«روغ ون».. شعبية عالمية عبر الأجيال ورجعية في التقنيات
هناك أفلام نشاهدها وننبهر بالتقنية التي تستخدمها شخصيات القصة، ونتمنى لو كانت بمتناول يدنا، وهناك أفلام نشاهدها ثم ننبهر، لكن بعد فترة نسخر منها، عندما نكتشف أنها أصبحت بالية مقارنة بما لدينا اليوم. تقنيات قصص الأفلام تعكس إما رؤية ثاقبة لمخرج (جورج لوكاس وستيفن سبيلبيرغ)، أو تصوراً ضحلاً لشكل التقنية (فيلم مهمة مستحيلة 1).
| رائج كثيراً المهم هو أن تقنيات عصر ما قبل الإنترنت شكلت عامل جذب لفئتين من الجمهور: الأولى صغار السن الذين نشؤوا مع التقنية الحديثة وانغمسوا فيها، هؤلاء سينظرون إلى تقنيات الفيلم بحماسة، كونها تشكل بعداً جديداً لم يعايشوه. أما بالنسبة لفئة الكبار، فإن «روغ ون» بالتأكيد نوستالجيا، مثله كمثل الأسطوانات الكبيرة السوداء أو البطاقات البريدية، فهو لا يذكر فقط بذلك الفيلم الذي شاهدوه أيام إدارة جيمي كارتر، بل يجرف معه ذكريات عالم عايشوه. الفيلم كان ممتعاً للفئتين، رغم تقنياته التي يقترب عمرها من قرن، ورائجاً كثيراً بين الشباب حتى في الثقافة الشعبية لعام 2017. 21تقنيات فيلم «روغ ون» أخفقت في العبور إلى القرن الـ21. الفيلم يعتبر فكرة مملوكة لجورج لوكاس، ضمن سلسلة شعبية جداً، مصنوعة من قبل أشخاص لم يسبق لهم العمل فيها. |
أفلام «حرب النجوم» تكاد تكون الوحيدة التي توظف تقنيات قديمة؛ أو فلنقل نسخاً مستقبلية من تقنيات قديمة. اللافت أن فيلم Rogue One: A Star Wars Story، الذي يريد تمييز نفسه عن سلسلة أفلام «حرب النجوم» الشهيرة، يعرض تقنيات كلها قديمة.
نحن - كمشاهدين - نتوقع من بعض الأنماط المستخدمة في سرد قصص الأفلام، أن تدقق في تفاصيل مشاهد الفيلم. مثلاً أفلام التاريخ الخيالية هي الأكثر براعة في ذلك، من خلال بذل جهود في عملية إعادة صنع الماضي. أفلام الخيال العلمي والخيال المطلق (قصص الأبطال الخارقين وهاري بوتر وسيد الخواتم)، كلها تكرس جهداً كبيراً في خلق العالم الخاص بالقصة، قبل بداية تصوير الأعمال.
خليط خيالي
«روغ ون»، وهو خليط من كل هذه الأنواع، يفعل هذا الشيء (خلق عالم خاص) ببراعة على مستويات عدة، فالفيلم في النهاية مصنف «خيال علمي» وعالم «حرب النجوم» كان ولايزال بيئة خصبة جداً وغنية للخيال. والفيلم يعتبر فكرة مملوكة لجورج لوكاس، ضمن سلسلة شعبية جداً مصنوعة من قبل أشخاص لم يسبق لهم العمل فيها، وهو زمنياً لا يتصل بالسلسلة بشكل مباشر، بل يعتبر كقصة وأحداث متفرعاً منها أو في موضع معين غير مكتشف سابقاً في خطها الزمني، وهذا ما يضعه ضمن الأعمال المصنفة «خيال تاريخي».
وطبقاً لذلك، فإننا نحصل على عملية إعادة صنع شاملة مملوءة بالتفاصيل، تمس أحداث القصة والحوار والموسيقى والشخصيات، وشكل المركبات الفضائية، والتقنيات المستخدمة في الفيلم، وممثلين: أحدهما (بيتر كوشينغ) ميت وأعيد إحياء شخصيته بالفيلم من خلال المؤثرات الخاصة، والأخرى الراحلة بعد بداية عروض الفيلم (كاري فيشر)، التي تم تصغيرها شكلياً لتظهر كما كانت عند ظهورها في الفيلم الأول عام 1977، ومن المتوقع إعادة إحياء شخصيتها في الأجزاء اللاحقة بواسطة التقنيات الحديثة.
لكن اللافت للانتباه هو الجانب التقني في العمل، حيث ظهرت الآلات والأجهزة والبنية التحتية في إمبراطورية المجرة في الفيلم بشكل قديم ورجعي. وما يفعله الفيلم هو إعادة سرد قصة كلاسيكية، تكررت مئات المرات في أفلام الحرب العالمية الثانية، أو أفلام ويسترن، مثل «المذهلون السبعة» و«ديرتي دوزن»، وهي غالباً عن مجموعة منبوذين تقرر التضحية من أجل المجتمع. الأمر نفسه ينطبق على التقنية المستخدمة في الفيلم، إذ كلها تبدو من تلك الحقبة، فهناك مفاتيح وأزرار إلكترونية وكابلات وأبواب ثقيلة وقنابل يدوية وأسلحة رشاشة وبنادق قناصة.
