«ذا بوس» ينهار بين يدي مكارثي

ماليسا مكارثي نجمة كوميديا من الدرجة الأولى، محبوبة في صالات العرض حول العالم، لقدرتها على صناعة نوع متقن من التهريج المنضبط نوعاً ما، والمعتمد كلياً على قدرتها على الثرثرة بشكل يفوق التصور.

لكن مكارثي، اليوم، متورطة حتى الأذنين في فيلم «ذا بوس» The Boss، وهو فيلم عائلي بامتياز بالنسبة لها، إذ إن المخرج زوجها بين فالكون (أخرج لها فيلم تامي منذ عامين)، لأن «ذا بوس» أردأ نوع من الأفلام السيئة. ويستطيع المشاهد أن يصدر حكماً كهذا لسبب واحد، هو أن الفيلم مشتت لا تُعرف هويته واتجاهه. لدينا أربعة أفلام في واحد، فلنعددها للقارئ، الأول: طفلة يتيمة في دار أيتام تتبناها عائلات عدة، ثم ترفضها وتعيدها للدار، فتقرر الفتاة أن تترعرع وحدها، بعيداً عن كنف أي عائلة.

الثاني: امرأة ثرية تدخل السجن، بسبب ورطة يوقعها فيها زوجها السابق، فتخرج مفلسة وتبدأ إعادة تكوين نفسها.

6

مكارثي استنفدت كل ما لديها من مواهب تهريجية، في ستة أفلام من الصنف نفسه، وعليها تغيير نوعية الدور، والانتقال إلى الجدية، أو الكوميديا السوداء على الأقل.

«كارثة» مكارثي

هذا الفيلم سيحصد نجاحاً، في أوساط جماهير وعشاق مكارثي حول العالم، لكنه بمعايير فن السينما يعتبر كارثة بلا شك.

هزلية معتادة

الفيلم يحوي بعض «القفشات»، لكنه لا يستمر فيها، وينحدر إلى الهزلية المعتادة، ونضرب مثالاً بمشهد ميشيل، التي تجلس مع ابنة صديقتها لترعاها في غياب والدتها. المشاهد يعلم أن ميشيل متهورة، ولن ترعاها بصورة مثالية، وهذا ما يحدث بالفعل، وبالتالي المشهد جاء متوقعاً، ما يعكس تقصيراً حتى في هذا الجانب البسيط.

الثالث: امرأة محطمة خرجت من السجن، لتحتضنها زميلتها السابقة وتفتح لها منزلها، فتنشأ علاقة صداقة ومودة بينهما، وتشارك المرأة زميلتها في تربية طفلتها. وسنأتي للقصة الرابعة لاحقاً في هذا العرض، لسبب يتعلق بأسلوب السرد.

الآن لدينا المشكلة الثانية مع مكارثي نفسها، وهي أن هذه الممثلة مسجونة في دور واحد منذ خمسة أعوام، لا تريد الخروج منه (حقيقة هي خرجت منه عندما أدت دوراً ثانوياً لشخصية جادة في فيلم سان فنسنت، وكانت رائعة فيه).

في Bridesmaids، كانت في دور امرأة مستقلة يساء فهمها، وفي فيلم Identity Thief كانت في دور محتالة منحوسة مساءة الفهم، من خلال الأشخاص الذين تلتقيهم. وفي The Heat هي أيضاً شرطية كان يساء فهمها في طفولتها، وفي Tammy هي امرأة قليلة الحظ في الحياة لا يفهمها من هم حولها، وفي Spy العام الماضي كانت امرأة متحمسة يساء فهمها وتقدير ذكائها، وهنا في The Boss هي مليونيرة تتعرض للمتاعب ويساء فهمها، والفرق الوحيد بين هذا الدور والأدوار السابقة لمكارثي أنها هنا تكاد تخرج من الشاشة لترتمي في أحضان جمهورها، وتفرض عليهم أن يحبوها.

