انخفاضات البورصات العالمية والأوضاع الاقتصادية في أوروبا أدّيا إلى سيطرة حالة نفسية سيئة على المستثمرين. الإمارات اليوم

مخاوف سحب الأجانب ودائعهم تعـيـد الجـمـود إلـى أسـواق الأسـهـم

أجمع محللون ماليون على أن أداء أسواق الأسهم المحلية أصبح لا يتناسب تماماً مع مؤشرات النمو الاقتصادي للدولة، التي تسير في اتجاه الانتعاش.

وقالوا إن انخفاضات البورصات العالمية، والأوضاع الاقتصادية المتردية في عدد من الدول الأوروبية أديا إلى سيطرة حالة نفسية سيئة على المستثمرين، جعلتهم ينظرون إلى الأمور نظرة سلبية جعلت الأسواق المحلية تقتفي أثر البورصات العالمية، وتتجاهل تماماً أي مقومات اقتصادية إيجابية على المستوى المحلي، مثل معدلات النمو المتوقعة، وارتفاع أسعار النفط، وزيادة الإنفاق الحكومي على المشروعات.

وأشاروا إلى أن التراجع الحاد الذي شهدته الأسواق المحلية خلال الأسبوع الماضي، جاء نتيجة مخاوف من تكرار مسألة سحب الودائع المصرفية من قبل الأجانب، التي جرت في الربع الأول من عام 2008 بقيمة تزيد على 170 مليار درهم، تم سحبها بعد أن وفدت إلى الدولة كأموال ساخنة تبحث عن المضاربة في العملة المرشحة حينذاك لإعادة تقييمها، لافتين إلى أن الأسواق المحلية تخشى الآن من أن حاجة المصارف الأوروبية إلى سيولة عالية قد يدفعها إلى سحب المزيد من الودائع من الأسواق المحلية، وبما يؤدي إلى تفاقم أزمة شح السيولة المحلية، وينعكس بدوره على الأسواق المالية.

التخفيف الكمّي

شدد المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همام الشمّاع، على أهمية اتباع الإمارات أسلوب التخفيف الكمي، كحل لمسألة القروض العالقة في الاستثمار العقاري، سواء بالنسبة للمقاولين أو المطورين. وقال إن «الإمارات ــ وبخلاف الدول المتقدمة سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة ــ لم تغرق في ديون استهلاكية لا يقابلها إنتاج، فالإقراض المفرط في الإمارات اتجه نحو بناء مشروعات عمرانية وعقارية تنتظر من يشتريها، ولولا الأزمة المالية العالمية لكانت بيعت جميعها ولتم تسديد أثمانها وقروضها». وأقر الشماع بأن «التخفيف الكمي قد يكون أسلوباً غير تقليدي، وهناك من يتحفظ عليه وعلى المخاطر التي قد تترتب عليه، لكن بالمقابل، فإن بقاء الأوضاع الراهنة من دون إجراءات تسرع التعافي والخروج من حالة الركود هذه قد يجعل الاقتصاد يتخلف عن مسار نهوض الاقتصاد العالمي من حيث تسارع وتيرة النمو المتوقعة في النصف الثاني من العام المقبل». ودعا إلى البحث عن بديل تمويلي يضمن تدفق السيولة في القنوات الاقتصادية كافة، ويعيد الانتعاش إلى ثاني أكبر اقتصاد عربي، وأول اقتصاد عربي من حيث كفاءة الأداء، كما يجب أن يكون هدف السياسات المالية والنقدية في الدولة والتنسيق في ما بينها هو الوسيلة الأكثر فاعلية للوصول إلى النتائج المتوخاة. وأضاف أن «ركود الأعمال نتيجة تراجع الإنفاق سيعيد ظاهرة (التمسك بالسيولة) ويعمق من ظاهرة الشح النقدي، إذ يشعر الأفراد وحتى المؤسسات العائلية ولأسباب نفسية بضرورة الاحتفاظ بالمال بصورته الأكثر سيولة، وهي العملة، خصوصاً إذا ما كانت هناك مخاوف من حدوث انهيارات في المصارف مثلما حدث بعد النصف الأول من العام ،2008 الذي دفع الحكومة الاتحادية لضمان الودائع»، موضحاً أن «هذه الظاهرة تتحول في حالة الاطمئنان إلى سلامة المصارف إلى التمسك بالأموال في صورتها الأقل سيولة، في صورة ودائع لدى المصارف الآخذة بالتزايد بصورة كبيرة في الآونة الأخيرة».

