضعف ومحاولة يائسة لتذكير المشاهد أن البطل يعاني المشكلة نفسها. يتشابه الفيلم مع A Simple Plan لسام ريمي، وهو فيلم تشويقي لم يأخذ حقه جماهيرياً عام 1998، عن مجموعة رجال يجدون حقيبة أموال في غابة. فيلم ريمي نفسي تشويقي في المقام الأول، يتخذ فيه المجرمون قرارات كارثية واحداً تلو الآخر. هذا الشيء غير موجود هنا، لأن أداء بيرنجر متحفظ ووجهه خال من المشاعر ولا يتحدث أصلاً ولا يتعاطى مع أحد، لكن هذا لا يعني أداءً سيئاً من بيرنجر، بالعكس أداؤه هنا مقصود، لأن الشخصية تتألم داخلياً وتعيش ذنباً، فهو قتل ابنته خطأ بسبب الخمر، ولم ير ابنه منذ أكثر من عام، وهذا سبب الأداء المتحفظ. «دماء وأموال» فيلم جيد جداً من ناحية استغلاله الطبيعة لسرد الأحداث، خصوصاً لقطات الغابة، أو تلك التي تركز على رييد، الصياد الصامت الذي يستخدم مهاراته وخبرته لتعويض نقص ذخيرته، لكن كما أسلفنا، فإن وضع اللقطات الصامتة بين المواجهات لم يكن حكيماً. هذا الفيلم جيد ويمكن مشاهدته إن كنت تبحث عن فيلم «أكشن» بسيط بلا تعقيدات.

 لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

هذا الفيلم جيد.. ويمكن مشاهدته إن كنت تبحث عن فيلم «أكشن» بسيط بلا تعقيدات.

ليس أول فيلم يستغل بيئته كأداة قصة في السيناريو، لكنه حتماً أول فيلم نرى فيه البطل يحرق دولارات لتدفئة نفسه.

الأكثر مشاركة