مكاتب استشـارات محليـة تشكـو سيطرة «الأجنبية» وعقود «الأمر المباشر»

خبير: معظم دراسات المكاتب الاستشارية الأجنبية لا يستفاد منها وتشكل هدراً في المال العام. أرشيفية

حذّرت شركات ومكاتب استشارية في أبوظبي من سيطرة الشركات الأجنبية على قطاع الاستشارات الاقتصادية والمالية في الإمارة، وتراجع دور الشركات المحلية بشكل حاد، لافتين إلى أن وزارات أسندت أخيراً العديد من أعمال الاستشارات إلى مكاتب استشارية أجنبية بـ«الأمر المباشر» دون منافسة مع المكاتب المحلية.

وكشف مسؤولون في تلك الشركات عن أن بعض المكاتب المحلية تواجه مخاطر الإفلاس، وقد تضطر إلى إغلاق أبوابها، نتيجة فقدانها جانباً أساسياً من عملها، وهو العقود الحكومية لمصلحة شركات أجنبية، داعين الجهات المعنية إلى وضع تشريعات جديدة، تنظم عمل شركات الاستشارات المحلية والأجنبية، بشكل يدعم المنافسة لمصلحة الاقتصاد الوطني.

من جانبه، اعتبر مدير إدارة التسجيل التجاري في دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي، على النعيمي، أن «الإمارات سوق مفتوحة تستطيع فيها مختلف الشركات المنافسة، وفقاً للقوانين المعمول بها»، مؤكداً أن «جودة الخدمات فقط هي التي تحكم العمل». داعياً الشركات المحلية إلى «تحسين خدماتها وإنتاجيتها لتصمد في ظل المنافسة الشرسة في السوق».

إلى ذلك، أوضح مدير إدارة التسجيل التجاري في وزارة الاقتصاد، أحمد الحوسني، أن «إسناد بعض الوزارات العقود بـ(الأمر المباشر)، خارج اختصاص الوزارة»، مؤكداً «عدم وجود توجه لإعادة النظر في القوانين التي تحكم عمل الشركات الاستشارية في الوقت الراهن».

وأشار إلى «توجه الوزارة لجذب الشركات الأجنبية في المجالات كافة، لما لها من خبرة واسعة، وقدرتها على اجتذاب التكنولوجيا المتقدمة للدولة».

عقود الأمر المباشر

وتفصيلاً، قال المدير العام لشركة «تروث للاستشارات الاقتصادية»، رضا مسلم، إن «عدداً من الشركات ومكاتب الاستشارات الاقتصادية المحلية، تواجه الآن ركوداً كبيراً، وتراجع نشاطها بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، بعد أن فقدت شريحة أساسية من عملها نتيجة اتجاه وزارات إلى منح عقود الاستشارات بـ(الأمر المباشر) إلى مكاتب استشارية أجنبية، دون مناقصات أو منافسة مع المكاتب المحلية».

وأوضح أن «الأشهر الماضية شهدت تدفقاً من جانب شركات استشارات أجنبية للعمل في دول الخليج العربي عموماً، وأبوظبي خصوصاً، بعد تأثر نشاطها في بلدانها الأصلية بشدة، بسبب تداعيات الأزمة المالية».

وتابع «لسنا ضد عمل هذه المكاتب الكبرى في الإمارة، فهي تتمتع بنقاط قوة كثيرة، ومناطق نفوذ لا يمكن إنكارها، لكننا ندعو إلى أن يكون ذلك في ظل منافسة شريفة بين الشركات المحلية والأجنبية»، كاشفاً عن أن «مكاتب محلية تقدمت بعروضها فعلاً، مقرونة بدراسات جدوى لتنفيذ عقود معينة، إلا إنها فوجئت باعتذار مسؤولين في وزارات معينة، بذريعة أن مسؤولين كباراً في تلك الوزارات أسندوا العمل بـ(الأمر المباشر) لمكاتب أجنبية».

وأضاف «لدى العديد من هذه المكاتب الأجنبية خبرات كبيرة، لابد من الاستفادة منها، إلا أن الواقع الفعلي يؤكد أن معظم دراسات هذه المكاتب لا يستفاد منها، لأنها تعمل وفقاً لبيئات استثمارية مختلفة تماماً في بلدانها، ووفقاً لتشريعات وقوانين مختلفة، فضلاً عن المناخ الاقتصادي والسياسات المالية والنقدية المختلفة، والثقافات والأنماط الغريبة تماماً عن المجتمعات العربية».

وأكد مسلم أن «هذه المكاتب تحصل على أجور تراوح بين ثلاثة وأربعة أضعاف المكاتب المحلية، وتقدر بالملايين»، مشيراً إلى أن «جانباً من هذه الظاهرة يرجع إلى أن بعض المسؤولين الكبار في الوزارات، تلقوا تعليماً وتدريباً في بعض الدول الأوروبية، وأصبحوا لا يثقون إلا في عمل هذه المكاتب ذات السمعة العالمية».