واقترح المحللون عدداً من الإجراءات لإخراج أسواق الأسهم المحلية من عثرتها الحالية، مثل اتباع الدولة أسلوب التخفيف الكمي كحل لمسألة القروض العالقة، وطرح عدد من الشركات الحكومية الناجحة للاكتتاب العام في السوق الأولية، من أجل زيادة عمق السوق الثانوية وإعادة السيولة والنشاط لأسواق التداول، فضلاً عن ضرورة مبادرة الشركات النشطة المصدرة للأسهم بالقيام بعمليات إفصاح طوعية عن أدائها في المستقبل القريب لجعل المستثمرين يتمسكون بالأسهم إلى حين تحسن الأوضاع العالمية، ويوقفون عمليات البيع العشوائي التي تتم من دون مبرر منطقي، مشددين على ضرورة مواجهة ظاهرة تجاهل الجهات المشرفة على أسواق الأسهم المحلية لما يحدث، وعدم طرح أي مبادرات إيجابية تنقذ الأسواق، وأقلها الخروج بتصريحات توضح بشفافية تداعيات أزمة أوروبا على اقتصاد الإمارات والمنطقة لمواجهة العامل النفسي الذي يتضخم تأثيره السلبي يوماً بعد يوم.

سحب الودائع

وتفصيلاً، ذكر المستشار الاقتصادي لشركة الفجر للأوراق المالية، الدكتور همام الشمّاع، أن «قيم التداول في أسواق الأسهم المحلية واصلت التراجع في الأسبوع الماضي بتأثير من تضافر العوامل المحلية والعالمية، وصاحب ذلك تحقيق مؤشر سوق الإمارات (حتى يوم الثلاثاء الماضي) أعلى نسبة تراجع منذ 21 أغسطس الماضي»، موضحاً أن «مؤشر سوق الإمارات خسر 9.6٪ من قيمته منذ تفاقم التصعيد الإعلامي في مطلع مايو الماضي بشأن الديون الأوروبية».

وقال إن «تراجعات الأسبوع المنقضي تزامنت مع عوامل محلية أعطت إشارات سلبية إلى الأسواق، تمثلت في تراجع الودائع خلال أغسطس الماضي بنحو 35 مليار درهم وفقاً لآخر البيانات التي أصدرها المصرف المركزي، التي كان سبقها تراجعات بقيمة 12.4 مليار في قيمة الودائع في يوليو المنصرم»، مضيفاً أن «هذه الإشارات المحلية السلبية تزامنت مع تفاقم الاحتجاجات في اليونان ضد الإجراءات التقشفية التي تتخذها الحكومة، ومع ما تناقلته الأخبار من تصريحات لرئيس الوزراء البريطاني السابق، غوردون براون، تفيد بأن مسالة ديون أوروبا باتت من دون حل».

وفسر الشماع، التراجع الحاد نسبياً في الأسواق المحلية يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، بتولد مخاوف من أن تتكرر مسألة سحب الودائع المصرفية من قبل الأجانب، التي جرت في الربع الأول من عام 2008 بقيمة تزيد على 170 مليار درهم، تم سحبها بعد أن وفدت إلى الدولة كأموال ساخنة تبحث عن المضاربة في العملة المرشحة حينذاك لإعادة تقييمها».

واستطرد «مثل هذا الأمر أنتج فجوة بين القروض والودائع لمصلحة القروض، أجبرت المصارف على التوقف عن منح القروض»، موضحاً أن «الأسواق المحلية تخشى الآن من أن حاجة المصارف الأوروبية إلى سيولة عالية قد تدفعها إلى سحب المزيد من الودائع من الأسواق المحلية، وبما يؤدي إلى تفاقم أزمة شح السيولة المحلية، وينعكس بدوره على الأسواق المالية».

مخاوف غير واقعية

وأكد الشماع أن «هذه المخاوف غير واقعية فليس كل الودائع غير المقيمة يمكن أن تسحب من الدولة، إذ إن نسبة ودائع غير المقيمين لم تهبط تاريخياً إلى 5٪ من ودائع المقيمين».

وأشار إلى أنه «بافتراض هبوط ودائع غير المقيمين إلى نسبة 5٪ من ودائع المقيمين، فإن المتبقي لن يقل عن 50 مليار درهم، لذا فإن أقصى ما يمكن أن يتم سحبه من الودائع غير المقيمة هو 25 مليار درهم أخرى».

وبين أنه «في حال سحب هذا المبلغ، فإن الفجوة بين الودائع والقروض ستكون صفراً، أي لن تكون سالبة كما حدث في 2008؛ ومن ناحية أخرى، فإن السيولة الموظفة في شهادات الإيداع لدى البنك المركزي كافية لتغطية أي سحب للودائع غير المقيمة»، لافتاً إلى أنه «حتى يوليو الماضي كانت قيمة شهادات الإيداع تزيد على قيمة مجموع ودائع غير المقيمين، إذ كانت 118 مليار درهم، وبذلك فإن الخشية من أن تتكرر الحالة التي مر بها النظام المصرفي الإماراتي في 2008 مستبعدة تماماً».