بالمقابل؛ ليست هناك أسلحة إشعاعية أو أجهزة مفجرة تبث أشعة غاما، إذ نرى جنوداً يقودون شاحنات، ولا نراهم في سفن مستمتعين بالسباحة في الهواء نتيجة انعدام الجاذبية الأرضية. والفيلم يحوي سفناً فضائية، لكنها تؤدي دور مقاتلات جوية أو قاذفات قنابل، ولا يوجد أي شيء في الفيلم عن أساسيات الفضاء، مثل المسافات الشاسعة بين الكواكب والنجوم، أو التمدد الزمني (فرق التوقيت بين كوكب وآخر يكون كل منهما في مجال جاذبية مختلف عن الآخر).
روبوتات
تماشياً مع ذلك، فإن أجهزة الكمبيوتر في الفيلم لا تبدو أكثر من مجرد آلات كتابة أو مستقبلات موجات إذاعية، بل إن أهم محور في الفيلم، وهو خطط محطة الفضاء المسماة «نجمة الموت»، ظهرت مخزنة على أداة ملموسة مخبأة في نظام ملفات ضخم، يتم تناقلها بشكل يدوي من فرد إلى آخر، وليس بصيغة رقمية تبث عبر شبكة أو شعاع أو جهاز مزروع داخل جسد إنسان.
وعندما تكون هناك أجهزة إلكترونية، فهي غالباً تبث موجات إذاعية بواسطة مشغلين متخصصين، وباستخدام سماعات رأس ضخمة. وفي ما يتعلق بالأجهزة المحمولة فهي قليلة وغير مهمة للقصة، وهناك روبوت مرافق للشخصية الرئيسة اسمه «كي - تو إس أو»، هو في الأساس عقل إلكتروني ذكي جداً، وينفذ مهام إنسان بمهارات عالية.
شكلاً، الروبوت يشبه كثيراً الأنماط الروبوتية التي ظهرت إبان الحقبة السوفييتية، إذ يبدو مرقعاً بقطع تجميلية، لتغطية ما أصبح عيوباً شكلية بمرور الزمن، أي كبعض المركبات والأجهزة التي تطورت على مراحل متلاحقة منذ العشرينات حتى الخمسينات من القرن الماضي، ولا يشبه التقنيات التي ظهرت في سينما الأحداث المستقبلية، أو عصر ما بعد الكوارث (أفلام ماد ماكس وألعاب الجوع).
لا يوجد أي دليل في الفيلم على وجود أي نوع من الاتصالات، ليس هناك إنترنت ولا شبكة شبيهة، لا يوجد قراصنة كمبيوتر، لا توجد عمليات تشفير، والهجمات ترصد بالعين المجردة، فلا نرى أي رادارات أو حساسات أو مستشعرات عن بُعْد، ولا توجد حتى أقمار اصطناعية أو أي أداة مراقبة.
عندما يتعلق الأمر بالإعلام، فإن الفيلم يصبح رجعياً أكثر، فلا كاميرات ولا مكبرات صوت ولا أجهزة تسجيل وتوثيق، لا أفلام ولا صور فوتوغرافية ولا حتى أداة نسخ، فأداة التواصل الوحيدة هي رسالة هولوغرام (طيفية)، وحتى المتلقي لا ينسخها بل يحفظ محتواها ببساطة، وليس هناك في الفيلم أي دليل على وجود إعلام، فلا أخبار ولا ترفيه.
ورغم أنها إمبراطورية ضخمة في تلك المجرة، تحارب حلف متمردين، من المتوقع أن تتمتع بدعاية سياسية كبيرة لكن على العكس فإن أجواء الفيلم تبدو خالية من أي مظاهر تعليمية، بينما في فيلم مثل Children of Men عام 2006 هناك تغطية إعلامية مستمرة لأحداث الفيلم، من خلال الصحف والتلفاز والمذياع، كلها تغطي أحداث ذلك العالم المستقبلي.
وفي أفلام «ألعاب الجوع» لم تكن هناك أي محاولة تذكر، لتغيير شكل التقنية والأسلوب الإعلامي السائد في الفيلم وهو المحاكي لظاهرة تلفزيون الواقع، لكن علينا أن نضع في الاعتبار أن تقنيات أفلام «ألعاب الجوع»، بما فيها الوحوش المهندسة وراثياً كلها أدوات قمع لخدمة نظام الرئيس سنو. والتطور التقني في هذه الأفلام محتكر من قبل الرئيس والنخبة الحاكمة، وخارج هذه الدائرة فإن الزمن يعود قروناً إلى الوراء، حيث الملابس بسيطة وأدوات الحرب تتحول إلى أسهم ونبال.
