مستثمرون في »دبي المالي« تابعوا انخفاضات الأسبوع الماضي على شاشات التداول. تصوير: عماد علاء الدين

أسواق الأسهم المحلية تخالف بــــــــــورصات العالم

سلكت أسواق الأسهم المحلية خلال الأسبوع المنقضي مسلكاً غير معتاد في أي من الأسواق المالية الدولية، سواء المتقدمة أو الناشئة، وخالفت الأسواق الإماراتية المعايير الأساسية والفنية كافة، كما خالفت اتجاه التذبذب الأفقي الذي يقترب من حالة الاستقرار في جميع الأسواق المالية الأخرى.

وشهدت الأسواق الإماراتية ـ بحسب محلل مالي ـ ظاهرة «تحدث للمرة الأولى في تاريخ الأسواق المالية، حيث هبطت يوميا ولمدة أسبوع كامل من التداولات بنسبة تقترب كثيرا من الحد الأدنى المسموح به (الليمت داون)».

وفقد مؤشر «سوق دبي المالي» 24% من قيمته خلال الأسبوع المنقضي لتقترب نسبة انخفاضه منذ بداية العام من 65%، بينما فقد مؤشر «سوق أبوظبي» 16% من قيمته خلال الأسبوع لتصل نسبة انخفاضه منذ بداية العام إلى 39%.

ودعا محللون إلى ضرورة الاعتراف بالأزمة والبحث عن بدائل للسيولة الساخنة أو المضاربية التي خرجت من الإمارات في ظل الأزمة المالية العالمية، والتي وصلت قيمتها إلى نحو 219 مليار درهم.

وقالوا «إن مشكلة نقص السيولة في المصارف المحلية لم تبدأ الشهر الماضي ـ كما يعتقد البعض ـ فوفقاً لبيانات المصرف المركزي عن شهر سبتمبر الماضي، فقد زاد الفارق بين القروض وبين الودائع بنسبة 16% تقريباً لدى 16 مصرفاً في دبي وأبوظبي ووصل الفارق في بعض البنوك إلى أكثر من 47%».

وأشاروا إلى أهمية اقتداء جميع الشركات المصدرة للأسهم بالخطوة التي أقدمت عليها شركة «صروح العقارية» بتخفيض نسب تملك الأجانب.

تعمد الانخفاض

وتفصيلاً، قال المستشار الاقتصادي وخبير الأوراق المالية، الدكتور همّام الشمّاع «في الوقت الذي يسود أسواق الأسهم العالمية بعض الانتعاش أو على الأقل تذبذب بين ارتفاع وانخفاض، تراجعت الأسواق الخليجية بشكل منتظم طيلة أيام الأسبوع، وكأن هناك ما يشبه التعمد في إبقاء هذه الأسواق تعاني من تداعيات أزمة لم تكن  مسؤولة عنها».

وأضاف «كان من الملاحظ أن الأسواق الأكثر تراجعاً كانت في البلدان الخليجية الأكثر انفتاحاً على الاقتصاد العالمي، وطبعا فقد شهدت سوق الإمارات المالية التراجع الأكبر كنسب مئوية، سواء منذ بدء مسار تراجع الأسواق الخليجية أو في أيام الأسبوع المنقضي، خصوصاً الثلاثاء الذي بدأت فيه عمليات البيع بسبب الهلع في كل أسواق الخليج نتيجة وصول المتداولين لمرحلة «اليأس» جراء ما تكبدوه من خسائر فادحة».

وتابع الشماع أن «حالة الهلع والرغبة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه التي ترسخت لدى البعض من المتداولين والبنوك التي وصلت إلى قناعة ضرورة بيع الأسهم المرهونة وعدم التريث في ذلك، نجمت عن تضافر عاملين، أولهما: تزايد مؤشرات شح السيولة لدى المصارف، والتي أضيف إليها مؤشر زيادة الفرق بين القروض وبين الودائع لبيانات شهر سبتمبر التي أصدرها المصرف المركزي بنسبة 16% تقريباً لدى 16 مصرفاً في دبي وأبوظبي، بل إن هذه الفروقات وصلت في بعض البنوك إلى أكثر من 47%، الأمر الذي رفع من مستويات الحاجة إلى السيولة ودفعها إلى تسييل الأسهم المرهونة».
 
واستطرد قائلا «العامل الثاني الذي أسهم في تأجيج حالة الهلع لدى بعض المستثمرين، هو تصريحات صدرت عن مسؤولين بعضها أسيء فهمه، وأخرى كانت مقلقة، فقد فسر البعض تصريحات صدرت عن مسؤولين بشأن أسعار الأسهم بشكل غير دقيق، حيث لم تؤُخذ على أنها محاولة للتخفيف من وقع التراجعات على نفسية المتداولين، لكنها  فُسرت خطأ وبطريقة سلبية على أنها قبول بواقع الحال واستسلام له».

