«فتيات ضائعات».. معاناة أمّ تتهم الشرطة بالتقصير والإهمال

كل الذين يشاهدون أفلام الجريمة يستمتعون بشيئين: الأول أسلوب التحقيق وكيفية الوصول إلى المجرم، والثاني لحظة الإيقاع به. فيلم Lost Girls «فتيات ضائعات» لا يتبع هذا الأسلوب، وإنما يركز على معاناة أم فقدت ابنتها، ويتهم الشرطة بالتقصير والإهمال.

يتناول الفيلم - المقتبس من كتاب روبرت كولكر بعنوان: «غموض أميركي بلا حل» - القصة الحقيقية لقاتل ارتكب جرائم عدة في لونغ آيلاند، الذي تتوقع السلطات أنه قتل بين 10 و16 فتاة يعملن في الدعارة، ودفنهن في شاطئ غيلغو في نيويورك.

تتحدى مخرجة الفيلم، ليز غاربوس، القالب التقليدي لأفلام الجريمة والإجراءات الشُرطية الذي يمجّد المؤسسات الأمنية في الولايات المتحدة، ويظهر كفاءتها والتزامها بمكافحة الجريمة، ويلمح الفيلم إلى رابط بين قاتل يكره النساء ولامبالاة نظام أمني يهيمن عليه الرجال.

مصير الابنة

تروي غاربوس القصة مع مقتبس النص مايكل ويروي من وجهة نظر أم الفتاة ماري (إيمي رايان في أحد أقوى أدوارها)، التي اختفت ابنتها شانان عام 2010، وقادت جهود الأم وإصرارها على معرفة مصير ابنتها الشرطة إلى كشف جرائم أخرى ضحاياها فتيات امتهن الدعارة.

تعمل ماري في وظائف دنيا في نيويورك، وتكافح لإطعام وتربية ابنتيها، هناك مشهد غريب في بداية الفيلم نرى فيه ماري تضع قنينتي «كاتشاب» فوق بعضهما بشكل ساعة زمنية، تريد إفراغ واحدة في الأخرى، ربما يوحي المشهد بطول انتظارها، رغم أنه دعاية واضحة لشركة «هاينز».

نعلم أن ماري وشانان ذات 24 عاماً تخاصمتا وتصالحتا قبل اختفاء الأخيرة، تصدم ماري عندما تعلم أن ابنتها اختفت بعد إجرائها مكالمة مع أحد زبائن خدمة طلب الفتيات. الصدمة من عدم معرفتها بحقيقة ابنتها ومن معرفتها بذلك في الوقت نفسه.

يركز القسم الأول من الفيلم على محاولة ماري إقناع الشرطة بتسجيل شانان في نظامهم أي فتح ملف فتاة مفقودة، سواء في موطنها نيوجيرسي، أو في لونغ آيلاند، وهذا الإجراء المتبع لمثل هذه الحالات في كل دول العالم، لكن الغريب أن طلبها يسبب إرباكاً وتشوشاً، وكأنها تتحدث مع مجموعة سكارى، أو كأنها تخبرهم كيف يعملون.

تواجه ماري احتقار محققي مقاطعة سوفولك للمرأة العاملة في وظيفة عالية الخطورة. بعد ذلك يتضح وجود مكالمة طويلة لرقم الطوارئ 911 مسجلة لشانان تصرخ طالبة المساعدة، الذي قوبل بتجاهل الشرطة ووصولهم إلى مسرح الجريمة بعد ساعة! لا يبدو ذلك أنه يسبب أي حرج للشرطة! على العكس، بل يظهرون اقتناعهم أنها هي المخطئة لأنها تمتهن الدعارة، ومعظم الممتهنات يتعاطين المخدرات.

وبالتالي - حسب وجهة نظرهم - فهي تعاطت مخدرات، وذهبت إلى البركة المجاورة وغرقت فيها. يتميز الفيلم بشجاعة نادرة لا تقف خلفها استوديوهات هوليوود التقليدية، ولا غرابة لو علمنا أن «نتفليكس» خلفه، وهي التي دأبت على ضخ كل أنواع الأفلام على منصتها دون أي قلق من ردود أفعال الجمهور أو قلق من أن الفيلم لن يحقق عائدات بسبب نهاية حزينة.