نظرة سلبية

من جهته، قال رئيس الاستثمارات في مجموعة شركات الزرعوني، وضاح الطه، إن «أسواق الأسهم المحلية شهدت تداولات محدودة للغاية في الأسبوع الماضي بسبب سيطرة حالة نفسية سيئة على المستثمرين جعلتهم ينظرون للأمور نظرة سلبية تماماً، في ظل انخفاضات البورصات العالمية والأوضاع الاقتصادية المتردية في عدد من الدول الأوروبية»، مضيفاً أن «هذه النظرة السلبية التي تراكمت على مدى أربعة أشهر جعلت الأسواق المحلية تقتفي آثر البورصات العالمية، وتتجاهل تماماً أي مقومات اقتصادية إيجابية على المستوى المحلي مثل معدلات النمو المتوقعة، وارتفاع أسعار النفط، وزيادة الإنفاق الحكومي على المشروعات».

وانتقد الطه تجاهل الجهات المشرفة على أسواق الأسهم المحلية لما يحدث، وعدم طرح أي مبادرات إيجابية تنقذ الأسواق، أقلها الخروج بتصريحات توضح بشفافية تداعيات أزمة أوروبا على اقتصاد الإمارات والمنطقة لمواجهة العامل النفسي الذي يتضخم تأثيره السلبي يوماً بعد يوم»، داعياً إلى ضرورة مبادرة الشركات النشطة المصدرة للأسهم بالقيام بعمليات إفصاح طوعية عن أدائها في المستقبل القريب، لجعل المستثمرين يتمسكون بالأسهم إلى حين تحسن الأوضاع العالمية، ويوقفون عمليات البيع العشوائي التي تتم من دون مبرر منطقي.

وأكد الطه أهمية اتخاذ إجراءات حكومية تحفيزية لأسواق الأسهم المحلية، سواء بعمليات شراء انتقائية للأسهم بواسطة جهات حكومية أو شبه حكومية، إذ سيكون التدخل في هذه الحالة لا يتناقض مع حرية الأسواق، بل يعد نوعاً من الحماية للاقتصاد من التأثير المبالغ فيه لعوامل خارجية».

واقترح أن «تطرح الحكومة عدداً من الشركات الحكومية الناجحة للاكتتاب العام في السوق الأولية من أجل زيادة عمق سوق التداول الثانوية»، مسوغاً ذلك بأن «الإقبال المتوقع من المستثمرين على الاكتتاب في أسهم هذه الشركات سيعيد جزءاً من السيولة، التي تقدر بنحو 60 مليار درهم في البنوك، إلى أسواق الأسهم، وفضلاً عن ذلك سيقبل المستثمرون على تداول تلك الأسهم بعد إدراجها في السوق الثانوية، ما سيعيد الثقة والنشاط إلى أسواق الأسهم بشكل عام».

انفصال فعلي

بدوره، نبه رئيس إدارة الأصول في «شعاع كابيتال»، فادي برغوتي، إلى وجود انفصال فعلي بين أداء أسواق الأسهم المحلية ومؤشرات النمو الاقتصادي التي تسير في اتجاه الانتعاش.

وعزا ذلك إلى تزايد مساحة انعدام الثقة في أوساط المستثمرين في الفترة الأخيرة نتيجة الأداء غير المستقر للشركات المدرجة في الأسواق، واعتماد نتائجها الفصلية على إيرادات طارئة لمرة واحدة.

وقال إن «الاقتصاد الإماراتي يأتي ضمن ثلاثة اقتصادات عربية مرشحة لتسجيل معدلات نمو مرتفعة، وتعد الأسواق الإماراتية الأكثر جاذبية للمستثمرين في المستقبل القريب، لاسيما أن أسعار الأسهم ومكررات الربحية تعتبر الأفضل على صعيد المنطقة والأسواق الناشئة بشكل عام».

وأشار إلى أن «تراجع ثقة المستثمرين في أداء الشركات، تزامن مع دخول الأسواق العالمية منعطفاً خطيراً بسبب أزمة الديون الأوروبية، التي تنذر بمرحلة من الركود المزدوج، الأمر الذي قد يقود إلى إرجاء تعافي الأسهم إلى العام المقبل»، لافتاً إلى أن «انضمام الأسواق الإماراتية إلى مؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة المتوقع الإعلان عنه خلال شهر ديسمبر المقبل، ربما سيكون عاملاً محفزاً على عودة التعافي للأسهم، حتى إن لم يكن هو السبب الرئيس لذلك».

الأكثر مشاركة