لافتاً إلى أن «تصريحات صدرت عن بعض الشركات العقارية، كان لها تأثير غير مناسب في الأسواق، كان آخرها تصريح الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة «صروح» الذي أفاد بأن الشركة تدرس تأجيل تنفيذ بعض المشروعات بسبب التحديات التي تواجهها في قطاع التمويل في الوقت الراهن، بسبب شح السيولة التي تعاني منها البنوك، وهو أمر يتعلق بالبنوك وليس بالعقار، ما جعل السوق العقارية تفهمه على انه إشارة على تراجع السوق العقارية».

علاج الأزمة

وحول كيفية علاج الأزمة الحالية التي تشهدها الأسواق المالية، أفاد الشماع بأن «العلاج يكمن بشكل رئيس في معالجة أزمة السيولة التي تعاني منها البنوك في الوقت الراهن، لأن محاولة البعض إنكار وجود نقص هائل في السيولة تقود إلى صنع القرار الخاطئ، إذ إن البعض وظناً منهم بأن الأزمة في الأسواق هي نفسية لكثرة ما تردد على أنها أزمة ثقة، راحوا يقللون من آثارها السلبية في القطاعات الاقتصادية، ومن ضمنها أسواق الأسهم والعقار وغيرها من القطاعات الأخرى، معتقدين خطأ أن مثل هذا المنهج يمكن أن يعالج الأزمة».

وأكد أن «الإمارات كانت من أكثر الدول الخليجية استقطاباً للسيولة الساخنة أو المضاربية التي وصلت قيمتها إلى نحو 219  مليار درهم، وذلك لكونها الأكثر انفتاحاً على العالم الخارجي، الأمر الذي جعلها الأكثر تعرضاً لأزمة السيولة بعد السحب المفاجئ لهذه السيولة من المصارف المحلية، ما أسهم في خلق مشكلة توفير السيولة لدى البنوك».

ونبّه إلى أن «مشكلة نقص السيولة في المصارف المحلية لم تبدأ في الشهر الماضي كما يعتقد البعض، بل إنها كانت واضحة منذ شهر يونيو الماضي، عندما أصدر المصرف المركزي تقريراً يظهر أن حجم الودائع في البنوك يقل عن حجم القروض، ولقد تفاقمت الأزمة وأصبحت أكثر وضوحاً من خلال ارتفاع نسبة الفائدة على الودائع إلى 5% تقريباً، على الرغم من أن سعر الفائدة على شهادات الإيداع 1.5% فقط».

وقال «إن تعويض السيولة التي خرجت أصبح ضرورة لا بديل عنها، ولابد من اتخاذ إجراءات اقتصادية سريعة للحد من الانفلات الذي حدث في العقارات والطفرة العقارية غير المحسوبة، وغير المتناسبة مع الإمكانات المالية المحلية، والتي اعتمدت الديون سبيلاً لتطور انفجاري في القطاع العقاري».

«أسبوع الليمت داون»

من جهته، قال مدير قسم الأبحاث والدراسات في شركة «الفجر للأوراق المالية» الدكتور محمد عفيفي إن«أسواق الأسهم المحلية سلكت خلال الأسبوع المنقضي مسلكاً غير معتاد في أي من الأسواق المالية الدولية سواء المتقدمة أو الناشئة، حيث خالفت المعايير الأساسية والفنية كافة، وكذا خالفت اتجاه التذبذب الأفقي الذي يقترب من حالة الاستقرار في جميع الأسواق المالية العالمية الأخرى».

وأضاف «سيطرت العشوائية والفوضى العارمة على التداولات وتسارعت وتيرة عمليات البيع العشوائي غير المنظم الذي لا يستهدف سوى الهروب من السوق».

وتابع «الجميع، سواء كانوا مستثمرين أو مضاربين، تسابقوا للخروج النهائي من السوق بأي قدر من الخسائر وسط حالة من الهلع واليأس، وباتت الدهشة والاستغراب مما يحدث هي السمة المميزة لكافة المتابعين لحركة أسواقنا المحلية، خصوصاً إذا ما تمت مقارنتها بحركة أي أسواق أخرى خارج منطقة الخليج، إذ ولأول مرة في تاريخ الأسواق المالية نجد سوقاً مالية تهبط يومياً ولمدة أسبوع كامل من التداولات بنسبة تقترب كثيراً من الحد الأدنى المسموح به (الليمت داون) بحيث يمكننا أن نطلق على هذا الأسبوع لقب «أسبوع الليمت داون».

وأكد عفيفي أن «سوق دبي كانت أكثر الأسواق الخليجية تضرراً وأسبقها نحو «الليمت داون» مع الدقائق الأولى من كل جلسة من جلسات تداول في الأسبوع، بحيث فقدت 24% من قيمتها خلال هذا الأسبوع فقط بينما فقدت سوق أبوظبي 16%».

