خسائـر الخليـج مــن «الأزمــة» تفوق مساهمته في الاقتصاد العالمي

قال خبراء ومحللون اقتصاديون إن « أزمة الركود الحادة التي يمر بها الاقتصاد العالمي أظهرت التناقض الشديد بين حجم مساهمة الاقتصادات الخليجية في الاقتصاد العالمي، وبين حجم الخسائر التي تعرضت لها هذه الاقتصادات نتيجة الأزمة»، مشيرين إلى أن «حجم الخسائر التي تعرضت لها الاقتصادات الخليجية نتيجة الأزمة العالمية أكبر بكثير من حجم مساهمتها في الاقتصاد العالمي».

وأوضح الخبراء انه على العكس من أزمات الركود السابقة التي مر بها الاقتصاد العالمي، فإن الأزمة الحالية «اتسمت بالتناقض الشديد بين حجم المساهمة في إجمالي الناتج المحلي العالمي، وبين حجم الخسائر التي تكبدتها مختلف مناطق العالم الاقتصادية».

وقال مفوض الشؤون الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط في مجموعة بوسطن الاستشارية الدولية الدكــتور كمال معامرية إن ظاهرة الاخــتلال بــين حجم المساهمة في إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، وبين حجم الخسائر الناتجة عن أزمة الركود تظهر بصــورة أوضح في الاقتصادات الخليجية التي يبلغ حجمها مجتمعة تريليون دولار بما يعادل حجم اقتصاد المكسيك أو هولندا أو استراليا، في الوقت الذي بلغ حجم خسائر الاقتصادات الخليجية نتيجة الأزمة العالمية أكثر من 2.5 تريليون دولار، من بينها 2.8 مليار دولار خسائر تحملتها البنوك الخليجية بما يعادل 1٪ من حجم الخسائر المحققة.

أعراض الأزمة

وبرر معامرية الاختلال بين حجم مساهمة الاقتصاد الخليجي في الاقتصاد العالمي وحجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الخليجي بأربعة عوامل. وقال إن العامل الاول هو «تأثر اقتصاد الخليج بسبب انخفاض أسعار النفط إلى اقل من 40 دولاراً، مما ضاعف الشعور بحدة الركود خليجياً، فضلاً عن تعرّض الميزانيات الخليجية للمرة الاولى منذ سنوات عدة للعجز، خصوصاً وان العديد منها يستند إلى نقطة تعادل بين الإيرادات والمصروفات عند مستوى 40 دولاراً للبرميل».

ورأى معامرية أن العامل الثاني الذي ضخّم من حجم الشعور بالأزمة في الخليج هو أن «الاقتصاد الخليجي يعتمد بنسبة كبيرة على تمويل مشروعات التنمية الطموحة من أسواق المال الدولية، والتي تعاني في الوقت الحالي من نقص شديد في السيولة، ما أثر في قدرات التمويل المحلية التي أصبحت مطالبة بالعمل فوق طاقتها».

اما العامل الثالث يعود إلى أن «جانباً مهماً من فوائض النفط استثمر في مشروعات في كثير من الدول التي كانت مركزاً للأزمة العالمية».

وقال «إن العامل الرابع هو أن الخليج عندما اختار سياسة التنويع الاقتصادي للهروب من تقلبات أسعار البترول اختار قطاعات معتمدة بدورها على البترول مثل صناعة البتروكيماويات أو قطاعات يتوقف نموها وفقاً لما يحدث للاقتصاد العالمي مثل السياحة».

الواقعية الجديدة

بدوره، رأى الخبير الاقتصادي الدكتور كلاوس كيسلر أن «الخطوط العريضة لنموذج التنمية الخليجي القائم على الخدمات مازال صحيحاً، ولكنه يحتاج إلى بعض التعديلات على ضوء ما أسفرت عنه الأزمة العالمية، في مقدمته الاتجاه إلى التصنيع في القطاعات التي تتمتع فيها الدول الخليجية بميزات تنافسية نسبية».

وتشمل قائمة الصناعات التي يطالب الدكتور كيسلر بالتركيز عليها الصناعات الغذائية، والتكنولوجيا الحيوية، والاتصالات، والصحة، مشيراً إلى أن «الاتجاه إلى التصنيع لا يعني التخلي عن الاقتصاد الخدمي كما لا يعني تصنيع كل شيء».

وقال كيسلر إن صانعي القرار الاقتصادي في الدول الخليجية يتعين عليهم تطوير نموذج التنمية الاقتصادية الحالي ليصبح النمو أكثر استدامة وأكثر توازناً مع حجم الموارد المالية والبشرية والعملية والتكنولوجية المتاحة لعملية التنمية.

ورأى الدكتور كيسلر أن «تحقيق هذا الهدف يتطلب إجراء تغييرات جذرية في الإطار التشريعي وفي العملية التعليمية للتركيز على البحث والتطوير والصناعات القائمة على الابتكار وتحقيق التكامل بين الروافد المختلفة لتحقيق النمو وإطلاق الحرية للقطاع الخاص في بدء المشروعات والدخول في قطاعات جديدة».

ويؤكد انه بالرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية على المستوى العالمي إلا أن الاقتصادات الخليجية تملك مجموعة من المقومات التي تشكل لها طوق نجاة من الأزمة الحالية، في مقدمتها أن اغلب دول الخليج لديها مستويات ديون منخفضة بالمقارنة مع بقية الدول، ولديها احتياطات مالية ضخمة تحت تصرفها سواء من خلال احتياطات البنوك المركزية والتي قدرت بنحو 300 مليون دولار في العام الماضي، أو الأموال التي تديرها الصناديق السيادية والتي تقدر بنحو 1.2 تريليون دولار.

وقال «إن اقتصاد الخليج يعتمد بنسبة تصل في بعض الحالات إلى 60٪ على الحكومات، ما يفتح المجال أمام تعويض النقص المتوقع في أداء القطاع الخاص».

ميزان القوى

رأى الخبير الاقتصادي الدكتور كلاوس كيسلر أن «الثغرات التي تعاني منها الاقتصادات الخليجية والتي سلطت أزمة الركود الاقتصادي الضوء عليها تأتي في مرحلة حرجة يشهد فيها ميزان القوى الاقتصادية العالمية تحولاً تدريجياً مضطرداً من الغرب إلى الشرق، وهو ما يفرض على الدول الخليجية إعادة النظر في علاقاتها التجارية واستراتيجياتها الاستثمارية لتحديد الأولويات وإعادة توجيه الموارد».

وتشير دراسة حديثة أجراها صندوق النقد الدولي عن أزمات الركود الاقتصادي التي أصابت العالم إلى أن «أزمات الركود الاقتصادي التي تكون مسبوقة بأزمات مالية مثل الأزمة الحالية تكون أعمق بمقدار مرتين وأطول بمقدار ثلاث مرات من أزمات الركود الاقتصادي التي لا تكون مسبوقة بأزمات مالية».
تويتر