نسخ التاريخ
الإنترنت تغيب تماماً عن أفلام «ألعاب الجوع»، وهناك شخصية في الرواية تشكو اختفاء التقنيات العسكرية كالطائرات الحربية والأقمار الاصطناعية العسكرية، بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار المستخدمة لأغراض عسكرية، رغم أن تلك الشخصية كانت تركب حوامة. وبالنسبة لنظام المواصلات فإن نظام «سنو» يمتلك تقنية القطار السريع غير الموجودة في «روغ ون».
بشكل عام، تقنية «ألعاب الجوع» لا تعتبر مظهر احتفاء وتبجح؛ كما يفعل الكثير من أفلام الخيال العلمي، لكن هي إظهار للخيارات التقنية لمجتمع ما، وانعكاس تلك الخيارات على حوافزه السياسية وأولوياته الاجتماعية.
وبعكس ما حدث في فيلم Dune عام 1984 لفرانك هيربيرت، حيث أثرت التقنية في بنية قديمة وجعلتها فعالة مرة أخرى، فإن أفلام «حرب النجوم» تجاهلت أي تأثير للتقنية، واكتفت بنسخ التاريخ في عالمها الذي قد يبدو للبعض مستقبلياً، رغم أن السلسلة تشير بوضوح إلى أن أحداثها تقع في الماضي. «روغ ون» أكمل ذلك ولم يكن ما فعله مفاجئاً، إذ اتخذ خطاً متوازناً بين نبرته الاستقلالية، وتذكيره لنا بأنه جزء متفرع من تلك السلسلة من خلال مشاهد عدة. وهناك الإمبراطورية وما تحمله من لمسات لوكاس عليها المتمثلة في إشارات للنازيين والمتطرفين الدينيين ومحاربين منبوذين.
ويحمل الفيلم أيضاً سمات كانت سائدة في بداية القرن 20؛ وهي وجود العائلة النووية الكلاسيكية (عائلة بطفل واحد أو طفلة)، يكون هو البطل كما في الأفلام السابقة أو هي كما في آخر فيلمين، ولم تسهم التقنية في إطالة حياة أي شخصية ولم تقضِ على مشكلات صحية، إذ ليس هناك دليل على وجود الهندسة الوراثية، أو أي نوع من الأدوية ظهر بعد عقد الخمسينات، ليست هناك مجاعة نتيجة سوء تغذية.
مدن متشابهة
| للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط. |
المدن كلها تشبه نظيراتها من العصور الوسطى، أو تلك المستعمرة في القرن العشرين التي عانت ظروفاً صعبة، كأن التقنية منفصلة عن الحياة الاجتماعية، أو محتكرة لدى النخبة التي تحرص على إبقاء المجتمعات في حالها البائسة. السؤال هو: لماذا يحرص «روغ ون» على ذلك؟ من الواضح أنه يقلد الأفلام الأصلية، خصوصاً الجزء الأول (الحلقة الرابعة) عام 1977، والثاني «الإمبراطورية تهجم مجدداً» (الحلقة الخامسة) عام 1980، حيث يواكب «روغ ون» التقنيات المستخدمة في الفيلمين المذكورين، والتي استعارتها أفلام أخرى كذلك مثل «بليد رانر» و«Alien». لكن ليست هناك أي إشارة لتقنيات اليوم مثل لوحة المفاتيح الافتراضية والهواتف الذكية، أو مشكلات تتعلق بظاهرة التمدد الزمني، لأن كل ذلك غير موجود في المادة الأصلية المقتبس منها هذا الفيلم.
السؤال الثاني هو: لماذا تشكل تلك التقنيات عامل جذب لجماهير اليوم؟ جزء من الإجابة سيكون أن الفيلم تعمد بوضوح تجنب توظيف تقنيات اليوم المعقدة في قصته، وهو اتجاه يتجانس مع المخاوف التي تولدت لدى البعض من دور التقنية في المستقبل، وهو ما يسمى ظاهرة «صدمة المستقبل»، التي توقعها المؤلف الأميركي آلفن توفلر في كتابه الذي يحمل اسم الظاهرة.
«روغ ون» يستعير من الحرب العالمية الثانية بصمة الصراع الثقافي، ويستحضر من خلال تلك الحرب بيئة نضال خلال حقبة زمنية معينة، تميزت ببروز واضح لقوى خيرة ضد شريرة، ووجود قصة مقاومة والكثير من التضحيات. والغريب أن هذه القصص لازالت مصدر جذب للجماهير العالمية، حتى بعد عقد ونصف العقد من الحرب على الإرهاب، وتبدل الكثير من المفاهيم والأفكار السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى اليوم. فربما يمكن أن نتصور أن الفيلم يستغل مشاعر القلق المتبقية من وجود عدو بعيد، أو حتى التلميح إلى مسألةأعباء الدولة الأميركية عالمياً.