سياسة «غوغل» للخصوصية تثير استــــياء مستخدمين وحكومات
تتقدم «غوغل» على غيرها من الشركات التقنية في عدد الخدمات التي تقدمها، بدءاً من محرك البحث الأول على الإنترنت، وخدمة البريد الإلكتروني، ونظام تشغيل «أندرويد» للهواتف الذكية، وحتى ابتكارها الأحدث «نظارة غوغل»، وتتجاوز الشركة أي كيان آخر، سواء شركة أو حتى الحكومات، من حيث قدر المعلومات التي تجمعها عن ملايين من مستخدمي خدماتها، وحولت مهمتها المتواصلة في فهرسة العالم والناس واهتماماتهم إلى إعلانات تجارية تُقدر بنحو 50 مليار دولار كل عام.
وهذا الأمر يُحمّل «غوغل» مسؤولية مضاعفة، إذ يقول مدير «منتدى مستقبل الخصوصية»، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية ترعاها «غوغل» وشركات تقنية أخرى، جوليز بولونتسكس: «تتحمل )غوغل( مسؤولية خصوصاً لتقديم ضمانات جدية حول كيفية استخدامها للبيانات نظراً لاتساع نطاقها».
وتؤكد «غوغل» كغيرها من الكيانات الأخرى، التي تقدم خدماتها لمستخدمي الإنترنت، على عنايتها بخصوصية المستخدمين وحماية معلوماتهم الشخصية من التدخل الحكومي، لكنها في الوقت نفسه لا تتوقف عن جمع وتحليل بياناتهم؛ إذ تمثل مصدر الربح الأساسي لها على الرغم من معارضة بعض المستخدمين لتتبع وتحليل جانب كبير من حياتهم الشخصية على الإنترنت.
وعلى الرغم من أن «غوغل» لا تحتفظ بنفس القدر من المعلومات المرتبطة بكل شخص كما هو الحال مع موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، الذي يحظى بأكثر من 1.15 مليار مستخدم نشط شهرياً، ويجمع قدراً من البيانات يقل عن «غوغل»، إلا أن تشجيعها لمستخدمي خدماتها على المشاركة عبر خدمتها الاجتماعية «غوغل بلس» يُقربها من اللحاق بـ«فيسبوك».
وتناول تقرير لصحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية البيانات التي تجمعها «غوغل» عن مستخدمي خدماتها، ومدى اهتمامها بحماية خصوصيتهم، خصوصاً في الآونة الأخيرة مع تزايد الاهتمام بالموضوع، وتحديداً في الولايات المتحدة وأوروبا، واضطرار الشركة إلى تأخير طرح بعض منتجاتها لمعالجة المسائل المتعلقة بخصوصية المستخدمين.
ونسبت الصحيفة إلى أشخاص على صلة بعملية جمع البيانات في «غوغل» قولهم إنه يمكن لمستخدم نشط أن يُنتج خلال ساعة واحدة من استخدام خدمات «غوغل» مئات وآلاف أجزاء البيانات التي تُحفظ في حواسيب الشركة.
وتتضمن المعلومات التي تجمعها «غوغل» بيانات عما يبحث عنه مستخدمو الإنترنت، ومقاطع الفيديو التي يشاهدونها في «يوتيوب»، الذي يتجاوز عدد زواره مليار شخص في كل شهر، إضافة إلى الاتصالات التي يجريها نحو مليار مستخدم للهواتف الذكية العاملة بنظام تشغيل «أندرويد»، والرسائل التي يبعثون بها من الهاتف وباستخدام بريد «جيميل»، الذي يحظى بأكثر من 425 مليون مستخدم، بجانب المعلومات الخصوصاً بالموقع الجغرافي لمستخدمي هواتف «أندرويد»، وخدمة الخرائط.
ولدى «غوغل» بيانات البطاقات الائتمانية لما يزيد عن 200 مليون مستخدم لهواتف «أندرويد» ممن يشترون التطبيقات والكتب الإلكترونية من متجرها «غوغل بلاي».
وتواصل «غوغل» جمع البيانات عن مستخدمي خدماتها سواء سجلوا الدخول لحساباتهم أو لا، وفي حال سجل المستخدم الدخول لحسابه ترتبط المعلومات التي يتم جمعها باسم الحساب، كما تُسجل الشركة عناوين مواقع الإنترنت التي يزورها المستخدم عقب إجراء بحث في محرك بحث «غوغل».
وفي حال زار المستخدم مواقع إنترنت من دون إجراء بحث في «غوغل»، فإنه يمكن للشركة التعرف إلى المواقع التي يزورها مستخدمو متصفح الإنترنت التابع لها «غوغل كروم»، وكذلك تسجل عناوين ملايين المواقع التي تتضمن أجزاء من شفرة «غوغل» مثل زر «1+»، الذي يتيح مشاركة المحتوى في «غوغل بلس».
