(من اليمين) عمرو واكد ونبيل المالح وحبيب عطية وخالد أبو النجا. الإمارات اليوم

سينما « الربيع العربي » آتية

كما كان متوقعاً؛ كانت السياسة هي صاحبة الصوت الأعلى في الحلقة الحوارية التي اقيمت أول من أمس، ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في دورته الخامسة حول «الربيع العربي وتأثيره في السينما في المنطقة»، فقد سيطرت الآراء السياسية على معظم مداخلات المتحدثين في الجلسة. وأجمع المشاركون أن الربيع العربي وثوراته لم تكتمل بعد، وان ما حدث مجرد بداية، يتبعها مشوار مازال طويلا حتى تصل المنطقة إلى الاستقرار وتحقق الثورات أهدافها.

ورغم نبرة التفاؤل التي ظهرت في مداخلات المشاركين عن مستقبل السينما في الفترة المقبلة، لم تخل الجلسة التي أدارها الناقد التونسي مصطفى المسناوي من أصوات حذرت من الانسياق وراء الأوهام، «فالنظم السابقة والقديمة ذهبت وتركت جيناتها لدى الجيل التالي لها»، كما ذكر المخرج السوري نبيل المالح.

وأكدت المخرجة والمنتجة السورية هالة العبدالله ثقتها بأن هناك طاقات هائلة ستخرج من رحم الثورة في سورية حاملة مقاييس ثقافة تعد بخصوصية وجرأة وبمضامين متنوعة وجميلة، لافتة إلى ان هناك نوعين من السينما تجهز الآن في سورية: تلك التي توجد في أحشاء كل سينمائي يقف في انتظار دوره لتقديم ما بداخله منذ 30 عاماً، وأخرى تأتي من شباب يراوح عمره بين 20 و30 سنة، لديهم تفتح وثقافة بدايات تغيير هائلة تجعلنا نتمسك بأن الثورة لابد ان تنجح، هؤلاء الشباب يقدمون أعمالاً قائمة على لا شيء من الناحية المادية، وبإمكانات تتمثل في شعور أصحابها بالحرية.

سينما المؤلف

واعتبرت العبدالله انه في الوقت الحالي لا توجد صناعة سينما، فهو وقت تأمل ورغبة في إمساك اللحظة وبدايات بدأت تتضح، مشيرة إلى ان الثورة السورية افرزت نوعا جديدا من السينمائيين، هؤلاء الشباب الذي كسروا حاجز الصمت المفروض على ما يجري في الداخل، إذ يظهر في كل مظاهرة شاب يحمل هاتفه المحمول ليصور لحظة نادرة جدا، ويرسلها إلى العالم عبر الانترنت، «لحظة التصوير في رأيي هي اللحظة التي يعمل فيها هذا الشخص فيلمه الأول، والذي يكون للأسف فيلمه الأخير، وهو ما أسميه (سينما المؤلف) في سورية، كما ان الطرق والوسائل التي يبتكرها الشباب كل يوم للتعبير عن ثورتهم، تمثل نوعا فريدا من الإبداع السمعي والبصري الذي سيكون له دور كبير في إثراء السينما في ما بعد».

وحول أوضاع السينما قبل الثورة، قالت «طوال 40 سنة كانت هناك مؤسسة السينما التابعة لوزارة الثقافة، والتي تقوم على الإنتاج السينمائي وتحتوى كل الطاقات والكوادر العاملة في هذا المجال، وكانت تقوم بعمل فيلم أو نصف فيلم طوال السنة رغم أن الإمكانات تساعد على إنتاج ما تراوح بين 5 و10 أفلام في السنة، وهذا الانتاج السينمائي كان يعاني من ثلاث آفات قاتلة للإبداع، هي رقابة شديدة ومزاجية، وفساد متفشٍ في المؤسسات، وروتين وبيروقراطية. كما كان هناك بين 30 و40 مخرجاً يمارسون مهمة الوقوف في الدور للسماح لهم بتقديم فيلم، بحيث يقدم المخرج فيلما أو فيلمين بعد طوال عمره»، معبرة عن أملها في ان يختفي القتل في بلدها، وان يستطيع الناس ان يعبروا أكثر.

