الفيلم مقتبس من تفاصيل تحكم الديانة الهندوسية من المصدر

«الماء»: النساء ضحايا جهل المجتــمع

أسباب عدة تجعل من العودة إلى الفيلم الهندي «الماء» الذي أنتج في عام ‬2005 مبررة، الفيلم للمخرجة الهندية الأصل الكندية الجنسية، ديبا مهتا، التي أعلنت على حسابها على «تويتر» انها ارادت زيارة الهند، لكن محبين لها حذروها من أن متطرفين هندوساً مازالوا يرغبون في جز عنقها، والسبب الآخر هو اختراع لطلاب وطالبات من جامعة مومباي «صدرية» تعمل على الكهرباء لمنع اي محاولة تحرش تتعرض لها الفتيات ، وستباع بثمن زهيد يتلاءم مع الجميع بعد حادثة تعرض فتاة هندية لاغتصاب جماعي قبل شهرين، اضافة الى موضوع التطرف الذي صار مادة دسمة للبرامج الفكاهية، ومع كل الذي سبق ستشهد الهند هذا الشهر الاحتفال بمرور ‬100 عام على انتاج أول فيلم هندي الذي حمل عنوان «راجا هاريششاندرا» لمؤسس الفن السابع في مدينة بومباي الهندية دهونديراج بهالكي الذي انتج في ‬21 أبريل ‬1913.

موضوع فيلم «الماء» الذي رشح للأوسكار ضمن فئة افضل فيلم أجنبي عام ‬2006، وهو من بطولة ليزا راي، وجون آبراشام، وسيما بيسواس، يتناول الأرامل من النساء المنتميات للديانة الهندوسية اللاتي يضطررن، بناء على عقيدتهن، الى حلق شعورهن مدى الحياة والاختباء في دار عبادة والخدمة فيها، ومبني على فكرة أن الناس يسيؤون استخدام الأديان في تحقيق مآربهم الشخصية والانغلاق عن حقائق الحياة الواقعية التي تحيط بهم، والأولى فهم روح الدين الصحيح واللجوء إليه لإصلاح الحال وتحقيق الخير للجميع، هذا النوع من التطرف حسب المخرجة لا يختلف عن التطرف في جميع الديانات، جميعها يلغي العقل.

الحيرة

يبدأ الفيلم بنص مقتبس من الديانة الهندوسية «الأرملة يجب أن تعاني لفترة طويلة حتى الموت، رابطة الجأش وعفيفة، الزوجة الفاضلة المتعففة منذ وفاة زوجها تذهب إلى الجنة، أما من لا تكون وفية له فستخلق من جديد في رحم ابن آوى».

تظهر بعدها شويا أول أرملة في الفيلم، طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها تسع سنوات، بريئة كانت تلعب مع أقرانها أمام المنزل، لتجد نفسها بين ليلة وضحاها عروساً مزينة بالحلي لعريس في عمر والدها، لم تعِ ذلك فهي فرحة بالثوب المطرز والطعام والحلويات الموجودة أمامها، وفي هذه الليلة وضحاها أيضاً تأتي والدتها إليها وهي نائمة، توقظها فتقول: «هل تذكرين تلك الليلة التي كنت فيها عروساً، لقد مات زوجك وآن لك الرحيل الى مكان آخر»، لم تفهم، لكنها وافقت على مرافقة والديها، وهي تلعب برجليها في الهواء، لتبدأ رحلة الحيرة في عقلها الصغير، منذ جز شعرها الطويل، وإقفال الباب منذ دخولها، تصيح أنها تريد العودة إلى المنزل هي خائفة، وقد استطاعت المخرجة فعلا تجسيد صورة الخوف عندما يكون طفلاً.

هذا المشهد تحديداً يدور في عام ‬1938، وهو العام الذي بدأ يبرز فيه حزب غاندي الذي كان من ضمن دستوره الدفاع عن حقوق المرأة ، ففي هذا الفيلم لا توجد لوحات راقصة كما حال اغلبية الأفلام الهندية، بل هو قصة وجود لكائن اسمه امرأة، عانى، ولايزال، الظلم الاجتماعي والتطرف الديني.

استغلال

دار الأرامل، وجدت في مدينة فارانسي الواقعة على نهر الكانج المقدس، هدفها إعطاء فرصة للأرملة للتكفير عن ذنب سبب موت زوجها، فوفاة الزوج حسب ديانتهم نتيجة لخطايا الزوجة، فالدار اذن هي خلاصها من هذا الذنب، وما يحدث في الدار لا يعرفه أحد من العائلة، حتى لو قررت مديرة الدار تحويلهن إلى غانيات لكسب المال إلى جيبها، وهذا الذي يحدث فعلاً في الفيلم، تشعر مديرة الدار البدينة والشريرة في ملامحها، بالسعادة عند وصول الأرملة الصغيرة، تشعر بأنها ستجني من خلالها مالاً وفيراً، لكن هذه الطفلة الصغيرة ببراءتها وشعورها الخفي بحقها في اللعب على الأقل تبدأ التمرد، لتظهر معها قصة الأرامل الأخريات اللاتي يحتضنها في البداية كي لا تعيش حياتهن.

فالأرملة حسب تعاليم هذه الديانة لديها ثلاثة خيارات «إما أن تدفن مع زوجها، أو تتزوج بأخيه إن قبل هو وقبلت العائلة، أو توضع في دار للأرامل تقضي فيه ما تبقى من عمرها». وهذا ما رفضته الأرامل الثلاث المتمردات، الطفلة شويا، والشابة الجميلة كاياني، الوحيدة غير المحلوق شعرها لأن مديرة الدار استغلتها منذ طفولتها، وشاكونتالا التي تذهب خلسة إلى واعظ ديني شاب تفهم منه الصحيح من الخطأ، وبناء عليه تحاول تمرير التفسيرات الظالمة للنساء.