ومن ناحية تكرار الأدوار، مكارثي تكاد تتجاوز الممثل مايكل دوغلاس، الذي مثل دور ضحية ست مرات، خمس منها في عقد التسعينات من القرن الماضي، فقد كان ضحية لنساء في أربعة أفلام، ومرة ضحية النظام الاجتماعي، ومرة ضحية شقيقه.

يبدأ الفيلم مع ميشيل دارنيل (ماليسا مكارثي)، الطفلة المرفوضة من عائلات للتبني، وتعاد إلى دار الأيتام، فتقرر أن تكون مستقلة، وتجمع ثروتها بنفسها، وألا تلتفت للآخرين، ونراها تحاضر في جمع غفير وتعطيهم دروساً في الاستقلالية، وتكوين الثروة قبل أن يورطها زوجها السابق، فتدخل السجن، وتخرج لتجد كل ثروتها مصادرة، وأن عليها أن تبدأ من الصفر مجدداً. هذه المرحلة تبدأ من عند زميلتها وموظفتها السابقة كلير (كريستين بيل)، التي تحتضنها في منزلها وعندما تلاحظ ميشيل أن كلير بارعة في صنع الـ«كوكيز» أو البسكويت بالشوكولاتة والسكر، تقترح عليها إنشاء شركة خاصة لإنتاج هذا النوع من الحلويات.

يتبع ذلك مشهد من السهل جداً التشكيك في أصالته، وهو مشهد قتال الشوارع بين صانعي الحلويات، والذي يعيد إلى الذاكرة بصورة مباشرة مشهد قتال الشوارع في فيلم Anchorman، خصوصاً أنه يعتمد على الحركة البطيئة. اللقطة ضعيفة ولم تكن ضرورية، ولا تضيف قيمة للفيلم، ونعلم أنها تقليد لفيلم Anchorman، وكذلك لتقديم شخصيات سطحية هزلية ثانوية، نصيب كل منها أربع لقطات من المدة الإجمالية.

نضيف إلى ذلك أن المشهد صمم خصيصاً لمكارثي، التي تحاول جاهدة التغلب على الممثل ويل فيريل (بطل فيلم آنكورمان) في التهريج، ويظهر ذلك جلياً في الجزء الأخير من مشهد قتال الشوارع، الممعن في الضعف والسطحية.

بعد هذا الجزء يبدأ الفيلم في التفكك تدريجياً، حتى ينهار تماماً في الربع الثالث، ولا يبقى منه سوى مكارثي التي تحاول حمله وإعادة جمع عناصره المفككة، والحق يقال إنها قد تكون نجحت في ذلك إلى حد قليل، لأن الجمهور أتى لمشاهدتها هي فقط، لكن زوجها المخرج فالكون ارتكب خطأ فادحاً، وأطلق رصاصة الرحمة على الفيلم، إذ انهار تماماً بين يدي زوجته مكارثي، عندما قرر إقحام مشهد السرقة.

هذا المشهد لا يمت بصلة للفيلم، وهو ما عنينا بالفيلم الرابع، وهو مشهد يخرج الفيلم بالكامل من صنف الكوميديا، ويقحمه في صنف أفلام السطو، وهي أفلام ذات تصنيف خاص في السينما. المشهد نفسه يحوي معركة تهريجية بالسيوف، تنتهي بكلام حميمي بين ميشيل وزوجها السابق رينو (بيتر دينكليج الناجح تلفزيونياً والفاشل سينمائياً)، والحقيقة أن علاقة ميشيل ورينيو قد تشكل فيلماً خامساً في حد ذاتها، خصوصاً أن المخرج فالكون اهتم كثيراً بهذه الجزئية، لدرجة تخصيص «فلاش باك» لها، إلا أنه ضيعها كما ضيع بقية أجزاء القصة أو القصص.

الأكثر مشاركة