وعبرت العبدالله عن أسفها لموقف صف من السينمائيين الذين اختاروا السلطة، وهو خيار قاتل، من بينهم المخرج نجدت أنزور، بحسب ما قالت، الذي اختار ان يلعب دور ضابط الأمن عندما خرج ليهدد مع 40 شركة انتاج بعدم التعامل مع الفنانين الذين وقعوا على بيان يدعو للسماح بتمرير الحليب إلى أطفال درعا التي تمت محاصرتها.

عجز

أشار رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية في المهرجان المخرج نبيل المالح،، إلى الاحساس بالعجز الذي ينبع من شعور بالصغر والقزمية امام الشارع الذي اثبت أنه أقوى وأجمل من جميع السينمائيين والمثقفين حتى هؤلاء الذين اعتقلوا أو شردوا.

ورأى المالح ان التعبير عن الشارع ليس سهلا، فكثيرا ما حاول الخروج حاملا كاميرته، وفي كل مرة كانت الكاميرا عرضة للتكسير، وكان يصاب بشعور بأنه صغير أمام المواطن العادي الذي خرج ثائراً وليس لديه سوى كاميرا في هاتف جوال يسجل بها ما يتعرض له، معتبرا ان المؤلف لا يستطيع ان يحيط بالحالة القائمة أو ان يغطي المساحة الشاسعة من التناقضات التي على الساحة الآن، وان يظهر درامية المشهد التي تنعكس في نشرات الأخبار اليومية. معتبراً أن السينما يمكن حاليا ان تكون شاهدا على ما يجري، ولكن تجسيد ما يجري يجب ان يأتي لاحقاً، ليس قبل ثلاث سنوات مقبلة. «فنحن نعيش حالة انقلاب تاريخي في المنطقة كلها، يسعى إلى تغيير منظومة حياتنا وعلاقاتنا بأنفسنا وواقعنا وبالكون كله».

تفاؤل تونسي

عن السينما بعد الثورة التونسية عبر المنتج التونسي الحبيب عطية عن تفاؤله بالمستقبل، وان السينما لن تعود مرة أخرى لما كانت عليه قبل الثورة، موضحا ان ردة فعل الثورة بشكل مباشر تركزت في الجانبين التشريعي والقانوني في بلده، إلا أنها خولت للسينمائيين التمركز من جديد والعمل على الابتعاد بالسينما عن السياسة وسلطة الدولة، وهي أولوية بالنسبة لهم، مشيرا إلى انه يجرى حاليا الإعداد لإطلاق مركز للسينما يضم الجمعيات التي تعمل في صناعة الأفلام، وهو تابع لوزارة الثقافة ولكن بإدارة مستقلة يقوم عليها سينمائيون، حيث يسمح تكوين هذا المركز بتوفير تمويل مادي للأفلام، كما يسمح بدخول تمويل خاص في صناعة الأفلام، وهو ما يبشر بموجة من الإنتاج السينمائي المتميز، خصوصاً في ظل حرية التعبير التي اتاحتها الثورة في تونس، وتراجع الرقابة الرسمية التي كانت تفرض على الأعمال، وكذلك الرقابة الذاتية التي يفرضها صناع العمل على انفسهم.

وأشار عطية إلى ان غالبية الفنانين والسينمائيين كانوا ضد النظام التونسي، لأنه لم يخدمهم طوال فترة حكمه، ولطالما عانى الانتاج السينمائي من نقص التمويل، بينما أعادت الثورة الهوية والشعور بالوطنية والانتماء إلى الفنانين.

دقيقة حداد

دعا الفنان المصري خالد أبوالنجا، الحضور في الجلسة للوقوف دقيقة حداداً على أرواح الشهداء في الوطن العربي، معتبراً هذا الصمت هو أبلغ رد على جدار الصمت الذي تحاول الأنظمة فرضه على شعوبها وثوراتها، كما في سورية. وأكد أبوالنجا الذي غلبت السياسة على مداخلته في الجلسة، على أهمية التركيز على ما يجمع بين الشعوب العربية والقواسم المشتركة بينها، والعمل على تعزيز هذه النقاط، وتجاهل نقاط الاختلاف.