منافسة غير عادلة

ويتفق استشاري الصناعة وشؤون الأعمال، سامي متيني، مع هذه الرؤية، ويرى أن «هذه المكاتب استحوذت على الحصة الأكبر من سوق الاستشارات، ولم تترك إلا (الفتات) للمكاتب المحلية»، مؤكداً أن «المنافسة غير عادلة، وأن الأزمة العالمية التي أثرت في أسواق الدول الكبرى بشدة، وراء وجود هذه الشركات في دول الخليج العربي التي لم تتأثر بالأزمة بشكل كبير».

وقال متيني، الذي يعمل مستشاراً للتسويق في مجال الإنترنت في شركة أجنبية، إن «بعض الشركات المحلية تتحمل جانباً من المسؤولية عن ذلك»، لافتاً إلى أنه «لا يتم إدراج مواقع الشركات المحلية على خارطة البحث عبر الإنترنت، كما لا يتم تحديث المواقع بشكل يتناسب مع الكلمات التي يتم البحث عنها، عكس الشركات الكبرى التي تحرص على الوجود على الإنترنت، وتحديث مواقعها بشكل دائم وجذاب».

وأوضح أن «ذلك يضعف من مكانة الشركات المحلية، وفرصها في العمل في ضوء تنامي مكانة الإنترنت حاليا».

وأضاف أن «جانباً من السيطرة الأجنبية، يعود إلى ما يمكن أن نسميه (عقدة الخواجة)، والتأثر بالغرب والرغبة في تقليده، في كل شيء، فضلاً عن أن هذه المكاتب تمتلك خبرة في تسويق نفسها بشكل جيد، على الرغم من أن العديد من مكاتب الاستشارات العربية، أثبتت جدارة كبيرة في الفترة الماضية، وحصلت على تصنيف دولي رفيع المستوى».

وأكد أن «بعض المسؤولين في وزارات الدولة، لا يطلبون دراسات محددة من الشركات الأجنبية، بل يسألون عما تستطيع تقديمه، وليس ما يحتاجونه فعلاً، ما يؤدي إلى هدر في المال العام دون معنى، إذ إن بعض هذه الدراسات لا تستخدم ولا يستفاد منها».

ولفت إلى أن «حل هذا الوضع يتمثل في إصدار وزارة الاقتصاد ودائرة التنمية الاقتصادية، والمجلس الوطني الاتحادي، تشريعات صارمة تنظم عمل المكاتب الاستشارية، لضمان وجود منافسة عادلة بين المكاتب المحلية والأجنبية العاملة في السوق».

وبيّن أن «بعض الشركات الأجنبية تمتلك خبرة واسعة في مجال الاستشارات، كما تعمل وفقاً لنظام مؤسسي مدروس، وليست مرتبطة بفرد واحد كما هي حال الشركات العربية عموماً، كما توظف كفاءات عالية في مختلف المجالات، ما يتيح لها العمل بشكل واسع، واجتذاب ثقة العملاء من مختلف أنحاء العالم».

وفي السياق ذاته، قال المهندس الاستشاري، أحمد سليمان، إنه عمل مع مكاتب أوروبية كبيرة، خصوصاً مكاتب استشارات هولندية وسويسرية، مبيناً أن «العرب تنقصهم مهارة تسويق أنفسهم، ووضع أسس صارمة ومنظمة للعمل، والاستفادة من تراكم الخبرات السابقة».

إلى ذلك، قال مسؤول في إحدى شركات الاستشارات الأجنبية الكبرى التي تمارس عملها في الدولة منذ أكثر من خمس سنوات، إن «الشركات الأجنبية أسهمت بدور كبير في تحسين بيئة الاستثمار والأعمال في أبوظبي، من خلال الدراسات التي قامت بها، والتوصيات والمقترحات التي توصلت إليها»، مؤكداً أن «جميع الأموال التي حصلت عليها هذه الشركات كانت مستحقة تماماً، وتتوازى مع العمل الذي قامت به».

ورأى المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن «استمرار تكليف بعض هذه الشركات الأجنبية، يعد دليلاً على نجاحها وتميزها وقدرتها على إحداث تطوير في مناخ الاقتصاد والأعمال في الدولة»، لافتاً إلى أن «بعض المكاتب المحلية غير قادرة على المنافسة، وتتبع أساليب قديمة في العمل، لا تحقق النتائج نفسها للشركات الكبرى، التي كوّنت خبرة متراكمة فريدة في مختلف الأسواق، على مدار السنوات الماضية، ساعدت على استحواذها على نسبة تستحقها في السوق الإماراتية».

وأكد أن «نسبة الأعمال المسندة بـ(الأمر المباشر) ضئيلة، وأن المنافسة الحرة لاتزال تحكم عمل مختلف شركات الاستشارات في السوق».

تويتر