وتواصل «غوغل» سعيها لجمع البيانات عن مستخدميها بهدف تقديم إعلانات أقرب إلى اهتماماتهم وتطوير خدماتها مثل «غوغل ناو»، المساعد الشخصي في نظام «أندرويد»، كما يمكن لها أن تجمع أشكالاً جديدة من البيانات عند طرح «نظارة غوغل» للمستخدمين، التي تتيح جمع المعلومات عن محيطهم، وتجتهد لامتلاك البنى الأساسية التي تستخدم لتوفير الاتصال بالإنترنت في الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وغيرهما.
ومع ذلك تعرض «غوغل» على المستخدمين جانباً من المعلومات التي تجمعها عنهم من خلال زيارة «لوحة التحكم» وإعدادات الخصوصية، لكن يلجأ لهذه الأدوات نسبة قليلة جداً من المستخدمين، كما يظل بمقدور للمستخدمين منع «غوغل» من تقديم إعلانات بناء على البيانات التي تجمعها عن تصفحهم واستخدام خدمات الشركة.
وكانت «غوغل» بدأت قبل ثلاثة أعوام وبطلب من الرئيس التنفيذي للشركة وأحد مؤسسيها، لاري بيج، تطوير أداة بسيطة للخصوصية في شكل مؤشر يمكن تحريكه، وتتيح للمستخدمين اختيار الدرجة التي يسمحون فيها لـ«غوغل» بجمع بيانات عن استخدامهم لخدماتها المختلفة، فيمكن لهم الاختيار بين الحد الأقصى والأدنى ودرجة متوسطة.
لكن «غوغل» تخلت عن الفكرة بعد مناقشات ومحاولات عدة، وفق ما ذكرت مصادر على صلة بالأمر للصحيفة، وترجع أسباب التوقف إلى تنوع الخدمات التي تديرها «غوغل»، التي يعمل كلٌ منها بشكل مختلف، فكان من المستحيل حصر ضوابط الخصوصية في فئات محدودة، كما أن السماح للمستخدمين باختيار الحد الأقصى من الحماية لمعلوماتهم يتعارض مع جهود «غوغل» لجذب مزيد من المستخدمين إلى مشاركة معلوماتهم الشخصية في «غوغل بلس».
وأشارت الصحيفة إلى عدم انفتاح مديري «غوغل» على الحديث عن إجراءات معالجة البيانات داخل الشركة، خوفاً من أن تؤثر هذه النقاشات بشكل سلبي في علاقة الشركة بمستخدمي خدماتها، لكن تزايدت النقاشات الداخلية حول سياسات الخصوصية المتبعة لأسباب من بينها تدقيق بعض الحكومات، حتى أنه أحياناً ما تتسبب المراجعات الداخلية في تأخير إطلاق بعض المنتجات الجديدة، وتُصر مجموعات المهندسين المختصين بالخصوصية والفريق القانوني على إجراء بعض التغييرات قبل طرح المنتجات للمستخدمين، حسبما نسبت الصحيفة إلى مصادر مُطلعة.
فبينما بدأت الشركة العمل على تطوير «جوجل ناو» في عام 2011، تأخر إطلاقه إلى العام التالي بسبب حاجة فريق التطوير إلى الحصول على تصريحات واسعة للسماح بجمع بيانات المستخدمين من منتجات أخرى مثل «جيميل» ومحرك بحث «غوغل»، كما أجلت الآراء القانونية من عملية التطوير لبضعة أسابيع؛ إذ تعين على فريق العمل التأكد من أنه في حال حذف المستخدم إحدى رسائله البريدية في «جيميل» سيحذف «غوغل ناو» بالتبعية قدر المعلومات المستخلصة منها. وحالياً تواجه «غوغل» مطالبات كثيرة من السلطات في دول أوروبية عدة، بينها فرنسا وبريطانيا، حول سياسة الخصوصية التي تعتمدها، وتطالب عدد من المنظمات المعنية «غوغل» بالتراجع عن بعض أجزاء سياسة الخصوصية الجديدة التي أقرتها العام الماضي، التي أتاحت لها مزج البيانات التي تجمعها عن المستخدمين عبر خدماتها المختلفة، وترى أنه يتوجب على «غوغل» إطلاع المستخدمين على المدة التي تحتفظ بها بكل شكل من أشكال البيانات، ومنحهم الاختيار بين الموافقة على التغييرات التي أجريت العام الماضي أو الحفاظ على المعلومات منفصلة كما كان الحال من قبل.