وشدد أبوالنجا على ان الثورة في بلده لم تنجح بعد، إذ مازال أفراد النظام السابق يوجدون في دوائر صنع القرار، ولم يسقط سوى رأس النظام فقط، مشيراً إلى ان ما يشهده العالم العربي ليس اسقاط بن علي أو مبارك، ولكنه إسقاط للخوف، الذي لم يعد يصلح لحكم الشعوب مرة أخرى، وهو ما يجب ان تعيه النظم الحاكمة، معتبرا ان الانسان أو الفنان لا يملك ان يكون محايدا في ظل ما يحدث، فيجب ان يكون رأي الفنان واضحاً وصوته عالياً، حتى يكون على مستوى صوت الشارع.

وعن السينما بعد الثورة، رأى ابوالنجا الذي يقوم حاليا بتحضير فيلمه الجديد «تحرير التحرير»، ان الربيع العربي في السينما سبق الواقع، من خلال مجموعة من الأفلام التي ظهرت في العامين الماضيين تشير إلى ان هناك جيلا جديدا يطالب بالتغيير، مثل «ميكروفون»، و«هيليوبوليس»، و«حاوي». لافتاً إلى ضرورة التركيز على ابتعاد السينما عن الحكومة والفصل بينهما، مع إيجاد وسائل غير تقليدية لإنتاج الأفلام، مثل الانتاج عن طريق النقاط، بحيث يقوم كل شخص بالمشاركة في الفيلم وفقاً لتخصصه ومجاله، إضافة إلى المساهمة المادية، وهو ما يقوم بدراسته مع مجموعة من السينمائيين يشكلون مجموعة «تيم كايرو»، مؤكدا أن عصر النجم الديكتاتور الذي يتحكم في الفيلم والمشاركين فيه انتهى ولن يعود، كما بدأت فكرة القوائم السوداء للفنانين تتلاشي، «وعلينا جميعا ان ننسى ما مضى ونفكر في ما هو مقبل».

اكتتاب

وجد الفنان المصري عمرو واكد في الأفلام المصرية المشاركة في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي هذا العام مثل «التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي»، و«18 يوم»، تعكس شكلاً جديداً للسينما المصرية والعربية، مشيراً إلى ان الربيع العربي سيمنح مساحة أكبر للأفلام المستقلة على الساحة، وان يظهر كثير من الفنانين الشباب، كما سيشجع المنتجين وصناع السينما على المغامرة بانتاج أفلام مستقلة بميزانية كبيرة، وظهور انماط انتاجية جديدة مثل الانتاج بالاكتتاب، الذي اعتبره واكد مستقبل السينما في الفترة المقبلة، حيث يتم تحديد ميزانية الفيلم وطرحه للاكتتاب العام، وبهذه الطريقة يكون الجمهور أيضا شريكا في الفيلم، وهو ما يسهم في تغيير ذوق الجمهور والابتعاد به عن السينما التجارية.

وانتقد واكد المواقف «المخزية» لبعض النجوم والفنانين تجاه الثورة، موضحا انه يرحب بالاختلاف في الرأي، ولكن يرفض ان يتحول الرأي إلى شهادة عن أحداث ووقائع لم يرها صاحب الشهادة نفسه.

وأضاف«عندما نزلت إلى الشارع في الثورة، لم أنزل كفنان او نجم، ولكن كإنسان ومواطن عادي يرغب في ان يرى بعينه حقيقة ما يحدث، حتى أتمكن من ان أكون شاهدا في مواجهة أصحاب الرأي، وأنا لا استطيع ان أحقر من الرأي الآخر الذي اختلف معه، ولكن علينا ان نحقر من الرأي الكاذب، والذي يظن أن حب الشعب له يعطيه الحق في ان يضلل الناس، أو أن يقود هجوماً على الحق، فهو لا يستحق حب الشعب له».

الأكثر مشاركة