«النفط الرخيص» يهدد الاقتصاد العالمي على المدى البعيد
يشعر أصحاب السيارات بالارتياح لأن أسعار الوقود لم تعد مصدراً للقلق في وقت يواجهون أسوأ كساد منذ الثلاثينات من القرن الماضي، لكن الوقود الرخيص ليس في مصلحة أحد على المدى الطويل.
فقد انهارت أسعار النفط العالمية منذ يوليو الماضي وفقدت ثلثي قيمتها بعد وصولها إلى أعلى مستوى على الإطلاق قرب 150 دولاراً للبرميل، ما أدى إلى نزول أسعار الوقود إلى أدنى مستويات منذ سنوات عدة.
في حين أن أسعار الوقود المنخفضة مبعث ارتياح على المدى القصير للمستهلكين والشركات التي تكافح لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية، فإنها قد تكون نقمة على الجميع على المدى البعيد؛ فأسعار الطاقة المنخفضة تحد من الاستثمار في صناعة النفط ما يقلص الإمدادات المستقبلية للأسواق، كما أنها لا تشجع على ترشيد استهلاك الطاقة، وتزعزع استقرار الدول المعتمدة على تصدير النفط، ما يعزز احتمالات ارتفاع تكلفة النفط مستقبلاً ويجعل إمداداته أقل استقراراً.
وربما يكون الأهم من ذلك كله أن أسعار الطاقة المنخفضة توقف فعلياً الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة، وهو ما يؤدي بدوره إلى تفاقم الاعتماد على النفط وغيره من أنواع الوقود الأحفوري، ما يزيد من انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
ويقول رئيس أبحاث النفط في بنك «سوسيتيه جنرال» الفرنسي، مايك ويتنر «على المدى القصير جداً، ولأننا في حالة كساد، فإن انخفاض أسعار النفط أمر مفيد لنا جميعاً، إنها بمثابة إعفاء ضريبي حيث توفر لنا أموالا لفترة قصيرة، لكن على المدى البعيد فإن أسعار النفط اليوم أقل من أن تدعم إمدادات جديدة تذكر، وستؤدي إلى إبطاء التحرك نحو الوقود البديل والتكنولوجيا الجديدة وترشيد الاستهلاك».
السعر العادل
وقال الملك عبدالله عاهل السعودية السبت الماضي إن ٧٥ دولاراً للبرميل يمثل سعراً «عادلاً» للنفط، وفسر وزير البترول السعودي، علي النعيمي، ذلك لاحقاً بقوله «إن النفط عند هذا المستوى سيشجع على الإنتاج الجديد من مصادر هامشية أعلى تكلفة».
وأثار التعليق انتقادات من بعض الأوساط، وقال وزير الاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني، توشيهيرو نيكاي، للصحافيين في طوكيو «هناك تعليقات متكررة من منتجي النفط عن سعر بين ٦٠ و75 دولاراً للبرميل، أما بالنسبة لنا فإنه كلما كان سعر النفط أرخص كان ذلك أفضل».
لكن معظم المحللين يتفقون بشكل عام مع وجهة النظر السعودية، ويقولون إنهم يخشون عواقب نقص الاستثمار في صناعة النفط ويشددون على ضرورة الحيلولة من دون نقص المعروض في الأعوام المقبلة.
وأضافوا «إن تعليق اليابان التي تعتمد كلياً تقريباً على واردات الطاقة، وتبدو في طريقها إلى أطول فترة انكماش اقتصادي على الإطلاق، يعكس رؤية استراتيجية قصيرة المدى».
وقال رئيس أبحاث السلع الأولية في «دويتشه بنك»، مايكل لويس «أثناء التباطؤ الاقتصادي نحتاج لأي نوع من المحفزات يمكن الحصول عليه، ومن شأن انخفاض سعر النفط أن يساعد في ذلك، لكن لابد من الوصول إلى سعر مثالي مستقر يحقق التوازن بين الحاجة للتنقيب وتمويل مشروعات الطاقة البديلة».
وأضاف أن «الاستقرار في أسعار الطاقة أمر ضروري لأي نوع من التخطيط على المدى البعيد».
ويؤكد رأي لويس تصريحات وزير النفط الهندي، أب. أس. باندي الذي قال الثلاثاء الماضي «بصفتنا من كبار المستهلكين، فإننا نريد أن تظل الأسعار مستقرة حول هذا المستوى، والأهم هو استقرار الأسعار، فالتقلبات بالشكل الذي شهدناه هذا العام كانت بالغة السوء».
ويرى لويس أن «السعر المثالي» للنفط هو بين60 و80 دولاراً للبرميل»، ويقول إن هذه هي «القيمة العادلة على المدى البعيد».
دعم الاستثمار
من جانبه، قال مدير مجموعة أسواق الطاقة في مؤسسة «غلوبال انسايت» في لندن، سايمون وارديل: «إن هناك اتفاقاً عاماً بين دول (أوبك) والدول المستهلكة على أن السعر الملائم للنفط يبلغ نحو 75 دولاراً للبرميل».
وأضاف «هذا السعر يجذب الاستثمار في الإنتاج الجديد وهو مرتفع بما يكفي لتشجيع ترشيد استهلاك النفط، كما أنه كافٍ للحفاظ على ميزانيات دول الشرق الأوسط».
وتقدر مؤسسة «بي.اف.سي انرجي للاستشارات»، ومـقرها واشنطن، أن «منتجي النفط في الشرق الأوسط يحتاجون لأسعار النفـط هـذا العام تتراوح بين 40 و60 دولاراً للبرمـيل للحفـاظ عـلى مـوازين المعاملات الخارجية من دون عجز».
وقال وارديل «ما يشغلني هو أن السعر ينخفـض أكثر من اللازم، وسعـر أقـرب إلى ما بين 70 و 75 دولاراً يمثل توازناً جيداً».
مصادر جديدة
تقول وكالة الطاقة الدولية إنها «تريد أسعار نفط مرتفعة بما يكفي للتشجيع على مواصلة الاستثمار في مصادر طاقة جديدة، بما فيها حفر آبار في المياه العميقة وهي عملية باهظة التكلفة».
وقال رئيس قسم صناعة وأسواق النفط في الوكالة، ديفيد فايف «من الصعب جداً تقدير مستوى مطلق للسعر العادل، لكن هناك الكثير من النفط مرتفع التكلفة سواء في المياه العميقة جداً أو في الرمال النفطية في كندا أو في المناطق القطبية في شمال روسيا وكلها تحتاج لسعر مرتفع نسبياً».
ومضى قائلاً «سيكون هناك خطر إذا انخفضت الأسعار أكثر، فسيؤدي هذا إلى تفاقم احتمالات شح الإمدادات على المدى المتوسط».