الموت لا يحتاج إلى هدوء في «فيلا 69»
ضمن مسابقة آفاق جديدة في الدورة السابعة من مهرجان أبوظبي السينمائي، عرض أول من أمس، الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرجة المصرية آيتن أمين «فيلا 69»، صاحبة الفيلم القصير الذي نال جوائز وعرض في مهرجانات عدة «تحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي»، الذي بشر بولادة مخرجة شابة ذات نظرة خاصة. الترقب كان حاضراً، في قاعة السينما في قصر الإمارات، لمشاهدة الفيلم، كما أن خروج جمهور بعد مضي وقت قصير من الفيلم كان حاضراً هو الآخر ولافتاً.
ومع أغاني محمد عبدالوهاب بدأت الحكاية، بمشهد طويل للبحر، فقط البحر، وصوت الشخصية الرئيسة في الفيلم (حسين)، وسرد ليس مفهوماً علاقته بمجريات ما حدث لاحقاً، مبني على الفانتازيا، لينتقل المشاهد إلى فيلا كبيرة وقديمة، غير معتنى بها، ورجل مسن، وهذا تحديداً الذي أثار استهجان شريحة من الجمهور اعتبرت أنه لا ضرورة للإتيان بممثل شاب ليؤدي دور مسنٍّ، خصوصاً أن الدور من الممكن إسناده لممثل كبير في العمر.
القصة تتناول الوحدة والاغتراب والمرض الخطير الذي بينه وبين الموت أيام معدودة يتمنى عيشها في هدوء، (لم يشر إلى المرض بشكل مباشر)، وقرار من قبل حسين صاحب كل هذه المشاعر بالموت وحيداً، لكن مجريات الفيلم تعكس رغبته، التي اقترنت بتصرف قاسٍ من قبله تجاه كل من يحاول الاقتراب منه.
يدور الفيلم في مكان واحد تقريباً، إذ لم يخرج الكادر من فيلا 69 إلا في المشهد الأخير، وقبل الشعور بالموت المحقق الذي لم يشاهده الجمهور، عندما يقرر حسين أن يودع القاهرة على ما يبدو. الخلفية المعرفية عن حسين لم تكن واضحة، وكان التخمين من قبل الجمهور أن يربط بين تصرفاته وهواياته ورغباته في تكوين شخصية مقربة، فهو يعزف على العود، ويحب سماع عبدالوهاب وأم كلثوم، يعمل مهندساً معمارياً، لأن موظفاً في الشركة يأتيه كل فترة مع بيانات تخطيطية للتصميم، وفي جانب آخر تشعر بأنه فنان تشكيلي، من حوار مقتضب بينه وبين ابنة زميله في الجامعة، التي تربطهما علاقة عاطفية حين دعته إلى معرض والدها فرفض، فقالت له إنه يغار منه، واستكمالاً لصفات حسين، هو شخصية متناقضة في تعاطيه مع الناس من حوله، تارة حنون وتارة قاس، عصبي المزاج، وكل هذا يحدث في ظل الأدوية والإبر اليومية، من خلال ممرضة كانت هي الأجمل من حيث الأداء.
الطباخ عبدالحميد في الفيلا يقررالذهاب إلى بلدته فجأة بذريعة أن والده مريض، وهنا تبدأ الحكاية الفعلية للفيلم، بعد اتفاقه مع شقيقة حسين (نادرة) وإفشاء سر المرض الخطير الذي قد يميت حسين في أي لحظة. تأتي نادرة إلى الفيلا مع حفيدها، الذي تشبه اهتماماته اهتمامات حسين، يغضب الأخير من هذا التدخل، فهو يريد أن يعيش ما تبقى من عمره كما يريد.
غياب السيناريو الواضح المعالم شتت طريقة فهم فيلم المخرجة من نواحٍ عدة، لكن أحداث الفيلم المتعلقة بالأيام الأخيرة في حياة حسين اكتفت بالحدث اللحظي وليس بالماضي، ما جعل الحكاية من الصعب لمس تأثيرها. يبدأ الصخب في الفيلا بداية من عملية التنظيف بقيادة نادرة، ومروراً بصديقة الحفيد التي باتت تأتي كثيراً، وأقنعت حسين أن يسمح لها وأفراد فرقتهم التي تعزف الروك بأن يأتوا إلى الفيلا للتدريب، هذا القبول هو رغبة في سماع وعيش شيء جديد، حتى إن لم يعجبه، وهذا الذي حدث، فغضب عليهم وقرر أن يعلمهم عزف أغنيات أم كلثوم بطريقة حديثة.
يتعلق الحفيد بحسين، ويستشيره في كل شيء، خصوصاً في الأمور العاطفية، فينصحه حسين بأن يضيف إلى اهتمامه بالموسيقى شيئاً جديداً كقراءة الشعر. يبدأ حسين بالتعايش مع الحالة الصاخبة الجديدة، فالموت لا يحتاج إلى هدوء مسبق كما كان يتخيل، بل يحتاج الى حياة كاملة تسري أمامه، وفي المشهد الأخير يستيقظ باكراً ويرى الحفيد مع صديقته، ويسأل إذا كان أحدهما يعرف قيادة السيارة، فتأتي الإجابة من الحفيد، ويقصدون سيارة الجد، وتبدأ السيارة بالمشي عبر شوارع القاهرة، كأنه الوداع الأخير.