اتفاق «الدار» مع حكومة أبوظبي مكّن السهم من تعويض نسبة من خسائره الكبيرة طوال الفترة الماضية. الإمارات اليوم

اتفاق حكومة أبوظبي مع «الدار» يبعــث آمالاً في صعود الأسهم المحلية

توقع محللون ماليون أن يسهم ما وصفوه بالسخاء الكبير الذي أظهرته حكومة أبوظبي في معالجة جانب من مشكلات السيولة في شركة «الدار» العقارية، من خلال ضخها نحو 17 مليار درهم في الشركة، في دفع مؤشرات أسواق الأسهم المحلية للصعود لفترة، لاسيما بعد أن ارتدت من أدنى قاع وصلت إليه في فبراير .2009

وقالوا إن أهمية الخطوة التي أقدمت عليها حكومة أبوظبي بشراء أصول من واحدة من كبرى الشركات العقارية التي تواجه مديونية عالية، تكمن في أنها تندرج في إطار تعويض الدورة الاقتصادية بموارد من إيرادات الحكومة متأتية من خارج الدورة الاقتصادية، وليست من قروض مصرفية استلفتها الحكومة من مصارف محلية.

وأشاروا إلى أن ما يدعم الاتجاه الصعودي للمؤشرات، أن الأسواق في العام الجديد ستكون تخلصت نسبياً من ضغوط البيع التي نتجت عن قيام شركات وساطة بالبيع قبل نهاية العام، لتسوية الحسابات المكشوفة، كما أنها تخلصت من تجنيب بنوك عاملة في الدولة، زيادة المخصصات للاستثمار في الأسهم قبل تقفيل ميزانية العام.

وكانت شركة الدار العقارية أعلنت توصلها إلى اتفاق مع حكومة أبوظبي، يتضمن بيع وحدات عقارية، وتحويل أصول، ودفع تعويضات، مقابل مبلغ إجمالي بلغ 16.8 مليار درهم.

وأفادت في بيان صدر عنها، بأنه وبموجب الاتفاق، اشترت حكومة أبوظبي 760 وحدة سكنية في شاطئ الراحة، مقابل 3.5 مليارات درهم، وتحتفظ «الدار» ببقية الوحدات المتاحة للشراء أو «الاستئجار بغرض التملك».

ووافقت حكومة أبوظبي على أن تدفع لـ«الدار» خمسة مليارات درهم، تعويضاً عن أصول البنية التحتية القائمة حالياً، وكذلك تلك التي سيكتمل إنشاؤها في شاطئ الراحة.

كسر قاع 2009

وتفصيلاً، قال المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همام الشمّاع، إنه «على الرغم من الأداء الجيد للأسواق العالمية، والأداء الصعودي الذي استهلت به التداولات في أول أيام الأسبوع الماضي، فإن مؤشر سوق الإمارات الذي واصل المسار الهابط الذي بدأه منذ الـ19 من يوليو الماضي، كسر الحاجز النفسي المهم، وهو القاع الذي وصل إليه المؤشر عند مستوى 2287 نقطة في الرابع من فبراير 2009»، موضحاً أن «المؤشر هبط إلى مستوى 2283 نقطة قبل أن يرتد بقوة إثر السخاء الكبير الذي أظهرته حكومة أبوظبي في معالجة جانب من مشكلات السيولة من خلال ضخها نحو 17 مليار درهم في شركة الدار العقارية».

وأضاف الشماع، أن «مؤشر سوق دبي المالي هبط أيضاً إلى مستوى 1319 نقطة الثلاثاء الماضي، وهي أدنى من قاع 2009 التي كانت عند 1440نقطة، ضمن موجة هبوط خامسة تلت الهبوط الكبير في النصف الثاني من عام 2008».

مزايا التخفيف الكمي

قال المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همام الشمّاع، إن التمويل وفقاً لأسلوب التخفيف الكمي يتم بصورة حسابية وليس من خلال طبع عملة وضخها في الأسواق.

وأكد أن «مثل هذا الضخ الحسابي الذي تقابله سندات تصدر لمصلحة الجهة التي تقوم بالشراء، وهي المصرف المركزي، يكون قابلاً للاسترجاع»، موضحاً أنه بعد أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها، فإنه يمكن استرجاع السيولة المحاسبية التي تم ضخها في الاقتصاد، عن طريق إعادة بيع السندات للجهة نفسها التي باعتها في الأصل».