مشاهد فقر الحيلة

نحن أمام عدد كبير من النساء الأرامل،المختلفة أعمارهن، بين الـ‬70 والتسع سنوات، حليقات الشعر، يرتدين قطعة قماش بيضاء خالية من أي تبرج، يمشين على خطوات واحدة ضمن قوانين الدار، يأكلن سوياً، ويتعبدن سوياً، ويطلبن كل ليلة الغفران على خطاياهن التي تسببت في مقتل أزواجهن، خطايا يحاولن قدر الإمكان تذكرها كي يشعرن بالراحة، وهذا هو العذاب الفعلي، كلهن أمام المديرة ماد هومالي، وصديقتها الوحيدة غولابي التي تساعدها على تسهيل عملها في الدعارة في اختيار الأرملة المناسبة، وهي تحلم دائماً بإجبار شاكونتالا الجميلة المرغوبة لدى زبائنها من الرجال الأغنياء، لكن شاكونتالا لفهمها لديانتها بشكل صحيح غير مبني على آراء المتطرفين، كانت تقاوم قدر استطاعتها.

رتم بطيء

نسق الفيلم بمشاهده وحواراته بطيء جدا، وكأن هذا مقصود من قبل مخرجته، فهي تحكي قصة نسوة يعشن في مكان واحد لا يغادرنه إلا لقبورهن، فمن الطبيعي أن تكون حياتهن بطيئة ومليئة بالقصص التي تروى بتأني لكسب وقت اضافي ربما لأمل قد يلوح، فترى امرأة تجلس في الزاوية تروي قصتها كل يوم، بأنها لم تكن تعلم نفسها خاطئة، لأن زوجها الذي مات كان يضربها كل يوم، لتصل الى نتيجة أنها بسبب حزنها من ضربه وعدم مغفرتها له عاقبها الله بموته، وكان يجب عليها ان تتحمل، لتأتي شويا، الأرملة الحديثة في الدار، وتجلس إلى جانبها لتؤكد لها أنها ستعود إلى حضن أمها ولن تكون مثلها، فهي لم تفعل شيئاً يستحق أن تبتعد عن حضن عائلتها، لكنها بعد مرور الأيام تصبح معتادة الدار وتنسى رويداً رويداً أن لها عائلة في الشارع القريب منها.

ماء وغاندي

مع كل هذا الحزن والعذاب النفسي والاستغلال الجسدي لهن من قبل تجار الدعارة وعلى رأسهم مديرة الدار، تظهر ملامح أمل لدى انتشار خبر وصول غاندي، وكأن في وصوله الهند خلاصهن، هن بعيدات جدا عما يحدث خلف سور الدار، لكن صيت غاندي استطاع اختراق كل الجدران، هن لا يفهمن معنى الحرية والعدالة والمساواة، لكن وقع الكلمات عليهن كان عذباً، أحببنه من دون شروط، ولم يخجلن بالبوح بهذا الحب، خصوصاً في العيد الوحيد الذي يسمح للأرامل في الهند الاحتفال بهن وهو عيد الألوان، يضحكن هذه المرة بشكل مختلف يتراشقن الصبغات على بعضهن بحب وفرح وأمل في غد يحررهن من هذا السجن، يرقصن وشويا الصغيرة ترقص معهن، و«الماء» عنوان الفيلم لم يختفِ لحظة عن الكاميرا، فهو يحيط بهن من كل صوب وجانب وكأنه املهن أو خلاصهن، ففكرة الماء في حد ذاتها هي فكرة الاستمرار، حتى لو تلوث هذا الماء أو نضب، بالعمل والأمل سيعود نقياً ووافراً، فسوء استخدام الفرد له ليس عيباً في ماهية الماء بل عيب في مستخدمه، هكذا هي الحكاية ببساطة.

التطرف قاتل

ظهور فكر غاندي وأتباعه كان في آخر الفيلم، ومع بداية نشوء علاقة بين كالياني، وناريان العضو في حزب غاندي، الذي يلتقيها مصادفة بعد هروب كلب شويا، فتذهب كالياني وشويا للبحث عنه لتجدانه في حضن ناريان، لأول مرة تشعر كالياني بالدم وقد تدفق في عروقها، لأول مرة تشعر بدفء من لمسة يديه وهو يسلمها الكلب، وهو بدوره أعجب بها من النظرة الأولى، مع شعرها المحلوق وقوامها التعب من شدة استغلاله جنسياً، وتبدأ معه نهاية الفيلم علاقة الحب بينهما، التي تكون شويا شاهدة على تفاصيلها، وأرامل الدار التعبات يدعمنها، لكن بوجود مديرة الدار الاستغلالية تسقط كل الأحاسيس التي لها علاقة بالأمل والحب، في حضرة التلويح فقط، وليس التنفيذ، بإخبار زعيم القبيلة الهندوسية بهذا التصرف المرفوض دينياً، حيث كانت بينها وبين الزواج من حبيبها خطوة، لكن الأعراف المتطرفة التي لا تتحاور إلا بلغة القتل والدم تقف عائقاً هذه المرة، ليس خوفاً على حياتها بل على حياة حبيبها، لتضع كالياني بعد ذلك حداً لكل هذا العذاب وتغرق نفسها، وصورة غاندي تلوح لها في الأفق، أن الحب سينتصر عاجلاً أو آجلاً مع أخريات لم يستسلمن للموت هرباً مثلها.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

الأكثر مشاركة