يكتم وجه ماري حزناً ممزوجاً بغضب، وأداء رايان مقيد ومتوازن فلا نراها تنفجر غضباً ولا تنهار في موجات بكاء ميلودرامية. تبرز حقيقة مؤلمة من ماضي البطلة، وهي أنها وضعت ابنتها في عناية أسرة أخرى لأنها - أي الأم - كانت مدمنة لكنها تصرّ أمام المحققين أنها فعلت كل ما تستطيع لابنتها.

شخصيات

توجد شخصيتان مثيرتان للاهتمام تمثلان مركز شرطة مقاطعة سوفولك، الأول، دين وينترز، مغرور ويتهم ماري بالعدوانية وشخصيته تستند في القصة الحقيقية إلى الشرطي جيمس بورك، الذي عطل تدخل مكتب التحقيقات الفيدرالية «إف بي آي» في القضية لسنوات.

ألقي القبض على بورك فيما بعد بتهمة الوحشية والعنف المفرط والتآمر لإخفاء الحقائق في تحقيقات قضايا أخرى لا علاقة لها بقضية شانان. الشخصية الثانية ريتشارد دورمر (غابرييل بيرن)، وهو المفوض في مركز الشرطة المذكور. يؤدي بيرن الدور بإظهار الشخصية متعبة أو بلا مزاج للعمل، والغريب أنه نقيض لأي شخصية شرطي شاهدناها في فيلم سابق. لا يتخذ دورمر أي مبادرة، بالكاد يبدي ردود أفعال، ويرفض الاعتراف بمحدودية قدراته.

مشاهد بيرن ورايان هي الأفضل في الفيلم، رغم أنها لا ترضي المشاهد، لأنها عن امرأة ضعيفة تواجه رجلاً فارغاً يود أن يتثاءب في وجهها وهي تحدثه. قد تشعر بامتعاض وأنت ترى ماري توبخ دورمر لفشل إدارته في الحصول على شريط كاميرا المراقبة الموجودة في مكان كانت فيه شانان.

ردة فعل دورمر جمود ولا كأنه يسمع أو يهتم بما تقوله، هل هو عاجز عن فعل أي شيء، أو أنه يتعمد إظهار ذلك لإنهاء الكلام! ربما غير مهتم إطلاقاً بقضيتها!

غاربوس صانعة أفلام تسجيلية صنعتWhat Happened, Miss Simone، عن معاناة عازفة بيانو سوداء ترشح لجائزة أفضل فيلم تسجيلي عام 2015، وفازت بجائزة «إيمي» أفضل فيلم غير خيالي، تحوّل هذا العمل وهو أول فيلم روائي لها إلى اختبار عاطفي لأشهر قضية غامضة في العصر الحديث.

لا يتمكن صنّاع الأفلام التسجيلية عادة من التعامل مع ممثلين، لكن غاربوس كسرت القاعدة ونراها تنتقل من التسجيلي إلى الروائي بشكل سلس وطبيعي وتستخرج أفضل أداء من رايان.

فتيات ضائعات حزين جداً ولا يعرض حلاً، قاتل شانان طليق إلى اليوم. لكننا نتساءل: «هل هذا الواقع؟ ما نسبة جرائم القتل التي تبقى بلا حل؟ هل معنى ذلك أن أفلام ومسلسلات الجريمة التي نشاهدها مثالية ومضللة ولا تعكس الحقيقة؟ هل المؤسسات الأمنية في الولايات المتحدة متقاعسة كما نرى في الفيلم؟».

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

استدعاء «مفقود»

يستدعي «فتيات ضائعات» إلى الذاكرة فيلماً قديماً بعنوان Missing «مفقود» عام 1982 من بطولة الراحل جاك ليمون وسيسي سبيسيك، يتناول قصة الصحافي الأميركي اليساري تشارلز هورمان، الذي اختفى بعد الانقلاب العسكري الدموي المدعوم من واشنطن في تشيلي عام 1973. في ذلك الفيلم كان والد الصحافي يبحث عنه، وشيئاً فشيئاً يكتشف تورط الحكومة الأميركية في اختفائه.

يتميز الفيلم بشجاعة نادرة لا تقف خلفها استوديوهات هوليوود التقليدية، ولا غرابة لو علمنا أن «نتفليكس» خلفه.

لا يتمكن صنّاع الأفلام التسجيلية عادة من التعامل مع ممثلين، لكن غاربوس كسرت القاعدة.

16

فتاة تعتقد السلطات أنهن ضحايا ذلك القاتل المتسلسل.

الأكثر مشاركة