وأشار إلى أن «تطبيق هذه السياسة في الإمارات لا ينطوي على مخاطر تضخمية، إذ إن هناك دلائل قوية على نجاح سياسات التخفيف الكمي في العديد من دول العالم، ومنها اليابان والولايات المتحدة التي تمكنت بفضل هذه السياسة من معالجة الكثير من جوانب الخلل التي تولدت في أعقاب الأزمة المالية العالمية».

وأفاد أن «التخفيف الكمي بما له من آثار توسعية في الاقتصاد، فإنه يمكن أن يوازن الأثر التقلصي الذي يحدثه نزف الموارد الناجم عن تسيد الديون، وتالياً فهو يعتبر الحل الذي يستكمل الخطوة التي بدأتها حكومة أبوظبي بشراء أصول من شركة الدار العقارية».

وأشار إلى أنه «كان من المحتمل أن تسجل مؤشرات الأسواق المحلية قيعان جديدة أعمق من قاع ما بعد الأزمة في العام الجديد ،2012 لولا هذا التدخل الحكومي المهم، الذي إن تواصل، فإنه قد يشكل بداية لمسار التعافي الاقتصادي، وينتشل الأسواق من تبعات الأزمة المالية العالمية»، لافتاً إلى أنه على الرغم من تلك الخطوة الحكومية المهمة، فإن مؤشر سوق دبي، وعلى الرغم من ارتداده القوي الأربعاء الماضي، فإنه ظل دون مستوى قاع ما بعد الأزمة المالية العالمية».

واعتبر الشماع أن الخطوة التي أقدمت عليها حكومة أبوظبي بشراء أصول من واحدة من كبرى الشركات العقارية المكبلة بمديونية عالية، تندرج في إطار تعويض الدورة الاقتصادية بموارد من إيرادات الحكومة، وهي في الغالب متأتية من خارج الدورة الاقتصادية (إيرادات النفط).

ونبه إلى أنه «لو كانت الأموال التي سيتم بها شراء أصول من (الدار)، من قروض مصرفية استلفتها الحكومة من مصارف محلية، فإن أثرها لن يكون تعويضاً للدورة الاقتصادية، ذلك لأن هذا الشراء على المستوى الكلي للاقتصاد لن يعدو كونه إعادة توزيع للسيولة داخل الاقتصاد الواحد وفي ما بين الوحدات الاقتصادية»، مؤكداً أهمية أن يكون التعويض المطلوب لدورة الأعمال والدخل معتمداً على موارد متأتية من خارج الدورة الاقتصادية لعموم الاقتصاد الوطني، مع ضرورة استبعاد الحل السهل، وهو لجوء الحكومة إلى صناديق سيادية لسداد ديون كيانات حكومية تستحق العام المقبل، فضلاً عن استبعاد بيع الأصول أيضاً في هذه الظروف الدولية غير المناسبة.

إدارة اتحادية للديون

وخلص الشماع إلى أن «الحلول الوحيدة والسريعة والممكنة حالياً للتعامل مع مسألة سداد الالتزامات المالية المستحقة على الشركات في العام الجديد، تكمن في جانبين، أولهما إيجاد جهة اتحادية تدير استراتيجياً الديون المستحقة على المدينين كافة، والمستحقة بالعملات الأجنبية لجهات خارجية».

واقترح ألا يكون لتلك الجهة صفة رسمية، وأن يتم سداد الديون من موارد الدولة من حصيلة القطع الأجنبي، وبما لا يؤثر في ميزان مدفوعات الدولة، يستوجب أن يكون السداد منسقاً ومنتظماً عبر الزمن، وبأقل كلفة ممكنة، من خلال ما يعطيه التعامل مع مجموع الديون من قوة تفاوضية للجهة المفاوضة، تمكنها من خفض كلفة خدمة هذه الديون في حال إعادة التمويل».