الشرارة الأولى

وأوضح أن «الشرارة الأولى لذلك الانهيار أتت مع تزايد حركة البيع القسرى من جانب البنوك الوطنية لمحافظ العديد من عملائها الكبار من أجل إنقاذ أموالها التي أقرضتها لهم بهدف تمويل شراء أسهم في السابق، لكن أسلوب ذلك البيع اتسم بالعشوائية وعدم الحرص على المصلحة العامة ودفع أسعار الأسهم نحو أدنى مستوى مسموح به، ومن ثم تسبب في الإضرار كثيراً بفئات عريضة من المستثمرين بالأسواق وجعلت العديد من الأسهم المحلية يتم تداولها بأسعار أقل كثيراً من قيمتها الدفترية».

ولفت عفيفي إلى أن «الأمر تجاوز ذلك لتتزايد أعداد الأسهم التي يتم تداولها بقيمة أقل من الدرهم يوماً بعد يوم، وكانت الطامة الكبرى أن تزامنت عمليات تسييل محافظ عملاء البنوك قسريا، مع توالي العديد من التصريحات السلبية من مسؤولين عن شركات قيادية بالسوق عكست النظرة التشاؤمية لسلوك واتجاه حركة أسعار الأسهم في المستقبل المنظور، وتفضيلهم الاحتفاظ بالأموال في صورة نقدية بدلاً من استثمارها في الأسهم التي تتصف بدرجة عالية جداً من السيولة ومكررات ربحية متدنية وأسعار أقل من قيمتها الدفترية».

واعتبر أن «الاحتفاظ بالنقد بدلاً من استثماره في الأسهم قد يصلح فقط في حال كانت الأسهم ضعيفة السيولة أو الأسهم ذات مكررات الربحية المرتفعة أو الأسهم المبالغ في أسعارها السوقية، ومن ثم فإن هذه التصريحات كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وللأسف تزايدت بل وتوالت تلك التصريحات السلبية من مصادر عدة، الأمر الذي شكل ضغطاً هائلاً على فئات المستثمرين بالأسواق كافة، وأدى إلى تدافع الجميع للهروب من السوق والتخلص من أسهمهم بأي سعر».

ولفت إلى أن «ثقافة المضاربة على الهبوط انتقلت هذه المرة ونتيجة لتلك التصريحات من الأجانب إلى المستثمرين المحليين، وأصبحت السوق المحلية في حالة من السقوط الحر ـ إن صح التعبير ـ الذي لن تفيد محاولات إيقافه في الوقت الحالي».
 
انطلاقة جديدة
 
أشار مدير قسم الأبحاث والدراسات في شركة «الفجر للأوراق المالية»، محمد عفيفي إلى أن «البداية الجديدة للأسواق قد تنطلق من سوق أبوظبي الذي يتصف بالمعدلات الأعلى لكل من ربحية الشركات وريع الأسهم المدرجة به، كما يتمتع بالنسبة الأقل لانخفاض مؤشره منذ بداية هذا العام بنسبة 39%، بينما انخفض مؤشر سوق دبي بنسبة تقترب من 65% منذ بداية العام، وفضلاً عن ذلك لم يشهد سوق أبوظبي الإعلان عن حالات فساد واختلاس ورشى كما حدث في سوق دبي، ولم تصدر تصريحات عن مسؤولي الشركات المدرجة به تهز الثقة في تلك الشركات وتضعف من قدرتها على التخلص من الاتجاه الهابط المستمر».

 

إجراءات إيجابية

حدد المستشار الاقتصادي وخبير الأوراق المالية، همّام الشمّاع، عدداً من الإجراءات الايجابية التي اتخذت لمواجهة الأزمة المالية، ومنها «خطوة حكومة دبي بوضع نظام مركزي لإدارة الدين الحكومي وديون الشركات المملوكة لها، وكذا الخطوة المحمودة التي اتخذها المصرف المركزي والمتمثلة في بحث سبل تعزيز استراتيجية التفتيش والإجراءات الرقابية وكيفية إيجاد أوعية مالية للتعامل مع القروض العقارية، ويمكن في هذا المجال الأخذ بمقترح إيجاد مؤسسة تتولى إعادة تمويل الرهن العقاري بأموال حكومية وتعمل على أسس تجارية».

واصفاً الإجراء الذي اتخذته شركة «صروح» بتخفيض نسبة تملك الأجانب في الشركة بأنه «خلاصة للعبر والدروس التي يجب أن تستخلص من الأزمة المالية العالمية، حيث إن «صروح» استبقت التغييرات التي ستجري على النظام الاقتصادي العالمي، والتي ستتجه نحو تقليص دور الأموال عابرة القارات والحدود وتقلص من دور العولمة المالية».

وأشار الشماع إلى «ضرورة أن تقتدي الشركات المصدرة للأسهم بقرار «صروح»، بحيث يتخذ هذا القرار صيغة حركية من خلال تخفيض الشركات نسبة تملك الأجانب مجدداً مع كل مرة يقومون فيها بالبيع وتنخفض فيها عملياً حصتهم في ملكية الشركة وصولاً إلى تصفير هذه الحصة إذا ما قاموا ببيع كامل ما يمتلكونه من أسهمها».

الأكثر مشاركة