وأضاف أنه «سيكون بإمكان هذه الجهة من خلال ما يتوافر لها من رؤية شمولية للاقتصاد والسيولة، بالتعاون مع المصرف المركزي، الإشراف على أوضاع الائتمان المحلي، ومراعاة عدم خروج القروض المحلية لتسوية ديون خارجية بأكثر من الموارد التعويضية للدورة الاقتصادية، وبما يضمن عدم تقلص دورة الدخل القومي».

وذكر الشماع أن «الجانب الثاني من الحلول الممكنة هو توفير موارد تعويضية لدورة الأعمال، تساوي على الأقل قيم السداد السنوية للديون إذا كان الهدف الحيلولة دون مزيد من الضغوط الركودية، أو زيادة الموارد التعويضية لأكثر من قيم السداد إذا كان الهدف إنعاش الاقتصاد».

وأكد أن «توفير هذه الموارد يمكن أن يتم سواء من خلال تخصيص جزء أكبر من موارد النفط لتعويض الدورة الاقتصادية، أو من خلال اتباع سياسة التخفيف الكمي، التي تعد البديل لكل الإجراءات غير الفعالة التي تم اتخاذها فعلياً لدعم ملاءة المصارف والتي لم يكن لها أي اثر في معـالجة شح السيولة.

تعويض خسائر

من جهته، قال المدير المالي الأول في شركة ضمان للاستثمار، وليد الخطيب، إن «أسواق الأسهم المحلية تأثرت بعنصرين رئيسين في الأسبوع الماضي، أولهما وصول المؤشرات إلى مستويات دعم جيدة مكنتهما من الارتداد صعوداً، فضلاً عن ما تم إعلانه عن دخول شركة الدار العقارية في شراكة مع حكومة أبوظبي».

وأفاد بأن «خبر (الدار) مكّن السهم من تعويض نسبة من خسائره الكبيرة التي تحققت بعد نزول حاد ومستمر طوال الفترة الماضية، بسبب مخاوف من قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها، وتداول شائعات عن أنها ستلغي إدراجها في أسواق الأسهم»، لافتاً إلى أنه على الرغم من أهمية الخبر، فإن المتعاملين في السوق لاحظوا بوضوح وجود تسريب للمعلومات، وعدم شفافية في إعلان الخبر، إذ حدثت تعاملات شراء مكثفة وغير منطقية قبل إعلان الخبر، ما أدى إلى ارتفاع السهم بنسبة كبيرة على خلاف العادة».

ونبه الخطيب إلى أن «التأثير الإيجابي لخبر (الدار) قد يستمر فترة، إلا أنه لن يدوم طويلاً، إذ أصبح المستثمرون يحللون أي خبر إيجابي قبل التفاعل معه».

وأرجع ذلك إلى أن «الخبر يظهر أن الشركة باعت أصولها مضطرة تحت ضغط الديون إلى الحكومة، ما يعني أنها لن تحقق ربحية كبيرة من بيع تلك الأصول، التي كان يمكن تحقيقها في غير تلك الظروف الاستثنائية»، مستدركاً أن تلك الصفقة كانت جيدة في التوقيت الحالي، إذ إنها ستنقذ الشركة من وضعها المالي، وستمكنها من سداد التزاماتها المستقبلية.

حسابات مكشوفة

بدوره، توقع المحلل المالي في شركات وساطة إسلامية، مصطفى حسن، أن يسهم خبر الشراكة بين شركة «الدار» وحكومة أبوظبي في دفع مؤشرات أسواق الأسهم المحلية للارتفاع في بداية العام الجديد.

وفسر ذلك بأن «أسواق الأسهم المحلية كانت في حاجة ماسة إلى قيام مؤسسات كبرى حكومية أو شبه حكومية بقيادة الأسواق نحو الارتفاع، من خلال ضخ سيولة جديدة خلال المرحلة المقبلة، وهو ما تحقق عبر صفقة الشركة مع الحكومة»، مشيراً إلى أن ما يدعم الاتجاه الصعودي للمؤشرات، هو أن الأسواق في العام الجديد ستكون تخلصت نسبياً من ضغوط البيع التي نتجت عن قيام شركات وساطة بالبيع قبل نهاية العام لتسوية الحسابات المكشوفة، إضافة إلى تخلصها من قيام البنوك العاملة في الدولة بتجنب زيادة المخصصات للاستثمار في الأسهم قبل تقفيل ميزانية العام.

الأكثر مشاركة